جهل حسابي أم ابتزاز متعمد؟

الآراء 11:11 AM - 2025-11-16
محمد شيخ عثمان PUKMEDIA

محمد شيخ عثمان

رواتب

رغم كل الاتفاقات المعلَنة بين إقليم كردستان وبغداد—سواء تلك المتعلقة بتصدير النفط، أو العائدات غير النفطية، أو آلية إرسال رواتب موظفي الإقليم— ما يزال المواطن الكردستاني يواجه مشهدا عبثيا يصعب استيعابه أو تبريره بأي منطق إداري أو مالي.
فبدلا من اعتماد آلية المقاصة المحاسبية المعروفة عالميا— حيث يمكن لبغداد ببساطة إرسال مبلغ الرواتب وخصم حصة العائدات غير النفطية (120 مليار دينار) مباشرة— نجد أن الحكومة الاتحادية تصرّ على مسار معكوس ومتعب وغير مفهوم: على إقليم كردستان أن يرسل 120 مليار دينار إلى بغداد أولا، ثم تنتظر بغداد لعدة أيام قبل أن تعيد إرسال الرواتب إلى الإقليم!.
هذه "الحركة الدائرية" في المال العام لاتنتج سوى نتيجة واحدة: زيادة العبء والتأخير والأذى المباشر لمتقاضي الرواتب، وإظهار الدولة الاتحادية كمن يملك الحق المطلق في الضغط والإذلال البيروقراطي غير المعلن.
وفق أبسط قواعد المالية العامة، فإن المقاصة إجراء طبيعي وسليم: ترسل بغداد مبلغ الرواتب كاملا، وتخصم مباشرة العائدات غير النفطية الخاصة بالإقليم، وينتهي الأمر بلا تأخير ولا تعقيد.
لكن بغداد لا تفعل ذلك، ولم تقدّم أي تفسير منطقي سوى الحديث عن اللاثقة او امكانية "المساءلة" و"الإجراءات القانونية"، وكأن المقاصة جريمة، أو ان إرسال الرواتب في وقتها مغامرة تستحق التردد والتهرب.
أمام هذا الإصرار على تجاوز القواعد المحاسبية الواضحة، يصبح السؤال مشروعا ومفتوحا:
هل نحن أمام جهل حسابي فاضح داخل مؤسسات القرار المالي في بغداد، أم أننا أمام ابتزاز سياسي مقصود يستخدم فيه حقّ الموظف الكردستاني كورقة ضغط في صراعات النفوذ؟.
ما يحدث اليوم لايبدو مجرد خلل تقني ولاتقصير إداري، بل ممارسة منهجية تبقي الرواتب رهينة للتأخير والمماطلة، وتوفر لبغداد أداة ضغط لا تمارس على أي محافظة عراقية أخرى.
السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني— الذي يرفع شعارات الإصلاح والحوكمة والخدمة— مطالب بأن يواجه هذا الاعوجاج المالي بشجاعة ووضوح، فحق مواطني الإقليم في الرواتب ليس منة وآلية المقاصة حق مالي وتنظيمي لا يحتاج إلى "استئذان" سياسي.
أما إبقاء الرواتب في دائرة الإرسال والاستلام العبثية، فهو ظلمٌ لا يمكن تغطيته بالكلام عن الإجراءات أو الذرائع القانونية.
المسار الصحيح واضح، والواجب أكثر وضوحا هو اعتماد المقاصة فورا، وإنهاء لعبة التأخير، وفصل الملفات المالية عن النزاعات السياسية، والتعامل مع موظفي الإقليم كمواطنين عراقيين تصرف رواتبهم بانتظام وكرامة وفق الاتفاقات المستندة الى قرارات المحكمة الاتحادية .
إلى ذلك الحين، سيظل السؤال معلقا في الاذهان: هل ما يجري هو جهل حسابي في بغداد،أم ابتزاز متعمد لن ينهيه إلا قرار سياسي يعترف بأن العدالة المالية يجب أن تطبق على الجميع دون استثناء؟.

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket