مام.. في الشام

الآراء 09:52 AM - 2023-01-29
مام.. في الشام  علي شمدين

مام.. في الشام

الرئيس مام جلال الاتحاد الوطني

(٦)
(ركن الدين: الحضن الكردي الدافئ)
شهدت (الشام)، أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم مناخاً ديمقراطياً واسعاً، وخاصة في ظل حكم الرئيس السوري المنتخب آنذاك (شكري القوتلي)، فاستقطبت الشام العديد من الرموز الكردستانية التي كانت قد لجأت إلى سوريا في فترات متفاوتة هرباً من بطش أنظمتها الدموية آنذاك، وسكنت بمعظمها في حي (ركن الدين)، فكان هناك من كردستان العراق (مام جلال، كمال فؤاد، عزالدين مصطفى رسول، جمال نبز..)، ومن كرستان إيران (عبد الرحمن ذبيحي، أحمد توفيق، هزار موكرياني..) ومن كردستان تركيا (آل بدرخان، آل جميل باشا، آل حاجو..).
وكان حي (ركن الدين)، الذي تأسس عام (١١٧٤)، يعتبر من أقدم أحياء الشام، ويقع على سُفوح جبل قاسيون، تسكنه غالبية كردية ولهذا سمي بـ(حي الأكراد)، وقد اندمجت تلك العائلات بالمجتمع الشامي، إلا أنها ظلت محافظة في الوقت ذاته على خصوصيتها القومية ولغتها الكردية، ومن أبرز هذه العوائل (الأَيوبيّ، الأورفلي، الإيزولي، آلرشي، بكداش، الباراڤي، البرازي، بوظو، الجزماتي، رشواني، زركلي، زلفو، شمدين، ظاظا، كفتارو، كيكي، المللي، النقشبندي، وانلي.. إلخ)، هذا وقد تخرج من هذا الحي أواسط القرن المنصرم العديد من الشخصيات الكردية البارزة، السياسية (عصمت شريف وانلي، خالد بكداش..)، والدينية (أحمد كفتارو، محمد سعيد بوطي..) والفنية (عبد الرحمن آل رشي، خالد تاجا..). 
لقد لعبت تلك العوائل أدوراً مؤثرة في إدارة البلاد والمشاركة في أحداثها، وسطعت من بينها شخصيات تاريخية لامعة، وباتت لها حضورها المميز في تاريخ البلاد، ومن أبرزها (علي آغا زلفو)، الذي أسهب نورالدين زازا في الحديث عن شخصيته في مذكراته (حياتي الكردية)، كما احتضنت تلك العوائل ومن دون تردد تلك الرموز الكردية المناضلة الوافدة إلى الشام وخاصة في تلك المرحلة، وقدمت لها يد العون والمساعدة ، ومن جهتها لعبت تلك الرموز دورها الفعال في إيقاظ الروح القومية لدى تلك العوائل وتنمية شعورها الكردي، حتى بات حي ركن الدين (حي الأكراد)، حاضنة دافئة احتضنت العشرات من المناضلين الكرد وساعدتهم بسخاء، وكان بيت السيدة (روشن بدرخان)، بمثابة المحطة الرئيسية الأهم التي مر فيها كل هؤلاء من دون استثناء، لا بل عقدوا فيه اجتماعاتهم ولقاءاتهم المختلفة، ووجدوا عندها التشجيع والأمان، كما أنها كانت البوابة التي من خلالها تواصل هؤلاء الوافدون مع تلك العوائل وتفاعلوا معها، ويأتي في مقدمة هؤلاء (مام جلال). 
وهذا ما لمسناه، خلال دخول مام جلال إلى سوريا عام (١٩٥٧)، بوثائق غير نظامية واعتقاله على الحدود مع العراق، ومن ثم نقله من نقطة الحدود إلى القامشلي، ومن هناك إلى سجن الحسكة، حيث طلب من إدارة السجن أن يسمحوا له بإجراء اتصال ھاتفی، فاتصل مام جلال بالسیدة (روشن بدرخان)، وأبلغھا بوضعه، فاتصلت هي بدورها مع الضابط الكردي المتنفذ (العقيد محمد زلفو)، الذي لم يتردد في أطلاق سراح مام جلال الذي توجه إلى حلب على ظهر شاحنة نقل الحبوب، ومن هناك توجه بالسيارة إلى الشام من دون أن یكون لديه أية ثبوتيات رسمية. 
وبعد وصوله ٌإلى الشام، قام مام جلال بالإتصال مع أعضاء الوفد العراقي الموجود هناك، فاشترطوا عليه الحصول على (جواز السفر)، أو (لیزا باص)،  وإلا فإنه لن يستطيع السفر معهم، ولكن في الحقیقة، وبحسب ما يذكره مام جلال في مذكراته (رحلة العمر)، فإنهم لم يكونوا یرغبون أن يرافقهم مام جلال، ولهذا لم يبق أمامه إلا أن يتصل من جديد مع العقید الكردي (محمد زلفو)، ليشكره على مساعدته في إطلاق سراحه، ويبلغه بأنه يواجه مشكلة أخرى، فوعده الضابط الكردي خیرا، وجائه في اليوم التالي بسیارة تحمل علم الدولة السوریة، وأخذه معه إلى ضابط برتبة رائد في دائرة إصدار بطاقة الـ(لیزا باص)، وما أن عرفه الرائد حتى هب من مقعده مؤدیا للعقید التحیة العسكریة وأخلى له مقعده، وطلب العقید منه أن یصدر لمام جلال وثیقة (لیزا باص)، وتابع زلفو كلامه وقال: (سیقدم لكم جلال عریضة للحصول على الوثیقة، وأنا سآخذه بنفسي إلى رئاسة الجمھوریة وسأجعله لاجئا سیاسیا بشكل قانوني!).
وهكذا أكملوا له على وجه السرعة إجراءات منح الـ(لیزا باص)، وبات مام جلال منذ تلك اللحظة يحمل في جيبه (لیزاباص)، وقادرا على السفر إلى الخارج متى يشاء، ولكنه لم يخبرالشیوعیین بذلك خوفاً من أن یخلقوا له مشكلة أخرى، لأنهم كانوا يعتقدون بأنه یستحیل أن يحصل مام جلال الحصول على وثيقة (لیزا باص)، فكتم عنهم الأمر حتى لحظة سفرهم إلى موسكو عبر اللاذقية على متن الباخرة، وحينها أخرج لهم مام جلال بطاقته، وفاجأهم بقوله: (حسنا، خذوا ھذه ھي اللیزا باص)، فاستغرب الجمیع وهم يقولون: (كیف تمكن مام جلال من الحصول علی هذه الوثيقة؟).
ومن الجدير ذكره أيضاً، أن مام جلال وبحسب ما يورده في مذكراته (رحلة العمر)، كان ينوي أن يأخذ معه كلاً من (السیدة سینم خان ابنة جلادت بدرخان، والشاعر ھزار موكریاني، وعبد الرحمن زبیحي، وعبد الحميد درويش)، إلا أنه لم يفلح في مسعاه مع الأسف الشديد بسبب رفض وفدي الحزب الشيوعي (العراقي، والسوري).

علي شمدين

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket