النور والظلام والأمير الأسير ومم وزين.. أعمال حفرت تاريخ المسرح الكوردي

أدب وفن 05:15 PM - 2022-06-30

يعتبر المسرح من المصادر الثقافية القديمة والمعاصرة عبر التاريخ، عرف عنه بأنه أكثر الفنون تفاعلاً مع المجتمع لاحتكاكه المباشر معه وتأثره وتأثيره فيه، وكثيرا ما جسد المسرح آلام وآمال المجتمعات وكان صوتها في ثوراتها وانتفاضتها ضد التمييز والعنف والاستبداد.
وارتبطت الحركة المسرحية الكوردية في كوردستان منذ نشأتها بالمسرح العراقي، خاصة وان انطلاقها كان من مدينة الموصل لتصل الى مدينة اربيل.

مدرسة الشعوب
المسرح من أقدم أشكال الفن، التي تقدم للجمهور بشكل مباشر، ويسهم في تمثيل الواقع وما يحصل فيه من وقائع، وقد عرف المسرح منذ القدم عند اليونانيين والمصريين وأغلب الدارسين يرجعون بداية ظهور المسرح إلى الإغريق، وقد ارتبط بالشعائر الدينية، ثم ما لبث أن أصبح فناً قائماً بذاته، لا تقتصر غايته على الإمتاع فقط، بل تشمل أفكاراً هادفة، لذلك يوصف المسرح بأنه مدرسة الشعوب.
بالعودة بالزمن آلاف السنين إلى الوراء، نجد بأن ولادة فن المسرح كانت ولادة استثنائية، فقد انبثق هذا الفن من رحم الديانات السماوية والعقائد والحضارات اللامتناهية، إلا أنه استطاع رغم ذلك الحفاظ على مكانته، وبقي الفن الأكثر تلاحما مع الإنسان من بين جميع الفنون، التي سبقته، والتي تلته منها، ومن جانب آخر، فقد استفادت وتفاعلت الكثير من الحضارات والشعوب من ومع هذا الفن أيضا، ومن بين هذه الشعوب الشعب الكوردي، الذي كان ذو حظ كذلك باندماجه مع ذلك المولود الجديد، الذي سمي المسرح.



المسرح الكوردي والحراك المجتمعي
وجود المسرح الكوردي ارتبط دوماً بما عاشه الكورد من محن واضطهاد وكان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالواقع، كان له عظيم الأثر في الحراك المجتمعي والثقافي رغم تجربته المحدودة.


"النور والظلام" أول عرض مسرحي
استطاع الشعب الكوردي في العصر الحديث أن يوثق تاريخه المسرحي، بأول عرض مسرحي قدم في مدينة اربيل عام 1905م بعنوان "النور والظلام"، وذلك من خلال كادر مسرحي كوردي، وبرواية كوردية بحتة، كما شهدت جمهورية كوردستان في مهاباد أثناء قيامها، تقديم عرض مسرحي بعنوان "الأم المضحية"، ولكن إذا عدنا إلى ملحمة "مم و زين" للشاعر الكوردي أحمد خاني سنجد بأنه كتب ملحمة مسرحية منذ أكثر من ثلاثمئة عام، وفي العصر الجديد نصادف مسرحية "الجرح الأسود" للكاتب الكوردي موسى عنتر.

تاريخ انطلاقة المسرح الكوردي
تحديد ومعرفة تاريخ انطلاقة المسرح الكوردي ليس سهلا بشكل دقيق وذلك لكثرة الاراء ووجهات النظر حول تاريخ هذه الانطلاقة، لان الامر لا يتعلق فقط بالمسرح الكوردي وانما بالمسرح العراقي وبشكل عام.

بعض الباحثين يؤكدون ان نشأة المسرح الكوردي يعود الى عام 1905 وذلك بعرض مسرحية (الامير الاسير) لنعوم فتح الله سحار في اربيل
ويقول رأي آخر، ان المسرح العراقي نشأ كورديا، وذلك اذا اعتبرنا المسرحيات المقدمة من قبل رجال الدين المسيحيين في الموصل لا تعد مسرحاً عراقياً وانما مسرحاً سريانياً باعتباره نشأ على أيدي رجال الدين المسيحيين القاطنين في مدينة الموصل امثال حنا حبش ونعوم فتح الله سحار وهومز نورسو الكلداني وحنا الرسام.

من مسرحية (الامير الاسير) 1905 في اربيل
وهناك من يرى بان المسرح الكوردي يرتبط بنشوء المسرح العراقي، اذ ان الولادة كانت طبيعية حالها حال المسرح العراقي والعربي عن طريق الترجمة والاستيحاء. وذلك من خلال الزيارة التي قام بها الفنان العراقي حقي الشبلي الى مدينة السليمانية عام 1920 وهي فترة قريبة جدا للفترة التي قدمت فيها مسرحية في السليمانية بنص عربي بعنوان (لولا المحامي) عام 1926 التي ترجمت محليا على يد فؤاد رشيد بكر، ولكن الباحثين يؤكدون الانطلاقة الاولى اي انطلاقة عام 1905 في اربيل.

المسرح الكوردي بدأ في السليمانية
الحركه المسرحية الكوردية في كوردستان العراق، وحسب ما تذكر مصادر عديدة، بدأت في السليمانية التي افتتحت اول مدرسة كوردية في المدينة ( مدرسة زانستي )، واصدرت صحيفة اسبوعية كوردية، وبذلك وضعت الاسس الاولية لارضية التطور الثقافي الكوردي في السليمانية اولا، وفي كوردستان عموما فيما بعد، ومنها المسرح الذي انتقل اليه من المسرح العربي العراقي كتقنية وفن. ولم يكن لنشوء هذا المسرح علاقة لا من قريب ولا من بعيد بخزين الكورد الثقافي والفلكلوري في البداية، بل كان نقلا حرفيا للمسرح العربي العراقي متحدثا باللغة الكوردية .

مسرحية العلم والجهل
واقدم مسرحية معروفة الى الان والتي قدمت في كوردستان ضمن النشاط المدرسي ( لمدرسة زانستي ) في السليمانية، هي مسرحية ( العلم والجهل) مقتبسة عن مسرحية عربية بعنوان ( لولا الجاني ) اعدها واخرجها احد رواد المسرح الكوردي الاوائل ( فؤاد رشيد بكر )، خلال العام الدراسي 1925 -1926 .
ويؤرخ بعض المهتمين بالمسرح الكوردي ان البداية الحقيقية للمسرح الكوردي بدأت بعد الثلاثينيات من القرن الماضي، بعد ان اخذت بعض الفرق المسرحية العربية العراقية، كفرقة حقي الشبلي بزيارة السليمانية وقدمت عروضها الناضجة فيها وباللغة العربية.
وقد قدمت اول مسرحية مؤلفة بالكوردية هي مسرحية ( الحب والوطنية ) في سنة 1933 تاليف الشاعر ( أ.ب. هه وري) .
وفي عام 1935 قدمت مدرسة ( زانستي ) مسرحية معدة عن الملحمة الكوردية ( مم وزين) للشاعر احمد خاني .

كوردستان عرفت المسرح عن طريق الطلبة
وهناك رأي آخر، وهوما يرجحه بعض المهتمين ويؤكده التوثيق الى الان، ان كوردستان عرفت المسرح عن طريق الطلبة الذين كانوا يتلقون تعليمهم في مدارس بغداد والذين نقلوا ما شاهدوه في مدارسهم من مسرحيات، بعد ان اعدوها باللغة الكوردية وقدموها في الازقة والمحلات، وفي امكنة بسيطة سموها ( مسرح)، من هذه الامكنة التي قدمت عليها اول مسرحية باللغة الكوردية في عام 1925 هي (طارمة) منزل السيدة (بهية خان) من عائلة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية.

المسرح وسيلة لنقل المعاناة
بالرغم من الظلم والاضطهاد الذي تعرض له الشعب الكوردي عبر الزمن، وجميع المحاولات الرامية إلى طمس معالمه التاريخية، الحضارية منها والفنية، إلا أنه أبى إلا أن يعبر عن نفسه وهويته، وإحدى نضالاته في التعبير كانت في اتخاذ المسرح منبراً لنقل معاناته والمطالبة بحقوقه المشروعة، إضافة للتفاعل والتواصل مع الشعوب والثقافات المختلفة.

PUKmedia/ إعداد: كديانو عليكو

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket