نظام السوق الحر والأزمات الاقتصادية في إقليم كوردستان

الآراء 09:10 AM - 2025-10-30
عباس عبدالرزاق

عباس عبدالرزاق

قراءة في ظل الصراع الفيدرالي
1. مقدمة
يشكّل نظام السوق الحر أحد أبرز التحولات الاقتصادية في العالم المعاصر، حيث تُرفع يد الدولة تدريجيًا عن تنظيم النشاط الاقتصادي، وتُفتح الأسواق أمام رؤوس الأموال والاستثمارات الخاصة. غير أن هذا النظام يظهر تناقضاته عندما تُفرض عليه أزمات سياسية أو صراعات إقليمية.
يمثل إقليم كوردستان نموذجًا حيًا لذلك، إذ وجد نفسه بعد الحرب ضد داعش وأزمات النفط، وأمام الصراع المستمر مع الحكومة الفيدرالية في بغداد، في موقف اقتصادي واجتماعي هش. ويكشف هذا الواقع محدودية قدرة السوق الحر على حماية المواطنين في ظل الأزمات المالية والسياسية.
2. الحرب والأزمة الاقتصادية
مع اندلاع الحرب ضد داعش، تركزت الموارد المالية في الإنفاق الأمني والعسكري، ما قلل من القدرة على الاستثمار في التنمية والخدمات الأساسية. كما أن موجات النزوح وضغوط البنية التحتية والوظائف زادت من هشاشة الاقتصاد المحلي.
تفاقمت هذه الأزمة بفعل الخلاف المستمر مع الحكومة الفيدرالية بشأن إيرادات النفط، الميزانية، والديون، ما أدى إلى توقف صرف الرواتب لعدة أشهر، وخلق حالة من الشلل الاقتصادي والاجتماعي، وأضعف القدرة على مواجهة أزمات السكان اليومية
3. أزمة الرواتب وتأثيرها الاجتماعي
تُعد أزمة عدم دفع رواتب الموظفين أبرز مظاهر الفشل الاقتصادي، والتي ترتبط بالاعتماد على الإيرادات النفطية والسياسات الريعية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق مع الحكومة الفيدرالية.
هذا الوضع أظهر محدودية قدرة السوق الحر في تأمين حياة مستقرة للمواطنين، إذ لم يتمكن القطاع الخاص من سد الفجوة الناتجة عن توقف الرواتب أو الانخفاض الكبير في الإنفاق الحكومي.
4. نقد نموذج السوق الحر في ظل الصراع الفيدرالي
توضح تجربة الإقليم أن تطبيق السوق الحر في بيئة سياسية مضطربة يؤدي إلى نتائج كارثية:
الفجوة بين الموارد المتاحة والمطلوبة تفاقمت بسبب الخلافات الفيدرالية على توزيع الإيرادات.
الخصخصة غير المنظمة، وتراجع الدعم الحكومي، وضعف الرقابة المالية، كل ذلك عمّق الفوارق الطبقية وزاد شعور المواطنين بعدم العدالة.
الاقتصاد الإقليمي أصبح عرضة لتقلبات الأسعار، والأزمات السياسية الداخلية والخارجية، ما يضعف استقراره الاقتصادي والاجتماعي.
5. نحو نموذج اقتصادي متوازن
تُشير التجربة الكوردستانية إلى ضرورة بناء نموذج اقتصادي يوازن بين:
1. انفتاح السوق على الاستثمار والاقتصاد الحر.
2. دور الدولة في ضمان الحقوق الأساسية وحماية المواطن من تأثير الأزمات.
3. حل الخلافات مع الحكومة الفيدرالية لتأمين مصادر الإيرادات وتوزيعها بشكل عادل، ما يعزز قدرة الإقليم على مواجهة الصدمات.
إن تبني هذا النهج يتيح تحقيق التنمية المستدامة، ويحوّل السوق الحر من أداة ضغط على المواطنين إلى أداة لرفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاقتصادية.
6. خاتمة
تكشف هذه الدراسة أن السوق الحر في إقليم كوردستان لم يكن أداة للنمو المستقر، بل أداة ضغط، خاصة في ظل الأزمات الأمنية والسياسية والصراعات الفيدرالية.
إن التغلب على هذه الأزمات يتطلب إعادة النظر في دور الدولة، وتعزيز التنسيق مع الحكومة الفيدرالية، وخلق نموذج اقتصادي وطني إنساني يوازن بين الانفتاح على الأسواق والعدالة الاجتماعية، بحيث يصبح السوق الحر وسيلة لتحقيق استقرار الإنسان لا أداة لإفقاره.

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket