مام في الشام

الآراء 09:53 AM - 2023-02-19
علي شمدين PUKMEDIA

علي شمدين

الاتحاد الوطني الرئيس مام جلال

-٩-
(عولما.. ممثلا للكرد السوريين) 

خلال وجوده في الشام أواسط الخمسينيات، كان مام جلال محاطاً بنخبة من المتنورين الكرد الذين ساندوه وشكلوا معه فريقاً مؤثراً للعمل بين الوسط العربي بهدف تعريفه بعدالة القضية الكردية، وبناء العلاقات معه تحت شعار (تعزيز التآخي العربي الكردي)، مثلما كان هذا الفريق يهدف إلى العمل بين الوسط الكردي لإستنهاضه وإيقاظ وعيه القومي وتأسيس أداته النضالية، ويأتي في مقدمة هذه النخبة الأستاذ عبد الرحمن الذبيحي (عولما)، الذي تواجد في الشام آنذاك، ووقف إلى جانب مام جلال بكل عزيمة، وشكل له ظهيراً حمل معه عبء هذه المسؤولية التاريخة. 
فيلتقي مام جلال بالأستاذ عبد الرحمن ذبيحي في الشام بمنزل السيدة (روشن بدرخان)، الذي كان قد وصل هو الآخر إلى الشام عام (١٩٥٥)، ويعملان معاً من أجل تأسيس أول حزب كردي سوري، حيث يقول مام جلال في مذكراته (لقاء العمر): (نحن في عام 1955 عندما سافرنا من سوريا إلى الخارج، كنا زرعنا حينذاك بذرة، وهي أن يتأسس هناك حزب كردي  مثل حزبنا..)، ويتحدث مام جلال عن دور ذبيحي في إنبات هذه البذرة، في لقاء له نشره علي كريمي في كتابه (سيرة حياة عبدالرحمن ذبيحي...)، مؤكداً بأنه: (حينذاك استطاع الأستاذ ذبيحي أن يشجع الشباب الكرد على تشكيل حزبهم، وبشكل خاص الأستاذ عثمان صبري وعبد الحميد درويش الذي كان نشيطاً جداً، واستطاع الأستاذ ذبيحي أن يبلور معهما فكرة تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، فكان له اليد الطولى في ذلك..).
كما استطاع ذبيحي وبالتنسيق مع مام جلال أن يقف في وجه الكرد الكوسموبوليتيين، ويؤلف كراساً حول هذا الموضوع بعنوان (الردّ على الكوسموبوليتية)، وينشره ضدهم عام (١٩٥٧)، فأعطى الكراس حينذاك صدى واسعاً في الوسط السياسي، لأنه كان هو الصوت الأول الذي يصدر في وجه هؤلاء الذين ينكرون الوجود القومي الكردي، الأمر الذي ترك لدى المؤسسين الأوائل أثراً ملموساً وشجعهم على القيام بمبادرتهم التاريخية تلك، وهذا ما يؤكده أيضاً مام جلال في (لقاء العمر)، والذي يقول: (نحن عام 1955، عندما سافرنا من سوريا إلى الخارج ... كانت الأفكار الكوسموبوليتية شائعة حينذاك هناك، فنشر ذبيحي كراساً ضد الكوسموبوليتية بإسم محمود أحمد شنوي، كان مضمونه هو أننا كلنا كرد، وكلنا بشر، ولكن لكل شعب حقه في النضال المستقل من أجل تحرره القومي، والشعب الكردي هو أحد هذه الشعوب..). 
لقد كان عبد الرحمن ذبيحي المفتاح الذي فتح مام جلال بواسطته باب العلاقات مع الوسط العربي، فيتحدث عنه مام جلال في مذكراته (لقاء العمر): (كنا، الأستاذ ذبيحي والدكتور كمال فؤاد وأنا، ذات يوم نتمشى في الشارع بدمشق، فالتقينا صدفة كلاً من صديق شنشل الذي كان سكرتيراً لحزب الإستقلال، ونائبه فائق السامرائي، ولأن الأستاذ ذبيحي كان يعرفهما من قبل، قاما بالسؤال عن أحواله وقدّمنا أيضاً للتعارف معهما، وعن طريقهما استطعنا آنذاك أن نلتقي برئيس البرلمان السوري أكرم الحوراني، والتقينا برئيس حزب البعث ميشيل عفلق، والتقينا أيضاً رئيس دائرة الإستخبارات السياسية عبد الحميد سراج..).
وهكذا، شيئاً فشيئاً استطاع عبد الرحمن ذييحي وبدعم من مام جلال أن يقدم نفسه سفيراً للقضية الكردية في الوسط العربي في كل من (سوريا ومصر)، وخاصة بعد أن بدأ اسم الرئيس (جمال عبد الناصر)، يتألق في هذا الوسط كرمز قومي عربي بعد تأميمه لقناة السويس عام (١٩٥٦)، وانفتاحه على المسألة الكردية، فاستطاع ذبيحي وبالإعتماد على علاقاته الشخصية أن يحضر المؤتمر الأول لشعوب آسيا وإفريقيا الذي انعقد في القاهرة عام (1957)، ونجح في اللقاء مع أنور السادات الذي كان يترأس المؤتمر آنذاك، والتقى فيما بعد مع (كمال رفعت)، وتمكن خلال تواصله مع المصريين أن يقنعهم بفتح القسم الكردي في أذاعة القاهرة (١٩٥٧- ١٩٦٨). 
لا شك بأن عبد الرحمن ذبيحي لعب إلى جانب مام جلال دوراً رئيسياً وفعالاً في تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا خلال تواجدهما في الشام أواسط الخمسينيات من القرن المنصرم، حتى بات من الممكن اعتبارهما من المؤسسين الأوائل الذين ساهموا عملياً في تأسيس هذا الحزب، مثلما عملا معاً من أجل التأسيس لعلاقات هامة مع الوسط العربي، الحكومي وغير الحكومي في (سوريا ومصر)، والتي مهدت فيما بعد لتبلور موقف جمال عبد الناصر الإيجابي تجاه القضية الكردية وخاصة في العراق ولقائه مع القيادات الكردية والترتيب لعودة البارزاني بعد نجاح ثورة عبد الكريم قاسم عام (١٩٥٨).
 لم تكن صدفة أن يبادر عبد الرحمن ذبيحي (عيسى ذبيحي)، إلى تمثيل الكرد السوريين في بغداد، بالتزامن مع تمثيل مام جلال لطلبة كردستان العراق، خلال تقديمهما معاً التهنأة لعبد الكريم قاسم بنجاح ثورته وتسلمه رئاسة الوزراء في العراق، وإنما كان هذا التمثيل إنعكاساً حقيقاً لمكانتهما الهامة لدى قيادة الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، ودورهما المؤثر في التفاعل مع حدث عظيم كهذا الذي حدث في
العراق لصالح القضية الكردية، وقد نشرت الجريدة الرسمية الخبر بخط عريض على صدر صفحتها الأولى، بعنوان (وفد طلبة كردستان العراقية، ووفد أكراد الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، يقابل سيادة رئيس الوزراء في وزارة الدفاع في يوم الخميس ١٨/٩/١٩٥٨)، وقد نص الخبرحرفياً: (قابل سيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء صباح أمس في وزارة الدفاع، طلبة كردستان العراقية مع وفد من أكراد الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، وقد ألقى كل من الأستاذ جلال طالباني أحد أعضاء وفد طلبة كردستان العراقية كلمة طيبة، والأستاذ عيسى ذبيحي أحد أعضاء وفد أكراد الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة، كلمة عبر فيها عن شعوره الصادق نحو الجمهورية العراقية..). 

علي شمدين

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket