بافل طالباني… استمرار المدرسة الجلالية في الدبلوماسية والسياسة

الآراء 09:42 PM - 2025-11-08
فرست عبدالرحمن مصطفى

فرست عبدالرحمن مصطفى

منذ توليه رئاسة الاتحاد الوطني الكوردستاني يسير القائد بافل طالباني بخطى محسوبة نحو ترسيخ نهجٍ سياسي يجمع بين الواقعية والهدوء، وهو النهج ذاته الذي عُرف به والده الراحل جلال طالباني (مام جلال) أحد أبرز صُنّاع التوازن في تاريخ العراق الحديث.
واليوم يبدو واضحاً أن القائد بافل ليس مجرد وريث حزبي بل امتدادٌ لمنهج سياسي ودبلوماسي متكامل أعاد تعريف العلاقة بين كوردستان وبغداد، وبين الإقليم والعالم الخارجي.

من يتابع مواقف السيد بافل خلال العامين الأخيرين يلاحظ تحولاً نوعياً في أداء الاتحاد الوطني سواء في إدارة الملفات الداخلية أو في صياغة علاقات الحزب مع الحكومة الاتحادية، ومع القوى الإقليمية والدولية. فقد تبنّى سياسة تقوم على التهدئة والتفاهم لا التصعيد، وعلى المصالح المتبادلة لا المزايدات الإعلامية.
هذا التوجّه يذكّر تماماً بأسلوب مام جلال الذي كان يرى أن السياسة في العراق لا تُدار بالصراخ بل بالمرونة والحوار والقدرة على قراءة اللحظة بدقة.


١. بين السليمانية وبغداد: عقلانية الموقف


أعاد السيد بافل طالباني بناء علاقة متينة مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قائمة على التعاون الأمني والاقتصادي بعيداً عن لغة الشروط والتجاذبات الحزبية. فبعد سنوات من التوتر بين أربيل وبغداد اتخذ الاتحاد الوطني بقيادته مواقف أكثر انفتاحاً على المركز، مدركاً أن تحقيق مكاسب كوردية مستدامة يمر عبر التفاهم مع بغداد لا عبر الصراع معها.
هذا النهج يعيد إلى الأذهان سياسات مام جلال الذي كان يجلس على طاولة واحدة مع خصومه لكنه يخرج منها بصفقات تحفظ المصالح الوطنية والكوردية في آنٍ واحد.


٢. في الداخل الكوردي: التوازن لا المواجهة


في المشهد الداخلي الكوردي يتعامل السيد بافل طالباني مع التوترات بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكوردستاني بمنهج هادئ لكنه حازم.
فهو يدرك أن وحدة الصف الكوردي ليست شعاراً انتخابياً بل ركيزة لبقاء الإقليم مستقراً سياسياً وأمنياً. ورغم الخلافات حول ملفات النفط والمناصب والسلطة، حافظ سيادته على خطابٍ عقلاني بعيد عن التحريض محاولاً إبقاء قنوات التواصل مفتوحة حتى في ذروة الأزمات.
تلك القدرة على إدارة الخلاف دون كسره هي من أبرز ملامح الدبلوماسية التي ورثها عن والده الذي طالما قال: “السياسة ليست فن القطيعة بل فن اللقاء.”


٣. العلاقات الإقليمية: حضور متزن ودبلوماسية هادئة


على الصعيد الإقليمي نجح السيد بافل في الحفاظ على علاقات متوازنة مع إيران وتركيا والولايات المتحدة، رغم تضارب مصالح هذه الدول في كوردستان.
في حين اتجه البعض إلى الاصطفاف أو المجاملة السياسية، حافظ هو على موقف متزن يقوم على مبدأ المصالح المشتركة وعدم الانحياز الكامل لأي محور.
زياراته المتكررة إلى طهران وعواصم دولٍ اخرى ولقاءاته مع السفراء والقناصل في السليمانية تُظهر أن الرجل يسير وفق رؤية استراتيجية تعتبر السليمانية مركز ثقل سياسي مستقل داخل الإقليم، شبيه بما كانت عليه أيام مام جلال حين جعل منها بوابة التفاهمات الإقليمية.


٤. البُعد الإنساني والإعلامي في القيادة


إلى جانب البُعد السياسي يحرص السيد بافل على تعزيز صورة الاتحاد الوطني كقوة منفتحة وشابة، تستند إلى مشروع إصلاحي يوازن بين الأمن والاقتصاد والعدالة الاجتماعية.
كما أنه أظهر ميلاً إلى الشفافية في الخطاب الإعلامي وتجنب لغة الاستفزاز أو الخطابات الشعبوية، مفضّلاً أسلوب المصارحة المباشرة واللغة العقلانية الهادئة وهو ذات النهج الذي ميّز شخصية مام جلال في أوج تعقيدات السياسة العراقية.

يمكن القول إن السيد بافل طالباني يسير على خطى والده بخطابٍ عصري وأدواتٍ جديدة، مستفيداً من إرث مدرسة سياسية كوردية نادرة في العمق والرؤية.
فإذا كان مام جلال هو “رجل التوازنات” في عراق ما بعد 2003، فإن بافل يسعى ليكون رجل المرحلة الجديدة، حيث التحدي الأكبر ليس في رفع الشعارات، بل في بناء تفاهمات تحفظ كيان الإقليم وسط بحرٍ من المتغيرات الإقليمية والدولية.


إنها ليست مجرد تشابه في الأسلوب بل استمرار لنهج سياسي متجذر يؤمن بأن الحوار هو أقصر الطرق إلى الاستقرار، وأن الدبلوماسية الذكية أقوى من السلاح في معادلة البقاء.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket