إعلام عبثي ام وضاعة التوجيه؟

الآراء 11:52 AM - 2025-11-30
محمد شيخ عثمان PUKMEDIA

محمد شيخ عثمان

أربيل

وسط حاجة إقليم كوردستان إلى أعلى درجات المسؤولية في الخطاب والتناول الإعلامي، تتصاعد للأسف موجات من التغطيات التي تنزلق بعيدا عن المهنية، وتتحول إلى منصات للتأويل والتحريض ومحاولات توجيه الرأي العام نحو صراعات داخلية لا طائل منها،وقد جاء موقف نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني ليعبر بوضوح عن خطورة هذا المسار، حين أدان أسلوب بعض المنصات التي عمدت إلى تضليل الحقائق بشأن قصف حقل كورمور، مؤكدا أن الحقيقة، مهما شوهتها الدعاية، لا بد أن تظهر في النهاية كما يظهر ضوء الشمس.
ونقصد بهذا التنبيه جهة محددة بقدر ما يسلط الضوء على ظاهرة باتت تتكرر كلما مر الإقليم بأزمة أو تحد أمني، ظاهرة ترى في الحدث نافذة لتصفية الحسابات الداخلية بدلا من الارتقاء بالمهنة إلى مستوى المسؤولية.
والأخطر في هذا النهج أنه لا يضر خصومه كما يتخيل أصحابه، بل يقع عبء تبعاته أولا على الجهات التي تتبناه وتموله وتوجهه، فالإعلام حين يهجر المهنية ويتحول إلى سلاح للهجوم، يفقد صدقيته بسرعة، ويتراجع تأثيره، ويصبح عالة على صاحبه بدلا من أن يكون وسيلة لخدمته.
هذا النمط من التوجيه الإعلامي لا يهدد العلاقات بين القوى السياسية فحسب، بل يشوه صورة تجربة الحكم في الإقليم برمتها، إذ يدفع المواطن للتساؤل عن جدوى المؤسسات في ظل إعلام ينشغل بالشجار بدلا من متابعة الحقائق، وعن مصداقية الأطراف التي تسمح لمنصاتها بالحديث خارج إطار المسؤولية، وعن مستقبل التجربة الكوردستانية التي اجتزأت الكثير من قوتها من وحدة الصف لا من انقسامه.
وبين الإعلام الرسمي وإعلام الظل تتلاشى الحدود حيث من الملاحظ في السنوات الأخيرة أن "إعلام الظل" المرتبط بالبارتي بات يحظى بحضور يفوق اعلامه الرسمي من حيث العدد والانتشار والتمويل، إلى درجة أصبح معها المتلقي غير قادر على التمييز بين ما هو موقف رسمي وما هو رد فعل غير منضبط.
وهنا يكمن الخطر، ليس على الاتحاد الوطني فحسب، بل على ثقة الجمهور بإعلام كوردستان ككل ـ لذلك  فان الاتحاد الوطني — في كثير من الأحيان — وجد نفسه مضطرا لتقديم وثائق وأدلة لدحض الافتراءات ولتهدئة الرأي العام وحماية السلم الداخلي عندما انفلت الخطاب الإعلامي من بعض الجهات خاصة الاعلام الظل لدى البارتي.
وعليه، فإن المطلوب من الجميع، وفي مقدمتهم قيادة البارتي، العمل على تصويب نهجه الاعلامي،فالإعلام -كما السياسة -إما أن يكون رافعة للاستقرار، أو أداة لتعميق الأزمات والخيار طبعا بيد من يملك التوجيه والقرار وهو على دراية تامة بان الخطاب المتشنج يخلق جوا عاما فاقدا للثقة، ويمهد لنزاعات صغيرة تتحول مع الوقت إلى رواسب تضعف البناء السياسي والمجتمعي ولن يفضي استمرار هذا النهج إلا إلى مزيد من التوتر ويضر من يطلقه قبل أي طرف آخر، فالمجتمع بات أكثر وعيا من أن يقاد بخطاب انفعالي، والمشهد السياسي لم يعد يحتمل محاولات صناعة عدو داخلي أو خلق صراع وهمي لتغطية إخفاق هنا أو أزمة هناك.
وما يحتاجه الإقليم في هذه المرحلة هو إعادة الاعتبار للإعلام بوصفه أداة للكشف لا للتمويه، وللتقريب لا للتفريق، ولحماية الاستقرار لا لتقويضه.
لقد أثبتت التجارب أن لغة العقل هي وحدها القادرة على حماية وحدة الصف، وأن العودة إلى خطاب متوازن، بعيد عن التوجيه العبثي، تمثل خطوة أساسية نحو صون الاستقرار الداخلي، فالإعلام، شأنه شأن السياسة، إن لم يدار بحكمة يتحول إلى عامل هدم، وإن لم يضبط يتحول إلى ساحة فوضى تبتلع الجميع دون استثناء.

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket