"اقتصاد الإقليم على فراش الموت… والقرار السياسي آخر جرعة نجاة

الآراء 03:42 PM - 2025-11-24
فرست عبدالرحمن مصطفى

فرست عبدالرحمن مصطفى

منذ أن صعد الدخان الأول فوق جبال كوردستان كان الكورد يعرفون أن الطريق الطويل نحو الحقوق لا ينتهي عند محطة سياسية ولا يتوقف عند توقيع اتفاق ولا يُختم بخط على ورق. فالمشهد العراقي اليوم بحكومته وهيكليته الدستورية وتمركز صلاحياته، يعيد رسم الخريطة الاقتصادية بأقلام ليست جميعها بيد الإقليم. ومع انتقال النفط والكمارك والواردات الداخلية إلى يد الحكومة الاتحادية وجد الإقليم نفسه كمن أطفأ مصابيحه ثم بدأ يفتش عن الضوء في دهاليز السياسة والاقتصاد.

لكن… حين تضيق الخيارات، تتسع العقول. وحين تشتد الأزَمات، تنفتح الطرق المخفية.

ترتيب البيت الداخلي:-
لا يمكن لإقليم كوردستان أن ينهض واقتصاده محاصر من الداخل قبل الخارج. الانقسام الحزبي وازدواجية الإدارات وتشظّي القرار بين هنا و هناك هذه ليست مجرد مشاكل سياسية بل هي نزيف اقتصادي مستمر. إن أول مصلحة عليا للإقليم اليوم هي بناء مركز قرار موحد لا بالخطابات بل بالتشريعات، حكومة موحدة وموازنة موحدة ورؤية اقتصادية لا تخضع لمزاج زعيم أو اتجاه حزب. فالسوق لا يثق بالمنقسمين والاستثمار يهرب من المناطق التي لا تتكلم بصوت واحد.

التحول من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج:-
كان النفط ولسنوات طويلة هو القماش الذي تُخاط به ميزانيات الإقليم. اليوم ذهب القماش وبقي الجسد عارياً. لذلك يجب أن يتحول الإقليم من منطقة تعتمد على بيع المصادر الخام إلى منطقة تنتج وتزرع وتصنع.
– الزراعة:- كوردستان تمتلك أرضاً خصبة ومياهاً أفضل من مناطق أخرى في العراق. الاستثمار في الزراعة الحديثة ودعم الفلاح وإنشاء مصانع غذائية داخلية وليست كرفاهية، بل كضرورة وجودية.
– الصناعة الخفيفة:- من الممكن للإقليم أن يتحول إلى مركز صناعات صغيرة ومتوسطة تغطي جزءاً كبيراً من السوق العراقية.
– الطاقة المتجددة:- الشمس والرياح في كوردستان ليست مجرد مشهد طبيعي بل مشروع اقتصادي ينتظر من يوقّع أمر ولادته.

مصالحة اقتصادية مع بغداد بلا خضوع ولا عناد:-
بغداد هي مركز القرار المالي اليوم. هذه حقيقة. لكن الحقيقة لا تعني الاستسلام كما أن العناد لا يعني القوة. المطلوب هو تفاهم اقتصادي واضح، حقوق الإقليم في الموازنة وضمان الرواتب وحصص المشاريع والحفاظ على خصوصية الإقليم في الاستثمار.
العلاقة مع بغداد يجب أن تتحول من صراع سياسي إلى صفقة اقتصادية، نحن نلتزم بالقانون… وأنتم تضمنون حقوق المواطنين.
الضغط عبر الدبلوماسية والبرلمان والقضاء الدولي أدوات مشروعة لا تقل أهمية عن السلاح الذي حَمَلَه الكورد يوماً ليحموا أرضهم.

الانفتاح على السوق الدولية:-
حتى لو ضاق العراق فالعالم لا يضيق.
– جذب الشركات العالمية للاستثمار في السياحة والصناعة والزراعة.
– فتح أبواب الإقليم أمام رؤوس الأموال التي تريد منطقة مستقرة وآمنة.
– تحويل كوردستان إلى منطقة لوجستية بين تركيا والعراق وإيران وربما بين الخليج وأوروبا.
هذه ليست أحلاماً، بل حاجة اقتصادية يمكن تنفيذها إذا توفرت إدارة رشيدة وقوانين استثمار حقيقية لا تتغير بتغير مزاج بعض السياسيين كما حصل.

إصلاح الجهاز الإداري والمالي:-
الفساد هو الأزمة الاقتصادية الأولى وكل شيء يأتي بعده.
هناك رواتب غير حقيقية وظائف بلا إنتاج سطوة الحزبية على مؤسسات الدولة وغياب الرقابة، هذه كلها سكاكين قطعت شريان اقتصاد الإقليم. الإصلاح الإداري ليس شعاراً، إنه عملية تنظيف جذرية تُعيد للدولة هيبتها وللمال العام قدسيته.

مصلحة كوردستان اليوم… هي النجاة غداً، ليست مصلحة الإقليم في المجاملة لبغداد ولا في رفع نبرة التحدّي، بل في صياغة علاقة جديدة تحمي المواطن قبل الحزب وتحمي الخبز قبل الخطاب وتحمي كرامة الموظف قبل كرامة السياسي.

مصلحة كوردستان هي أن يفهم قادتها أن المرحلة الجديدة لا تحتمل الغرور وأن الاقتصاد لا يعرف العواطف وأن الجبل يبقى شامخاً فقط عندما يكون من الداخل متماسكاً.

الإقليم اليوم على حافة أزمة… لكنه أيضاً على حافة فرصة.
وما بين الحافتين يقف القرار السياسي، إما أن يصنع نهضةً تحفظ كوردستان لأجيال، وإما أن يتركها تغرق في أزمةٍ ليست أصعب من قدرة الكورد على تجاوزها إن هم أرادوا.

وللإنصاف… ثمة حقيقة مُرّة لا يمكن تلميعها:-
فالإقليم لم يكن مجرد ضحية في هذه الأزمة بل كان في كثير من الأحيان شريكاً فخوراً في صناعتها. فعندما كان بعض المسؤولين يتعاملون مع المال العام كأنه “غنيمة عشائرية” ويظنون أن الخزينة لا تنضب طالما النفط يتدفق، كانوا يمهدون بأيديهم لطريق الانهيار. وعندما اصبحت المقاولات “مكرمة حزبية” والمشاريع صور على الورق، بدا وكأن الإقليم يجري سباقاً عالمياً في فن صناعة الأزمات… لكنه سباق لا يوزّع فيه أية ميدالية سوى ميدالية الفشل.
هكذا وبسخرية القدر صار بعض القادة يصرخون من شدة الأزمة، بينما الأزمة نفسها تجلس في زاوية مكتبته تبتسم، لأنها تعرف جيداً من الذي دعاها للدخول أول مرة.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket