من صوت الجبل إلى منطق السياسة: إعلان وقف السلاح وتحوّلات العقل الكردي السياسي

الآراء 01:29 PM - 2025-07-11
عباس عبدالرزاق PUKMEDIA

عباس عبدالرزاق

تركيا

في تموز 2025، تشهد كردستان الجنوبية (إقليم كردستان العراق)، وخاصة محافظة السليمانية، لحظة يمكن وصفها بالتاريخية: لحظة إعلان العودة إلى منطق السلام، ونهاية مرحلة امتدت أكثر من ثلاثة عقود من الحرب وحمل السلاح في جبال باكور (شمال كردستان / تركيا)، عبر خطوة رسمية من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني (PKK) نحو إيقاف العمل المسلح والسعي للحل السياسي، في تطوّر يُعيد إلى الواجهة مشروع “الحل السلمي” الذي كان الرئيس مام جلال طالباني قد أسس له مبكرًا.
فما الذي حدث؟ ولماذا الآن؟ وما دلالات هذه الخطوة على الواقع الكردي في باكور وباشور، وعلى تركيا والمنطقة ككل؟
أولًا: قراءة اللحظة – منطق السلاح يخفت، وإرادة السلم تبرز
بعد سنوات من الدم والانقسام والتشظي الداخلي والخارجي، وفي ظل الضغوط الدولية، والإقليمية، والتبدلات الجيوسياسية، يتقدّم خيار السلام مرة أخرى ليُنافس خطاب السلاح. ما جرى في السليمانية لم يكن حدثًا عابرًا، بل جاء كـ”تجسيد ميداني” لإرادة سياسية تصاعدت خلال السنوات الأخيرة في أوساط قيادات وشخصيات داخل PKK نفسها، تدعو إلى مراجعة التجربة المسلحة  إعادة النظر في التموقع الإقليمي للحركة  تجريب السبل الدبلوماسية والسياسية كخيار استراتيجي    وتجديدًا للعهد الذي بدأه مام جلال حين قال:  (لا مستقبل للحرب الكردية التركية خارج منطق الطاولة والتفاوض)
ليس من المصادفة أن تُعلن هذه المبادرة من أرض السليمانية، عاصمة  (الثقافیة الكردية) والمهد الطبيعي لـ الاتحاد الوطني الكردستاني (YNK) بزعامة الراحل مام جلال. فمنذ سنوات، كانت هذه المدينة وقيادتها السياسية تُصرّ على أن الحل في تركيا يبدأ من الداخل الكردي ذاته، من إعادة ترتيب البيت الكردي، ومن فتح الأبواب أمام العقول السياسية بدل البنادق.
السليمانية لم تُستخدم كوسيط فقط، بل كانت:مساحة آمنة للحوار الكردي-الكردي أرضًا رمزية لفكرة ( الكردستان الكبرى السلمية) جسرًا سياسيًا بين PKK والقوى الكردية الأخرى، وحتى أنقرة نفسها.
من جغرافيا القتال إلى أفق السياسة
إن خطوة PKK الأخيرة ليست فقط تراجعًا عسكريًا، بل هي إعادة تعريف لهوية الحركة. من حركة تحرر قومي مسلح إلى فاعل سياسي كردي إقليمي له رؤية، وأدوات، وعلاقات، واستعداد للاندماج في معادلة الحل.  وهذا الانتقال ليس سهلًا، لأنه يعني:
تجاوز البنية العسكرية العقائدية التي بُني عليها الحزب لعقود.
التعامل مع الدولة التركية من موقع الشريك السياسي وليس العدو الوجودي . إقناع الشارع الكردي في باكور بأن طريق الحوار قد يُثمر ما لم تُنجزه البنادق.
ماذا يعني هذا الإعلان لتركيا والمنطقة؟
 على صعيد تركيا، قد يُمهّد الطريق لعودة الحوار (كما حدث في 2013–2015)  يُخفّف الضغط الأمني عن الحدود الشرقية. لكنه يضع الحكومة التركية أمام اختبار النية.  هل هي مستعدة فعلًا لفتح قناة تفاوض أم أنها ستُناور؟
على صعيد إقليم كردستان
يُعزز الدور القيادي للسليمانية في رسم السياسات الكردية يُمكن أن يُخفف من التوترات بين PKK وحكومة الإقليم في المناطق الحدودية يُعيد ترتيب العلاقات الكردية–الكردية، خاصة بين PKK وPUK والحركات الأخرى.
على المستوى الدولي
يخلق فرصة جديدة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للعب دور داعم لحل سياسي يُحرج بعض الأطراف الإقليمية التي تستفيد من استمرار النزاع الكردي–التركي.
التحديات التي تواجه المسار الجديد
رغم أهمية اللحظة، إلا أن الطريق نحو السلام طويل وشائك، ومن أبرز التحديات:غياب ضمانات دولية حقيقية تلزم أنقرة بالاستمرار في الحوار.انقسام داخلي محتمل داخل PKK بين الجناح الداعي للسلم والجناح المتشدد ، تصاعد الخطاب القومي التركي المعادي للكرد داخل المؤسسات الأمنية والسياسية. هشاشة الثقة التاريخية بين الطرفين بعد انهيار محادثات السلام السابقة.
ما الذي تغيّر؟ ولماذا الآن؟
يمكن تلخيص دوافع هذا التحول التاريخي في عدة نقاط:
- فشل الخيار العسكري في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
-الضغوط الدولية على جميع الأطراف لخفض التصعيد في ظل أزمات إقليمية أوسع (غزة، أوكرانيا، سوريا).
- نضج جيل سياسي جديد داخل PKK يرى أن التفاوض لا يُناقض الكرامة القومية.
- تراكم الوعي السياسي في الداخل الكردي التركي الذي صار يُفضل التمثيل البرلماني والنقابي على البندقية. عودة إلى الجذور السياسية لمام جلال
حين قال الرئيس جلال طالباني إن: ( السلاح قد يصنع لحظة، لكن السياسة تصنع المصير ) ، كان يُلخّص مشروعًا يرى أن القوة الكردية الحقيقية ليست في الجبل، بل في الوعي، والإرادة، والتحالفات، والمنصات المدنية  واليوم، إذ تُطوى صفحة من تاريخ العنف، فإن جذوة ذلك المشروع تعود لتتوهج، ليس فقط في جبال قنديل، بل في قلب السياسة الكردية  فهل ستكون هذه المرة مختلفة؟ وهل تنجح الإرادة حيث فشلت الحرب.

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket