مدينة نصف جهان: بين الذاكرة والكلمة
الآراء 12:01 PM - 2025-09-27
حين وضعتُ صندوق كتب (گۆلبژیرك) – باقة الورد على الطاولة، بدا النهار وكأنه متجمّد في مكانه، لم يجرؤ على المضيّ. جلستُ أتأمل العناوين، وزادني الفضول فقلبتُ الصفحات، وأطلقتُ لذاكرتي العنان لتغرق في الأعماق. كثير من هذه النصوص كنتُ قد قرأتها من قبل، لكن حضورها في تلك اللحظة كان مختلفًا؛ كأنها تنهض من سباتها لتكلّمني من جديد.
وما إن فتحت أوراقها حتى حملتني الذكرى إلى مدينة خانقين؛ حيث شعرتُ بتقاطع الذاكرة بيني وبين عماد أحمد. الكلمات كانت تسحبنا إلى الجلوة وذكريات الطفولة في أزقة محلة جلوة وكووجە باغ، وحيث كنا نلتقي في ذاكرة مشتركة. وأنا أنجرف إلى محلة المزرعة وكووجە باغها، فتجمعنا المدينة والنهر الوند وشوارعها وأحياؤها التي حفظت وقع خطواتنا، وإلى المزارع والبساتين التي منحتنا طعم شهد التمر الحلو ورائحة (ئاو پینگە)، ورائحة الليمون والبرتقال وألوان العنب وما طاب. إلى تراب الأرض الذي امتزج بعرقنا وأحلامنا. هناك، بين النخيل وكووجە باغ وخان خورما وتاريكە بازار، كانت الكلمة تنبت كغرس صغير، وتثمر في أرواحنا قبل أن تثمر في الكتاب (تاڵ و شرین).
لكن أكثر ما شدني في المحتوى هو حقيقة أحداث (هەڵوی سوور) – منظمة “الصقر الأحمر” – التي أربكت نظامًا متغطرسًا خرج من نشوة انتصاره ليطارد الكتّاب والفنانين. كان يحمل سكين الرقابة على كلمة “كوردستان”، ويثقل على أصوات الشعراء، يمنعهم من التحليق. حتى إن شاعرًا رقيقًا مثل (آشتي) لم يسلم من الصمت المفروض، فصارت كلماته طيورًا مكسورة الجناح تحلّق فوق سماء مثقلة بالمنع والرقابة.
كنتُ على يقين بأن عماد أحمد كان على دراية تامة بما جرى، وبكيفية تأسيس المنظمة، وكيف تحوّلت نواتها من دم الشهيد إلى منظمة هەڵوی سوور، رغم تعدد السرديات عنها وعن أعمالها. لكن الحقيقة عند عماد أحمد هي خريف الآلام؛ فقد كان يكتب وهو واعٍ لكل شيء: بدايات التأسيس، العملية الشجاعة في ساحة الخلاني، الاعتقالات، مواجهة الجلادين في السجون، والمقاومة و تحطم الزنزانات و الهروب و في قاعات المحاكم التي سُمّيت زورًا باسم “الثورة”. كانت دماء الشهداء تتحول إلى شواهد أبدية على معنى البطولة، فيما تتقاطع ذكرياتنا.
واليوم، وأنا أفتح كتابه الأول (تاڵ و شرین)، رأيت الأزهار الذابلة بين صفحاته وقد استعادت لونها الخفيّ، كأنها تريد أن تستقبلني ببهجة اللقاء، وتدعوني إلى رحلة جديدة في ذاكرة خانقين: بين المزارع والبساتين، بين الأحياء وكووجە باغاتها، بين أحيائها القديمة؛ حميدية، آغا، خليفة، المزرعة، جلوة، كما يسميها عماد أحمد “نصف جهان”. كلمات لا تنطفئ، وذكريات لا تموت.
PUKMEDIA
المزيد من الأخبار
-
قوباد طالباني: تشكيل حكومة في بغداد تلبي طموحات جميع المكونات
07:01 PM - 2025-11-19 -
بلدية السليمانية تطلق حملة غرس 1000 شجرة لزيادة المساحات الخضراء
03:38 PM - 2025-11-19 -
السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة تتلاعب باسعار الذهب
12:31 PM - 2025-11-19 -
السليمانية تحتضن مهرجان كلاويز الثقافي بدورته الـ28
11:07 AM - 2025-11-19
الأكثر قراءة
-
قوباد طالباني: نأمل ان تسفر عملية السلام في تركيا عن نتائج مرضية للجميع
کوردستان 07:55 PM - 2025-11-19 -
بلدية السليمانية تطلق حملة غرس 1000 شجرة لزيادة المساحات الخضراء
کوردستان 03:38 PM - 2025-11-19 -
قوباد طالباني: تشكيل حكومة في بغداد تلبي طموحات جميع المكونات
کوردستان 07:01 PM - 2025-11-19 -
برنامح عمل الدورة الـ 28 لمهرجان كلاويز الدولي في السليمانية
کوردستان 04:44 PM - 2025-11-19 -
وزارة المالية تعلن تحويل ايرادات شهر أيلول الى الحكومة الاتحادية
کوردستان 10:31 AM - 2025-11-19 -
المفوضية: عدد الطعون بنتائج الانتخابات وصل إلى 80 طعناً
العراق 01:12 PM - 2025-11-19 -
وزير العدل يطلق خدمة المواجهة الإلكترونية للنزلاء في سجن الكرخ المركزي
العراق 02:19 PM - 2025-11-19 -
السليمانية تحتضن مهرجان كلاويز الثقافي بدورته الـ28
کوردستان 11:07 AM - 2025-11-19



تطبيق

