دمشق بين الجنوب والشرق

الآراء 10:59 AM - 2025-12-20
عباس عبدالرزاق PUKMEDIA

عباس عبدالرزاق

كيف تُدار دولة تحت الضغط؟

تقف الحكومة السورية اليوم أمام معادلة بالغة التعقيد: من جهة، الضغط الإسرائيلي المباشر في الجنوب؛ ومن جهة أخرى، الوجود الأمريكي المدعوم للمناطق الكردية شرق الفرات. هذا الواقع الثنائي يجعل أي خطوة سياسية أو عسكرية في الوقت الراهن محفوفة بالمخاطر، ويجعل دمشق مضطرة لموازنة مصالحها الداخلية مع حسابات القوى الإقليمية والدولية.

الضغط الإسرائيلي
 في الجنوب: فرض واقع جديد

شهد الجنوب السوري خلال الأشهر الأخيرة تحركات إسرائيلية مكثفة، شملت توسعًا داخل المنطقة العازلة، إقامة نقاط تفتيش ومنشآت عسكرية، وإنشاء مهابط للطائرات. هذه الخطوات تهدف، بحسب إسرائيل، إلى تعزيز الردع وحماية الحدود، لكنها في الوقت نفسه تفرض وقائع ميدانية جديدة على الأرض، ما يقلّص هامش المناورة السوري ويضع دمشق في موقف دفاعي مستمر.

من منظور دمشق، أي استجابة عسكرية مباشرة ستكون مكلفة للغاية، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، خصوصًا في ظل عدم اليقين بشأن موقف الحلفاء الإقليميين والدوليين، فضلاً عن تداخل مصالح القوى الإقليمية في جنوب البلاد.

الشرق السوري: 
الواقع الكردي وورقة أمريكا الصامتة

في المقابل، تبقى مناطق شرق الفرات والمناطق الكردية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية («قسد») المدعومة أمريكيًا، ما يخلق حالة من الجمود السياسي والأمني. دمشق لا تستطيع فرض السيطرة بالقوة بسبب الوجود العسكري الأمريكي، كما أن أي تفاهم مع «قسد» يتطلب حذرًا شديدًا لتجنب الانتقادات الداخلية والإقليمية.

هذا الوضع يجعل إدارة الدولة السورية عملية متوازنة بين الضغط العسكري والسياسي، حيث يجب حماية مصالح الدولة الأساسية دون الدخول في مواجهة مفتوحة قد تفتت البنية الداخلية.

استراتيجية 
دمشق: التريث والمناورة

السياسة السورية الحالية تقوم على ثلاثة مستويات متداخلة:
1.  التريث الاستراتيجي: الانتظار حتى تتوضح خطوط التوازن بين إسرائيل وأمريكا و«قسد»، قبل الانخراط في أي تسوية.
2.  توظيف القنوات الدبلوماسية: الحفاظ على تواصل محدود مع واشنطن وموسكو و«قسد»، لضمان الحد الأدنى من الاستقرار.
3.  الضغط الرمزي والمراقبة الميدانية: تعزيز الوجود الأمني والعسكري في مناطق معينة، دون فتح جبهة مواجهة مباشرة، لإبراز قدرة الدولة على ضبط الملفات الحرجة.
بهذه الاستراتيجية، تحاول دمشق شراء الوقت لتثبيت موقفها التفاوضي، وتقليل الخسائر السياسية والعسكرية، بينما تراقب التطورات على الأرض بعين حذرة.

المخاطر والتحديات

التحديات أمام دمشق ليست عسكرية فقط، بل سياسية واستراتيجية: استمرار التوسع الإسرائيلي في الجنوب قد يفرض واقعًا دائمًا قبل التوصل إلى أي تفاهم.  الوضع الكردي شرق الفرات يخلق حالة من الجمود، ويجعل أي اتفاق شامل مع إسرائيل أو الأطراف الأخرى أكثر تعقيدًا. أي خطوة متسرعة قد تؤدي إلى تصعيد غير محسوب، ما يضع الدولة السورية أمام مأزق داخلي وخارجي مزدوج.

قراءة استشرافية

إدارة دمشق لهذه المعادلة تعتمد على القدرة على المناورة والتفاوض الرمزي، وتحويل الضغط الخارجي إلى وسيلة لتثبيت سيادتها تدريجيًا، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تفتح أبواب الفوضى. في الوقت نفسه، فإن هذه الاستراتيجية تجعل الدولة لا تملك زمام المبادرة الكامل، بل تكتفي بالتحكم الجزئي في الملفات الأكثر حساسية.

الخلاصة

دمشق اليوم تدير دولة تحت الضغط، بين توسيع النفوذ الإسرائيلي في الجنوب، والوجود الأمريكي–الكردي في الشرق. هذه المعادلة تجعل أي تحرك سياسي أو عسكري محسوبًا بدقة، وتبرز أهمية التريث والمناورة في الحفاظ على الحد الأدنى من السيادة والقدرة على التفاوض المستقبلي.

PUKMEDIA

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket