مام في الشام

الآراء 08:34 PM - 2023-04-15
علي شمدين PUKMEDIA

علي شمدين

الرئيس مام جلال

-١٥-
(عبد الناصر: أرى فيكم نفس ما أراه في الطالباني)
لقد تزامن وجود مام جلال في الشام أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم، مع حصول العديد من المتغيرات الجذرية في الشرق الأوسطً، فهيأ له هذا الوجود فرصة تاريخية للتفاعل مع هذه المتغيرات ودفع قضيته القومية نحو دائرتها، وشكلت لقاءاته في الشام مع العديد من الشخصيات العربية البارزة آنذاك، المدخل الرئيسي ليلعب مثل هذا الدور الذي تتوج فيما بعد بلقائه في القاهرة مع جمال عبد الناصر عام (١٩٦٣)، وإقناعه بالوقوف إلى جانب حقوق الشعب الكردي عموماً، وفي كردستان العراق بشكل خاص.
فقد شهدت تلك الفترة إقامة حلف بغداد (١٩٥٥)، وتأميم قناة السويس (١٩٥٦)، والعدوان الثلاثي على مصر (١٩٥٦)، والوحدة السورية المصرية (١٩٥٨)، والإنقلاب الذي قاده عبد الكريم قاسم ضد الحكم الملكي في العراق (١٩٥٨).. إلخ، الأمر الذي أفرز على الساحة السياسية أهم أبرز شخصيتين كاريزميتين عربيتين (جمال عبد الناصر، وعبد الكريم قاسم)، سرعان ما تحولت العلاقة بينهما إلى التنافس ومن ثم إلى الصراع على زعامة العالم العربي، وكانت القضية الكردية هي أحد أهم أوراق الصراع بين الجانبين، فأدرك مام جلال هذه المعادلة، ونجح في الدخول على الخط وطرح هذه القضية للنقاش وكسب التأييد إلى جانبها عبر بوابة شعار (التآخي الكردي العربي)، وتكللت تلك الجهود بلقاء جمال عبد الناصر في القاهرة مع القائد الكردي ملا مصطفى البارزاني على طريق عودته من منفاه في الاتحاد السوفييتي السابق عام (١٩٥٨).
فقد كان مام جلال قد التقى في البداية مع عبد الحميد السراج في الشام عام (١٩٥٧)، وهو الضابط الأمني المتنفذ في سوريا والذي بات حاكمهاً الفعلي بعد الإعلان عن الوحدة السورية المصرية، فاستطاع خلال هذا اللقاء أن يقنعه بأهمية التواصل مع جمال عبد الناصر والبحث معه حول القضية الكردية، وبقدر ما أبدى السراج رفضه البحث في القضية الكردية في سوريا، بنفس القدر أبدى استعداده لدعمها في الأجزاء الأخرى، فيقول مام جلال في كتاب (لقاء العمر): (نجحنا في بناء العلاقة مع عبد الحميد السراج، وهو شخصية ذكية، كان ضابطاً ناصرياً برتبة عقيد، فذهبنا إليه نحن الثلاثة - الأستاذ ذبيحي وكمال فؤاد وأنا- وتحدث إلينا السراج قائلاً: أنتم الكرد إفعلوا ما تريدونه في كردستان العراق، وإيران، وتركيا، ولكن اتركوا الآن كردستان سوريا، فهي جزء من كردستان تركيا..)، ويضيف مام جلال في نفس الكتاب، قائلا: (وحول كردستان العراق، اتفقنا ٔأن نعود ونفكر في مسألة تفجیر الثورة ضد حكومة نوري السعید، وأن یدعمنا السوریون والمصریون، حتى أنھم تحدثوا بالتفاصیل الدقیقة حول تشكیلات البیشمركة وما ستحتاجھا من الأسلحة والعتاد والأموال، وقال السراج: سنؤمن لكم كل شيء..).
وعلى ضوء هذا اللقاء الذي عقدوه مع السراج، التقى مام جلال ورفاقه في نفس العام (١٩٥٧)، مع كمال الدين رفعت، وحملوه مقترحاتهم إلى الرئيس جمال عبد الناصر، باعتباره الصديق الأقرب إليه، وبالرغم من المخاوف التي كانت تراود عبد الناصر من تأييد الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق وخشيته من انعكاس ذلك على الشعب الكردي  في سوريا أيضاً، إلا أنه وكما ينقله الكاتب عبد الجليل صالح موسى في كتابه (جمال عبد الناصر والقضية الكردية..)، عن الصحفيّ إيريك رولو الذي يؤكد بأن عبد الناصر كان يقول: (لا أحد يستطيع إنكار وجود الشعب الكردي، بالنتيجة فهو لديه حقوق وإحدى هذه الحقوق هو المطالبة بالحكم الذاتي.. )، هذا فضلاً عن مبادرته إلى افتتاح القسم الكردي في إذاعة القاهرة، وتحمله ردود الأفعال الشديدة التي أثارتها تلك الإذاعة لدي الأنظمة الديكتاتورية آنذاك في (تركيا، وإيران وسوريا).
فقد كان عبد الناصر يدرك أهمية القضية الكردية في الشرق الأوسط عموماً وفي العراق بشكل خاص، ويؤمن بضرورة المبادرة إلى تفهمها ومحاولة حلها سلمياً، لانتزاع هذه الورقة من يد خصومه، فيقول طالب الشبيب في الكتاب الذي أعده الدكتور علي كريم سعيد بعنوان (عراق ٨ شباط ١٩٦٣من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، مراجعات في ذاكرة طالب الشبيب)، مايلي: (لقد كان عبد الناصر ينظر للعراق كورقة ضغط على حلف السنتو بما في ذلك تركيا وإيران الشاه، وينظر إلى حكومات تلك الدول على أنها عدوة لأماني الأمة العربية في تحقيق وحدتها، ولذلك كان يرغب للعراق أن يظل موحداً.. فطلب منا أن لانتورط في حرب أهلية مع الأكراد..)
هذا وقد ازداد إدراك عبد الناصر لأهمية الورقة الكردية، وخاصة بعد اندلاع الثورة الكردية في كردستان العراق بتاريخ (١/٩/١٩٦١)، ضد نظام عبد الكريم قاسم الذي نكث وعده بحل القضية الكردية، وكذلك بعد انهيار الوحدة المصرية السورية عام (١٩٦١)، واستيلاء البعث على السلطة بالحديد والنار في كل من سوريا والعراق عام (١٩٦٣)،  وكان مام جلال يقف لهذه المتغيرات بالمرصاد، وكان ينتظر فرصة للقاء الرئيس عبد الناصر الذي بات زعيماً كاريزمياً من دون منازع في العالم العربي بعد سقوط عبد الكريم قاسم، فانضم هو وفؤاد عارف إلى الوفد العراقي المتوجه إلى القاهرة للتهنئة بعيد تأسيس الجمهورية العربية المتحدة في (٢٣/٢/١٩٦٣)، وفور وصولهما طلبا اللقاء بالرئيس عبد الناصر على إنفرادً، وحول ذلك يقول طالب شبيب في نفس الكتاب: (بعد اجتماعه مع المبعوثين الكرديين، جلال الطالباني وفؤاد عارف، أبلغنا الرئيس عبد الناصر بضرورة التعامل معهما ومع الملا مصطفى بنفس طويل وحكمة وبعد نظر..)، ويضيف الشبيب بأن عبد الناصر أبدى لهم إعجابه بشخصية مام جلال واعتبره لهم مضرباً للمثل، فيقول بأن الرئيس عبد الناصر قال لهم: (أنا أرى فيكم أنتم الشباب العرب الثوار نفس ما أراه في جلال الطالباني)، ويضيف وزير خارجية العراق آنذاك طالب الشبيب، قائلاً: (تكونت لدي في الحقيقة نفس الفكرة عن شخصيته ورأيته محباً للمعشر، ذكي ومتوقد الذهن، غير معقد من العرب والعروبيين، بالقدر نفسه الذي كان مخلصاً لقضيته القومية..).

علي شمدين

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket