دعم المجتمع المدني في العراق..

الآراء 05:09 PM - 2025-10-27
د. عدالت عبدالله

د. عدالت عبدالله

لكي نتعرّف على المجتمع الذي يُطلق عليه المجتمع المدني، علينا أن نعترف أولًا بحقيقة معرفية مفادها: أن للمجتمع المدني تعريفاتٍ متنوّعة ومختلفة، وذلك لأنه مفهوم واسع ومتشعّب، نسبيٌّ ومتحوّل في آنٍ واحد، لذا يتعذر حصره في إطارٍ مفهوميٍّ واحد. ومع ذلك، ورغم هذا التنوع في تعريف مفهوم المجتمع المدني، فثمة شبه اتفاقٍ على تعريفٍ مركزي للمفهوم، وهو – قبل كل شيء – ذو طابعٍ اصطلاحي ومفاهيمي يتسلح به كثير من الباحثين الاجتماعيين لدراسة المجتمعات ومقاربة الظواهر الاجتماعية والتطورات التي تطرأ على أي مجتمع.
 
ويُعد هذا التعريف المركزي حاضرًا بوضوح في دراسات ومقالات عالم الاجتماع العربي د. برهان غليون، الذي يرى أن الحديث عن المجتمع المدني يجب أن ينطلق من توضيح سوء فهمٍ كبير يسود الفكر العربي، وهو سوء الفهم المتعلق بطبيعة هذا المجتمع، أي المجتمع المدني ذاته.
 
بمعنى آخر، يلاحظ غليون أن هذا المجتمع يُقدَّم أحيانًا وكأنه كيان خاص ومتميّز عن المجتمع نفسه، وهذا – برأيه – خطأ كبير، لأن المجتمع المدني لم يُطرح إلا في مواجهة الدولة، أي أنه يمثّل كلَّ ما ينظّم حياة الناس بمعزل عن سلطة الدولة، وهذا هو أحد التعريفات الأساسية للمجتمع المدني.
 
بعبارة أخرى، فإن المجتمع المدني يمثّل كل تلك المؤسسات والجمعيات والنقابات والأطر الاجتماعية الأخرى التي لا تتدخّل الدولة في شؤونها ولا يحقّ لها أن تتدخّل. ويلاحظ غليون أن عدم منح الدولة فرصةَ التدخل في شؤون مؤسسات المجتمع المدني يُعادل في جوهره تحقيقَ ميدانٍ إنسانيٍّ واسع، يمكن تسميته بـميدان الحريات العامة والخاصة والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
 
وقد يتساءل البعض عن ماهية وطبيعة تلك المؤسسات التي تُعد جزءًا من المجتمع المدني. والجواب – كما يرى عدد من علماء الاجتماع – أن تلك المؤسسات تتمثل، على سبيل المثال لا الحصر، في الصحافة الحرة، والأسرة، والمشروعات الاقتصادية، والمشروعات الثقافية، الفاعلين غير الأمؤدلجين في شبكات التواصل الإجتماعي وما إلى ذلك. فكل هذه المؤسسات والأطر تنظم المجتمع من الداخل، ولا تستند في تنظيمها إلى الدولة أو إلى سلطتها السياسية، أي إلى التنظيم السياسي المرتبط بالسلطة.

وانطلاقًا من هذا الفهم للمجتمع المدني، يتبين لنا بوضوح أن تعزيز المجتمع المدني في العراق وتقويته يمثلان هاجسًا حقيقيًا لكل مَن يهتم ببناء مجتمعٍ حيوي وقويٍ قادرٍ على مقاومة تغوّل الدولة ومؤسساتها التي كثيرًا ما تسعى إلى الهيمنة على مختلف القوى الاجتماعية الفاعلة في المجتمع، وإلى تقييد كل من يحمل راية حرية التفكير والتنظيم أو الرأي والاختيار أو الموقف والقرار. لذلك، ينبغي أن نولي اهتمامًا أكبر في العراق بترسيخ دعائم هذا النمط الراقي من المجتمع المنظّم لنفسه، والممتنع عن الخضوع أو فقدان إرادته أمام سلطة الدولة وهيمنتها، وقد يكون هذا التطلع  أو المسار ناجعاً حتى بالنسبة للدولة العراقية نفسها نظرأ لإعتماد جزء كبير من المجتمع ككل على ذاته وقدراته أو سياسته و خياراته، ما يمكن ان يؤدي الى تفاعل مجتمعي في البلد ويوسع لنا آفاق التفكير والتعاطي المثمر مع الأزمات والمشاكل.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket