صمود أم سقوط؟ الإدارة الذاتية في مواجهة تحديات ما بعد الأسد

الآراء 11:13 PM - 2024-12-10
د. صلاح عزيز PUKMEDIA

د. صلاح عزيز

غربي كوردستان

مع سقوط نظام الأسد، دخلت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص. في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، شنت هيئة تحرير الشام والفصائل العسكرية السورية هجومًا مباغتًا، اجتاحوا خلاله مدينة حلب في 29 و30 من الشهر ذاته، مما أجبر القوات الحكومية على الانسحاب. سرعان ما تقدمت قوات المعارضة، مسيطرة على عدة مدن وصولًا إلى دمشق، حيث أُعلن في 8 ديسمبر 2024 إسقاط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم سوريا منذ عام 1963، ونهاية حكم عائلة الأسد الذي استمر منذ 1970. بذلك، طُويت صفحة نظام دام أكثر من نصف قرن خلال عشرة أيام فقط!
رغم أهمية هذا التحول، فإن التحديات التي تواجه النظام الجديد تبدو هائلة. هذا التغيير السريع قد يعيد إلى الأذهان التجربة الأفغانية في 1989، حينما فشل المجاهدون الأفغان في بناء نظام حكم مستقر بعد الانتصار العسكري على السوفييت، مما أدى إلى سنوات من الفوضى والاقتتال الداخلي.
الإدارة الذاتية: تجربة واعدة تحت الضغط
في ظل الفراغ السياسي والاقتصادي الذي خلفه سقوط النظام، تواجه الإدارة الذاتية تحديات وجودية، حيث تتقاطع المصالح الإقليمية والدولية على أرضها. تبرز الإدارة الذاتية في كوردستان-سوريا كأحد اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي السوري، لكنها تواجه تحديات مصيرية تهدد استمراريتها ومكتسباتها.
منذ انسحاب قوات النظام السوري من شمال وشرق سوريا عام 2012، تولت الإدارة الذاتية مهمة إدارة المنطقة. استطاعت تأسيس مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإنشاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي شكلت قوة عسكرية محلية بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وفي نهاية عام 2023، أصدرت الإدارة الذاتية دستورًا طموحًا، نصّت مادته الخامسة على أن: "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا جزء من جمهورية سوريا الديمقراطية". هذه المادة تعكس رغبة في البقاء ضمن سوريا موحدة ولكنها لا تخلو من طموح لتأسيس كيان يعترف به في أي ترتيب سياسي مستقبلي.
التحديات المستقبلية للإدارة الذاتية
الإدارة الذاتية تواجه تحديات مصيرية قد تؤثر على وجودها واستقرار المنطقة:
1. التهديدات العسكرية: تصاعد الضغط العسكري من النظام الجديد أو من فصائل مدعومة من تركيا يشكل خطرًا مباشرًا.
2. تفكك التحالفات الداخلية: انسحاب الأطراف غير الكوردية من مجالس الإدارة، تحت تأثير النظام الجديد أو أطراف خارجية، قد يضع الكورد في مواجهة منفردة مع التحديات.
3. إلغاء القرارات السابقة: النظام الجديد قد يلغي كل التشريعات والقرارات التي أصدرتها الإدارة منذ عام 2012، ما قد يسبب فوضى عارمة.
4. الحصار الاقتصادي: فرض حصار اقتصادي على مناطق الإدارة الذاتية سيؤثر على دعم السكان المحليين للإدارة.
5. التدخلات التركية: التهديد المستمر من التدخل التركي المباشر أو غير المباشر من خلال دعم فصائل معارضة.
خطوات مقترحة لمواجهة التحديات
للإدارة الذاتية خيارات محدودة لكنها مهمة في مواجهة هذه التحديات:
1. تعزيز الدعم الشعبي: توسيع قاعدة الدعم داخل كوردستان-سوريا وفي المهجر لضمان استمرارية الإدارة.
2. الحفاظ على القوات المسلحة: الحفاظ على جاهزية قوات قسد واستخدامها للدفاع عن المناطق فقط.
3. تعزيز العلاقات الدولية: تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة والدول الداعمة للإدارة الذاتية لضمان استمرار الدعم السياسي واللوجستي.
4. المرونة الدبلوماسية: فتح قنوات حوار مع النظام الجديد للوصول إلى صيغة للاعتراف بـ"كوردستان-سوريا" كجزء من الدستور السوري الجديد.
5. حماية المكتسبات: حماية البنية التحتية والمكتسبات الثقافية والقومية للإدارة الذاتية يجب أن تكون أولوية قصوى. الحفاظ على المؤسسات التي تم بناؤها خلال العقد الماضي يمكن أن يعزز استقرار المنطقة ويؤكد مكانتها كجزء أساسي من أي حل سياسي مستقبلي في سوريا.
6. تحييد تركيا: على الإدارة الذاتية بذل جهود دبلوماسية مع تركيا لتقليل التهديدات العسكرية ومحاولة بناء تفاهمات مشتركة حول مستقبل المنطقة. يمكن أن يشمل ذلك حوارات غير مباشرة بوساطة دولية تهدف إلى تحقيق استقرار طويل الأمد.
مستقبل الإدارة الذاتية: بين التحديات والفرص
رغم التحديات التي تحيط بالإدارة الذاتية، فإن لديها إمكانيات قد تمكنها من البقاء كلاعب رئيسي في المشهد السوري. يعتمد مستقبل الإدارة الذاتية على قدرتها على المناورة السياسية، وعلى مواقف القوى الدولية والإقليمية المؤثرة. الاتفاق الإقليمي على إسقاط نظام بشار الأسد والحفاظ على وحدة الأراضي السورية لم يترافق بعد مع رؤية موحدة حول طبيعة النظام السياسي الجديد. هذا الفراغ يمكن أن يشكل فرصة للإدارة الذاتية للتفاوض من أجل ضمان مكانها في سوريا الجديدة.
الدعم الدولي، خاصة من القوى الكبرى، سيكون مفتاحًا رئيسيًا لضمان استمرارية الإدارة الذاتية كجزء من الحل السياسي المستقبلي. في النهاية، يبقى الأمل في أن تتمكن هذه الإدارة من تحويل التحديات إلى فرص، وأن تكون جزءًا من بناء سوريا جديدة تحترم تنوعها وتلبي تطلعات جميع مكوناتها.

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket