أين هي هيئة الإعلام والاتصال العراقية؟

الآراء 03:17 PM - 2025-11-18
د.عدالت عبدالله

د.عدالت عبدالله

بذريعة أنها هيئات مستقلة وليست تحت إمرة الدولة ومؤسساتها، نلاحظ غيابًا شبه تام لمتابعة نشاطات الكثير من الهيئات المستقلة في العراق، وعلى رأسها هيئة الإعلام والاتصال، التي ينبغي علينا اليوم أن ندعو مجددًا إلى مناقشة نشاطاتها ومنجزاتها، أو على الأقل مراجعة وظائفها ومسؤولياتها، ومن ثم تقييم جدوى وجودها كجهة معنية بعالم الإعلام والاتصال في العراق.
إن ما دفعنا لإثارة هذا الموضوع في الوقت الراهن هو، قبل كل شيء، الخروقات الإعلامية التي تحدث في عموم العراق أثناء الحملات الانتخابية، الخاصة بمختلف الانتخابات التي جرت وتجري في البلد، والتي تتمثل، قبل أي شيء، في مسائل تتعلق بالأخلاقيات الإعلامية . Media ethics
ورغم أننا ندرّس هذه الأخلاقيات كل عام في الجامعات والمعاهد العراقية، ونؤهل أجيالًا من الإعلاميين ليهتموا بهذا الجانب المهم في مزاولة العمل الإعلامي، إلا أنها ما زالت غائبة إلى حدٍّ يدعو إلى فقدان الأمل في إصلاحها أو تحسينها. والأَمَرّ من ذلك أن هذه الخروقات، مع كل انطلاق حملة انتخابية جديدة، تشتدّ وتتفاقم على عكس توقعاتنا التي تراهن على وجود هيئة معنية تحدّ من آثارها وامتدادها إلى الحملات الانتخابية المقبلة. ومن أمثلة هذه الخروقات الناجمة عن انعدام الرقابة على أخلاقيات العمل الإعلامي:التحريض الطائفي أو القومي أو الديني، الذي نلاحظه بوضوح في كثير من الحملات الإعلامية، سواء عبر الفضائيات أو منصات التواصل الاجتماعي التابعة للأحزاب والقوى السياسية.
إن هذه التحريضات الإعلامية ضد ظاهرة الاختلافات الطائفية أو القومية أو الدينية – وهي ظاهرة طبيعية تعبّر عن الطابع الفسيفسائي للمجتمع العراقي – تُخرّب، وبقوة، كل ما بنيناه وسوّقناه إعلاميًا في مراحل ما قبل الحملات الانتخابية، من جهود ترمي إلى ترسيخ التعايش وقبول التنوع كحالة طبيعية وفضيلة إلهية.
إنها بمثابة سموم قاتلة تقضي على مصادر تنفّس المجتمع الثري بتنوّعه، وتُرهق المشاريع السياسية والإعلامية المسؤولة والملتزمة، التي تعمل وفق قاعدة حضارية و وطنية تشبّثنا بها بعد زوال النظام السابق، ألا وهي تعميق أواصر المواطنة وروح التعايش السلمي بين أبناء البلد الواحد، بعد أن فجّر النظام السابق (1968–2003م) الروابط المجتمعية بسبب توظيفه لهذه الاختلافات في إثارة الفتن والعداوات بين مكونات الشعب العراقي.
إن عدم إيلاء الاهتمام المطلوب من قبل هيأة الإعلام والاتصال بهذا الجانب، وعدم الحدّ من هذه الخروقات الفاضحة، سيؤديان إلى تحويلها إلى حالة طبيعية!، بل سيشجعان الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات ومرشحيها على التغذي على إثارة الفتن والتحريض الطائفي والديني والعرقي المبرمج، مما يفضي إلى تزييف وعي الناخب، وغرس ثقافة الكراهية فيه ضد أبناء وطنه. والنتيجة هي المزيد من الفتن والتمييز والتعصّب، وهي كلها أمور العراق في غنى عنها، ولا ينبغي السماح بتمريرها تحت أي غطاء سياسي أو إعلامي أو اجتماعي.
ومن الواضح أن هذه التحريضات السامة في الإعلام تعمل عادةً عبر مجموعة من الآليات والأدوات، منها: استغلال الرموز الدينية أو التاريخية في الخطاب الانتخابي، واللعب على الانقسامات الاجتماعية بدلًا من طرح برامج سياسية واقعية، والتشهير الشخصي بالمرشحين لأسباب طائفية أو عرقية أو مذهبية أو دينية، وبثّ مواد تمسّ السمعة أو الحياة الخاصة للمنافسين، لا لشيء سوى أنهم ليسوا من طائفتي أو قوميتي أو مذهبي.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket