إعادة ضبط المعادلة الإقليميةبعد زيارة الشرع

الآراء 08:55 PM - 2025-11-25
عباس عبدالرزاق

عباس عبدالرزاق

الخيارات التركية، ومستقبل الملف الكردي، وشكل الترتيبات الجديدة في شمال سوریا

تشكل زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض نقطة تحوّل في مسار الصراع السوري، إذ منحت الشرعية لمقاربة سياسية جديدة، وفتحت الباب أمام إعادة هيكلة العلاقات الدولية في سوريا، خصوصًا في المناطق الخاضعة للنفوذ الأمريكي شرق الفرات. أكثر الدول تأثرًا بالتحول كانت تركيا، التي وجدت نفسها أمام إعادة تموضع للقوى الكردية، وتحول في موقع دمشق الدولي، وتراجع في قدرتها على التحكم في مسارات شمال سوريا.

تخلص الورقة إلى أن تركيا أمام ثلاثة خيارات رئيسية: التصعيد العسكري، التفاوض، أو إدارة الأزمة دون حلّ. كما تشير إلى أن السنوات الخمس المقبلة ستكون حاسمة في تحديد شكل العلاقة الكردية–التركية ومستقبل الترتيبات في شمال سوريا.
منذ العام 2014 أصبح المشهد السوري متعدد المستويات: صراع دولي، تنافس إقليمي، صراع داخلي، وصعود دور الفاعلين غير الدوليين. وقد استطاعت واشنطن تثبيت موطئ قدم قوي شرق الفرات عبر تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية.

تركيا، من جهتها، رأت في الصعود الكردي تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، فدخلت بسلسلة عمليات عسكرية (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام).
لكن زيارة الشرع – التي حملت رسائل سياسية أعمق من المتوقع – غيّرت قواعد اللعبة، ووضعت الجميع أمام مراجعة إجبارية

السياق الدولي: 
واشنطن تعيد سوريا إلى الطاولة
أرادت واشنطن من زيارة الشرع إرسال خمس رسائل أساسية:
إعادة الاعتراف بوجود سياسي سوري قابل للتفاوض. تثبيت النفوذ الأمريكي شرق الفرات.
تقوية الحضور الكردي على حساب الأطراف الإقليمية. إعادة تشكيل العلاقة السورية–التركية تحت سقف أمريكي. منع روسيا وإيران من احتكار الملف السوري. هذه الرسائل دفعت باتجاه فتح مرحلة سياسية جديدة.

أثر زيارة الشرع على المعادلة الإقليمية
أدت الزيارة إلى: تعزيز مكانة دمشق في النظام الدولي.
وضع الأكراد في موقع تفاوضي أعلى. تقليص هامش المناورة التركي. فرض خطوط جديدة على الترتيبات الأمنية.بدء تشكل تحالفات جديدة: (دمشق واشنطن و قوى كردية).

التحولات داخل تركيا: ارتباك استراتيجي متعدد المستويات
الصدمة الاستراتيجية : تركيا فوجئت بأن واشنطن تتحرك نحو تسوية سياسية دون التنسيق معها.
إعادة فتح ملف عبدالله أوجلان : يتسرب داخل تركيا حديث سياسي مرتبط بإمكانية فتح قناة تفاوض رمزية أو سياسية مع أوجلان.  السبب: الضغط الأمريكي، والحاجة إلى مخرج استراتيجي من عقدة الملف الكردي.
تراجع الخطاب الأمني التقليدي : تدرك أنقرة أن أدواتها الأمنية لم تعد تضمن التأثير المباشر شرق الفرات.
 تآكل القدرة على الاستثمار الداخلي في الورقة الكردية الاستقطاب الذي اعتمد عليه الحزب الحاكم قد يفقد فعاليته.

الملف الكردي بعد الزيارة: 
من شريك عسكري إلى فاعل سياسي
واشنطن نقلت الملف الكردي من:
مستوى تكتيكي → إلى مستوى استراتيجي.
ومن: شراكة عسكرية → إلى شراكة سياسية.
هذا يعزز موقع الأكراد في أي مفاوضات مستقبلية ويؤسس لإمكانية: ( حكم ذاتي.  فيدرالية مرنة.ترتيبات حكم محلي معترف بها دوليًا.) 

انعكاسات الزيارة على العلاقة التركية–الأمريكية
توتر في ثلاثة ملفات:
1.  مستقبل القوى الكردية شرق الفرات.
2.  منظومات الدفاع (S-400 والناتو).
3.  ترتيبات الحدود الشمالية.
واشنطن تراهن على الضغط وليس المواجهة
وتسعى إلى دفع أنقرة نحو “تسوية سياسية” بدلًا من الحل الأمني.

انعكاسات الزيارة على دمشق
تحصل دمشق على: اعتراف دولي تدريجي.  دخول جديد إلى المعادلات الأمنية. فرصة للتفاوض على توازن جديد في الشمال.  دعم أمريكي غير مباشر لحل سياسي شامل.

خيارات تركيا الاستراتيجية
الخيار الأول: التصعيد العسكري
يهدف إلى إعادة رسم حدود النفوذ.  لكنه مكلف عسكريًا وسياسيًا ويصطدم بوجود أمريكي مباشر.
الخيار الثاني: التفاوض السياسي
يشمل: قنوات ضغط على القوى الكردية.  انفتاح محدود على دمشق.   إعادة تفعيل ملف أوجلان.
تفاهمات أمنية مع واشنطن. هذا الخيار الأكثر واقعية على المدى المتوسط.
الخيار الثالث: إدارة الأزمة دون حل
شراء الوقت وتأجيل القرارات. لكنه يعرض أنقرة لفقدان القدرة على التأثير مستقبلاً.

 السيناريوهات المستقبلية (2025–2030)
السيناريو الأول: 
تسوية سياسية مدعومة أمريكيًا 
ترتيبات حكم ذاتي كردي. تفاهم تركي–كردي محدود.
عودة تدريجية للدولة السورية.
السيناريو الثاني: تصعيد عسكري تركي محدود عمليات تكتيكية. دون تغيير استراتيجي كبير. يفاقم التوتر مع واشنطن.
السيناريو الثالث: انفتاح تركي على دمشق
•التفاوض على إدارة أمنية مشتركة للحدود.
•محاولة احتواء القوى الكردية عبر دمشق.
السيناريو الرابع: تثبيت نموذج فيدرالي شرق الفرات
  •  وهو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لتركيا.

تقييم المخاطر
النوع  التفاصيل
مخاطر سياسية  تراجع نفوذ تركيا الإقليمي – صعود دور الأكراد
مخاطر أمنية  احتمال صدام تركي–أمريكي محدود
مخاطر داخلية  تغير المزاج الكردي–التركي، والتأثير على الداخل التركي
مخاطر اقتصادية  تكاليف العمليات العسكرية واستنزاف الموارد

التوصيات السياسية
 ( لتركيا )
1.  عدم المضيّ نحو التصعيد العسكري الشامل.
2.  فتح قنوات غير مباشرة مع القوى الكردية.
3.  إعادة تقييم العلاقة مع واشنطن.
4.  الاستثمار في تفاهمات أمنية–سياسية مع دمشق.
5.  إعادة إطلاق مسار داخلي لمعالجة القضية الكردية.

للولايات المتحدة
1.  دعم ترتيبات سياسية طويلة الأمد شرق الفرات.
2.  الضغط نحو توافق تركي–كردي–سوري.
3.  منع التصعيد العسكري.
4.  رعاية مسار حوار جديد بين أنقرة والقوى الكردية.

للقوى الكردية
1.  الحفاظ على التوازن بين واشنطن ودمشق.
2.  بناء استراتيجية تفاوض طويلة الأمد مع تركيا.
3.  تجنب القطيعة الجذرية مع أنقرة.
4.  إعداد مشروع حكم متماسك قابل للتوافق الإقليمي.

لدمشق   
1.  استثمار اللحظة السياسية الجديدة.
  2.  القبول بترتيبات حكم محلي.
  3.  إعادة بناء الثقة مع القوى الكردية.
  4.  التعاون مع واشنطن في ملفات استقرار الشمال.

زيارة الشرع ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل هي نقطة تحوّل بنيوية تعيد تشكيل ثلاثة ملفات متشابكة: تركيا، الملف الكردي، وتوازنات الشمال السوري.
وفي ضوء التحولات الجارية، يبدو أن مستقبل المنطقة سيُصاغ من خلال مزيج من التفاوض والضغط والتكيف، وليس عبر القوة العسكرية فقط. الفترة 2025–2030 ستكون مفصلية في تحديد شكل سوريا، ومصير القوى الكردية، ومستقبل العلاقة التركية–الكردية.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket