من يخلق القائد؟
الآراء 03:44 PM - 2025-10-14
في عالم السياسة الحديثة، لا يولد القادة من رحم التاريخ فقط، بل يُخلقونَ عبر عملية معقدة تلعُب فيها السياسة والإعلام وعلم النفس والإدارة والاقتصاد دوراً مهماً.
قادة اليوم لا يُقدَّمون بالصدفةِ للجماهير، بل يُعدّون بعناية ويُطرحون في سوق السياسة تمامًا كما تُصنع العلامات التجارية في عالم الاقتصاد.
القيادة من منظور الفلاسفة
اهتم الفلاسفة عبر التاريخ بمفهومي القائد و القيادة، واختلفت آراؤهم بشأنها:
• أفلاطون في كتابه الجمهورية، يرى أن الملوك هم القادة المثاليون لأنهم يمتلكون الحكمة والمعرفة التي تؤهلهم لإدارة الدولة.
• أرسطو في كتابه السياسة، ربط القيادة بالعلاقة بين القائد والمجتمع، واعتبر أن نجاح القيادة مرهون بفضائل أخلاقية للقائد ، مثل الشجاعة والعدالة والحكمة، وقال إن القائد االجيد هو من يُقدّم المصلحة العامة على مصلحته الخاصة.
• نيقولو مكيافيلي في كتابه الأمير، اعتبر القيادة عملية تطبيقية وليست عملية أخلاقية، ورأى أن قائداً مؤثراً قد يضطر أحيانًا إلى استعمال الخداع والقوة لحماية الدولة، مؤكدًا أن غاية استقرار الدولة تبرّر الوسائل.
• جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي، رأى أن القيادة ليست سلطة مطلقة بل تعبير عن الإرادة العامة للشعب، فالقائد الشرعي هو من يعبر عن إرادة المجتمع و يخدم المصلحة العامة .
القيادة بين الحاجة والفرصة
تاريخيًا، وُلد معظم القادة العظام من رحم الأزمات.
فـ إبراهام لينكولن برز كقائد وطني أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، حافظ على وحدة بلاده وأعلن تحرير العبيد.
وونستون تشرشل ظهر كقائد عظيم حين كانت بريطانيا مهددة بالاحتلال النازي، ظهر في وضع صعب جداً كقائد ِ كبيرِ ، وأشعل في شعبه روح الصمود حين قال في خطابه التأريخي الشهير: لن نستسلم أبدًاوانتصر هو وشعبه في الحرب العالمية الثانية .
أما نيلسون مانديلا، فقد ناضل َ عدة عقود ِ ضد العنصرية ,و بعد قضاء ِسبعةٍ وعشرين عامًا في السجن، خرج ليقود المصالحة الوطنية دون أن ينتقم من خصومه على الرغم من ولادته من رحم القمع والتضحية .
وفي فرنسا، خاض شارل ديغول سنوات طويلة من الكفاح في المنفى لتحرير بلاده من الاحتلال النازي، فحوّل اليأس إلى أمل وحرر وطنه.
وفي كردستان، برز الزعيمان الملا مصطفى البارزاني ومام جلال طالباني كنموذجين لكاريزما الأمل القومي والوطني، إذ منَحا الأمة الكردية الثقة والرجاء في أحلك الظروف.
حين تنهار الشعوب تحت وطأة الحرب والانقسام واليأس، يبحث الناس عن شخصيات تبعث فيهم الأمل والثقة.
بعد انتكاسة ثورة أيلول عام 1975 في كردستان وما خلّفته من خيبة عميقة للكورد ، كان مام جلال أحد القادة العفويين والكاريزميين الذين استطاعوا بعقليتهم الواقعية وعمقهم الإنساني أن يبعثوا الحياة في روح النضال الكردي من جديد، فقاد نهوضًا ثوريًا جديدًا، وغرس الإيمان بالنضال والأمل في وجدان كل كردي.
إنها الحقيقة التي تثبت أن القادة الحقيقيين يظهرون في أحلك الظروف، حين يتخلون عن رغباتهم الشخصية لصالح تطلعات شعوبهم.
في العصر الحديث و خصوصاً في الغرب ، لم تعد القيادة و ظهور القائد المؤثر تتنج عن محضِ صدفة ، بل هو نتاج ُ عمل منظم ِ ومؤسساتي ،أصبحت الأحزاب السياسية مع الفرق الإستشارية ومتخصصي العلاقات العامةِ والإعلام بمثابة مختبر يخلق فيها شخصيات القادة لكي يظهروا عند الضرورة وفي الوقت المناسب ويظهرون على مسرح السوق السياسي .
الإعلام: المنصة الجديدة لخلق القادة
اتضح بأنه لم يعد الكاريزما وحدها كافية لخلق القائد وتقدمِهِ ونبوغِهِ ، فاليوم أصبح الإعلام هو المنصة الحقيقية التي يعرض فيها الشخصيات السياسية أنفسهم ، إنه الإعلام الذي يزرع صورة قائدِفي عمق الوعي العام للجماهير بالصورة الجميلة التي يقصدون وصولها اليهم .
فمن خلال القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي، يمكن لشخص مغمور أن يتحول في ليلة واحدة إلى نجم سياسي شرط أن يعرف كيف يُدير صورته وخطابه بذكاء.
الإعلام لم يعد يكتفي بنقل الأحداث، بل أصبح شريكًا في صناعة الرموز وتشكيل الوعي السياسي.
القائد والعلاقات العامة
خلف كل قائد ناجح فريق متخصص في الإعلام والعلاقات العامة، يُعرف في الغرب باسم مهندس الصورة أو طبيب السمعة.
هؤلاء يصممون الهوية العامة للقائد: كيف يتحدث؟ ماذا يرتدي؟ متى يظهر؟ وما القضايا التي يتبناها؟
يعمل هؤلاء الخبراء على تحويل صورة القائد إلى رمز ملهم من خلال أدوات التسويق السياسي، ولغة الخطاب العاطفي، وصياغة قصة أسطورية حول حياته ونضاله وربطها بتأريخ نضال وآلامِ أمته ِوتحقيق أحلامهم وآمالهم.
في عصر الذكاء الإصطناعي و التكنولوجيا والاتصال وتصميم الصور ، تسويق القائد لا يختلف عن تسويق أي منتج ناجح، فهناك شعار، ولون، ورسالة، وقصة تشكل جميعها "العلامة الشخصية" للقائد.
كثيرًا ما يُقدَّم القائد على أنه منقذ أو مصلح أو مدافع عن القيم الوطنية، فتُروى قصص تُضفي عليه طابعًا أسطوريًا يجعله في نظر الناس شخصية استثنائية لا بديل عنها.
هذا ما يسمى بـ الرمزية السياسية، وهي التي تمنح القائد شرعية وجدانية تتجاوز الخطاب الرسمي.
بين القائد الحقيقي والمُصنّع
رغم كل تقنيات التسويق والدعاية الإعلامية ، تبقى الفروق واضحة بين القائد الحقيقي والقائد المُصنّع.
فالقائد الحقيقي هو صاحب رؤية ومشروع وضمير وبصيرة، أما القائد المُصنّع فهو منتج إعلامي زائل يخبو بريقه عند أول اختبار حقيقي.
أخيراً الذين يخلّدهم التاريخ هم أولئك الذين عاشوا هموم شعوبهم اليومية لا الذين صُنعت صورهم في الاستوديوهات ا و تدار حملاتهم في مؤسسات العلاقات العامة.
في زمننا هذا لم تعد القيادة نتاج صدفة، بل أصبحت علمًا وفنًا واستثمارًا سياسيًا،لكن يبقى السؤال الجوهري:
هل يستطيع الإعلام أن يصنع قائدًا حقيقيًا بلا أساس أخلاقي، وبدون كاريزما أصيلة أو مشروع وطني؟
قد يتمكن من رسم صورة القائد، لكنه إذا لم يمتلك القدرة والموهبة في هذا المجال لا يستطيع أن يخلق روح القيادة الحق.
ترجمة: نرمين عثمان محمد
PUKMEDIA
المزيد من الأخبار
-
قوباد طالباني: تشكيل حكومة في بغداد تلبي طموحات جميع المكونات
07:01 PM - 2025-11-19 -
بلدية السليمانية تطلق حملة غرس 1000 شجرة لزيادة المساحات الخضراء
03:38 PM - 2025-11-19 -
السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة تتلاعب باسعار الذهب
12:31 PM - 2025-11-19 -
السليمانية تحتضن مهرجان كلاويز الثقافي بدورته الـ28
11:07 AM - 2025-11-19
الأكثر قراءة
-
قوباد طالباني: نأمل ان تسفر عملية السلام في تركيا عن نتائج مرضية للجميع
کوردستان 07:55 PM - 2025-11-19 -
بلدية السليمانية تطلق حملة غرس 1000 شجرة لزيادة المساحات الخضراء
کوردستان 03:38 PM - 2025-11-19 -
قوباد طالباني: تشكيل حكومة في بغداد تلبي طموحات جميع المكونات
کوردستان 07:01 PM - 2025-11-19 -
برنامح عمل الدورة الـ 28 لمهرجان كلاويز الدولي في السليمانية
کوردستان 04:44 PM - 2025-11-19 -
وزارة المالية تعلن تحويل ايرادات شهر أيلول الى الحكومة الاتحادية
کوردستان 10:31 AM - 2025-11-19 -
المفوضية: عدد الطعون بنتائج الانتخابات وصل إلى 80 طعناً
العراق 01:12 PM - 2025-11-19 -
وزير العدل يطلق خدمة المواجهة الإلكترونية للنزلاء في سجن الكرخ المركزي
العراق 02:19 PM - 2025-11-19 -
السليمانية تحتضن مهرجان كلاويز الثقافي بدورته الـ28
کوردستان 11:07 AM - 2025-11-19



تطبيق

