گلاويژ بين الذكاء الاصطناعي والهوية الثقافية

PUKMEDIA

*محمد شيخ عثمان

كان لي الشرف أن أدير جلسة الذكاء الاصطناعي في مهرجان گلاويژ الدولي الـ٢٨، في لحظةٍ تاريخية نعيش فيها تحوّلا عميقاً لم يعد ينتظر أحدا ،فالذكاء الاصطناعي لم يطرق الأبواب، بل دخل إلى تفاصيل حياتنا بصمت مذهل، وفرض علينا مسؤولية التفكير والعمل والاستعداد لمرحلة غير مسبوقة من التطور العلمي.

نحن نقف حقا اليوم أمام مفترق طرق فبينما يستعد العالم—من الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي—لهذه القفزة بوصفها قضية أمن قومي واستراتيجية طويلة الأمد، لا تزال مؤسساتنا الرسمية بعيدة عن أي نقاش جدي حول آثار هذا التحول. وهذه الفجوة بين ما يحدث في العالم وما نستعد له محلياً تشكّل خطراً واضحاً على مستقبلنا الثقافي والاقتصادي والتعليمي.

لقد تناولت الندوة أربعة محاور أساسية—الثقافة الجديدة والذكاء الاصطناعي،التاليف الموسيقى والذكاء الاصطناعي، التربية والتعليم في عصر  الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي بين الخرافة والحقيقة —وهي محاور مهمة ومسهبة كشفت حجم التحدي وتعكس في الوقت نفسه إمكانات هائلة إذا أحسنا  إدارتها ووجهناها لصالح مجتمعنا.

دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي لا يعني تحديا او ترفا تقنيا فحسب، بل يعني مسؤولية تجاه الأجيال المقبلة، ومسؤولية تجاه هويتنا وثقافتنا وطريقة عيشنا ولذلك أصبح من الضروري أن تتحرك مؤسسات الدولة والجامعات ومراكز البحث لوضع رؤية وطنية واضحة تواكب هذا التحول وتمنع أن يتحول تأخرنا الرقمي إلى عبء تاريخي جديد.

وبما أن هوية مهرجان گلاويژ ،ثقافية، فإن إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن فعالياته يؤكّد أن هذا المهرجان لم يعد مجرد مساحة أدبية أو فنية، بل صار منصة تستشرف مستقبل الثقافة نفسها. فالذكاء الاصطناعي دخل على الأدب والفكر والفنون كضيفٍ يحمل معه العديد من المفاجآت، وهذا يعكس اهتمام مؤسسة گلاويژ بضرورة مواكبة هذا التحول الكبير، والتعامل مع تحدياته وتسهيلاته بما يحفظ الهوية الثقافية لجميع شعوب المنطقة. وهو موقف نادر في زمن لا نرى فيه اهتماماً جدياً بهذا الملف، حتى على مستوى مؤسسات الدولة والسلطات.

وهنا لا يسعني سوى أن أتقدم بالشكر لهذا الملتقى الأدبي الذي جعل الذكاء الاصطناعي إحدى فعالياته الأساسية، في خطوة تعبّر عن وعي ثقافي ورؤية متقدمة. ونتمنى أن تحذو بقية المؤسسات والهيئات هذا النهج حتى نصنع مجتمعا قادرا على دخول المستقبل بثقة ومسؤولية.

PUKMEDIA