مام جلال..مرآة الزمن ونديم الحكمة

الآراء 11:10 AM - 2025-10-02
عباس عبدالرزاق PUKMEDIA

عباس عبدالرزاق

الرئيس مام جلال

مام جلال ليس اسمًا يُتلى عابرًا، بل هو أشبه بجرسٍ يوقظ الذاكرة كلما حاول النسيان أن يمدّ يده. هو صورة وطنٍ يتشظّى ثم يلتئم، وصوتُ أبٍ يعرف أن الكلمة أحيانًا أقدر من المدفع، وأن ابتسامة صادقة قد تفتح أبوابًا أوصدتها العواصف. 
حين نكتب عنه، كأننا نكتب عن نهرٍ يتدفق في الروح؛ كل جملة تُشبه قطرة، وكل صورةٍ ظلًّا من ظلاله الوارفة. فالرجل لم يكن زعيمًا سياسيًا وحسب، بل كان شاعر السياسة في زمنٍ قاسٍ، يحوّل الطين إلى نبتة، واليأس إلى ضوءٍ صغير يتسع شيئًا فشيئًا.
لقد استطاع أن يجلس إلى المختلفين كما يجلس الأب إلى أبنائه؛ يفتح ذراعيه ليجمع المتخاصمين، ويمسح بيده غبار الخلاف، كأنه يمسح غبار الطريق عن كتفي مسافرٍ عائد. كان يرى أن الوطن بيتٌ واحد، وإن كثرت أبوابه ونوافذه، فلا بد أن تُضاء كلها لتكتمل الإقامة فيه. وقد قال يومًا:
“العراق لا يُبنى بالإقصاء، بل بالشراكة والاعتراف بالآخر.”
وما أجمل أن نجد من يستعيد صورته بالكلمة، كما فعل عماد أحمد في مقالته التي لم تكن تقريرًا سياسيًا، بل مرآةً إنسانيةً تعكس جوهر القائد الذي أحبّ أن يُرى بوصفه إنسانًا قبل أي لقب. ذلك النص فتح أمامنا أفقًا جديدًا للكتابة عنه، حيث تتحول السيرة إلى قصيدة، والتجربة إلى مجاز، والذاكرة إلى حديقةٍ لا تذبل.
مام جلال باقٍ بيننا، لا في الصور المعلّقة على الجدران، بل في الحكايات التي تتردّد على الألسن، في صدى الضحكة التي تذكّرنا بأن الزعيم لا يفقد إنسانيته، وفي ذلك اليقين الذي يتركه فينا: أن السياسة بلا حكمة كالسفينة بلا بوصلة. وكان يردد دومًا:
“الثقافة هي الوجه الآخر للسياسة، ومن دونها تتحول السياسة إلى صراع أعمى.”
إن الكتابة عنه ليست مجرد وفاء، بل هي استعادة لزمنٍ حمل الكثير من الألم والكثير من الأمل معًا. زمنٌ أدركنا فيه أن بعض الرجال يتحولون بعد رحيلهم إلى رموزٍ تسكن اللغة والوجدان، وتبقى مثل قناديل صغيرة ترشد الخطى في عتمة الطريق.
مام جلال…
كان يجلس في حضرة المختلفين كما يجلس الأب إلى أبنائه، كلمةٌ منه كانت تسوّي هوّةً عميقة،
ولفتةٌ منه كانت كافية لتعيد الأمل إلى مائدةٍ موحشة.
لم يكن زعيمًا فقط، بل نديم الحكمة ورفيق الحلم، ورحيله لم يُطفئ القنديل، بل ترك فينا جمراً يضيء كلما تاهت الطرق.
وأنا أكتب عن مام جلال، أشعر وكأنني أسترجع نبضًا عاش بيننا، وصوتًا يهمس بالحكمة في كل زاوية. إنه أكثر من اسمٍ في كتب التاريخ؛ إنه تجربة تملأ القلب، وتعلّمنا أن القيادة ليست مجرد سلطة، بل إحساسٌ بالآخر، ومرافقة للأمل، وإيمان بأن الإنسان قادر على أن يكون أكبر من كل الخلافات، وأعمق من كل المصاعب.
مام جلال…
سيبقى حيًا ما بقيت الحكايات، وما بقي الشعراء يبحثون عن صورةٍ للإنسان الكبير، وما بقيت الشعوب تتلمس في الليل بصيص نورٍ يقودها إلى فجرها، وقصيدةً مفتوحة على أملٍ لا ينطفئ.

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket