السلام الحقيقي ليس فقط إنهاء الحرب بل وجود الحرية والعدالة

الآراء 04:49 PM - 2025-09-16
وليد حميد

وليد حميد

عادت المناقشات بصدد عملية السلام مرة ثانية، التي أجِّلت طويلاً في تركيا، إلى الواجهة منذ عام 2024 حيث لعب الرئيس مام جلال الذي يعتبر مهندس السلام، دورا أساسيا في وضع لبنة هذه العملية في أعوام التسعينيات، فرغم ظهور عدة عوائق أمام تلك العملية ولكن بعد مرورعدة سنوات، منذ العام الماضي تبرعمت ثمار تلك عملية السلام مرة ثانية واكتسبت بُعدًا رسميًا مع إنشاء لجنة داخل البرلمان في شهر آب الماضي، برئاسة نعمان كورتولموش، حيث ينظر إليها الرأي العام على أنها مبادرة جديدة تهدف إلى حل القضية الكردية رغم اختلاف أسماء الأحزاب، كما تتزايد التوقعات بأن اللجنة ستُطبِّق لوائح قانونية ومؤسسية مُختلفة في مجالات مثل الحقوق، والسلم الاجتماعي، والانتماء، وتمثيل الهوية الكوردية ودمقرطة توركيا أجمالا.

الزمان والمكان المناسب للمصالحة بعد عدة أعوام
في السنوات الأخيرة، يظهر مفهوم "المصالحة" مرة أخرى بين الحين والآخر في خطاب السياسيين في تركيا، ومع ذلك، غالبًا ما يُعالج بمعزل عن سياقه، بالاعتماد فقط على مراجع عاطفية أو دينية، أما في الأدبيات الدولية، فتُعدّ المصالحة مفهوما عميقا يشمل التحولات السياسية والمؤسسية التي تصف سبل استئناف المجتمعات التي تعاني من الصراعات الطائفية والقومية و...ألخ، فالمصالحة ليست مجرد إسكات البنادق، بل هي الاعتراف بالظلم التاريخي الذي يُشكّل أساس ظهورالعنف، حيث يتحقق ذلك من خلال إصلاح العلاقات التي تضررت بسبب الصراع و التناحرات وتشكيل عقد اجتماعي جديد، ما هو على المحك هنا ليس السلام بين الأفراد بقدر ما هو شكل من أشكال إعادة التأسيس بين الدولة ومواطنيها والخطوة الأولى في جهود المصالحة هي تحديد المشكلة في هذا السياق لايجاد الدواء الشافي للعقدة.
أرى هنا فرقًا بين تعريفي للقضية الكوردية والصراع الكردي فبينما يشير الصراع إلى العنف المسلح المستمر منذ 15 اب عام 1984، تُعدّ القضية الكردية قضية سياسية متجذرة ومتعددة الجوانب، تعود إلى قبل وبعد فترة تأسيس الجمهورية التركية.
إن إنكار الجوانب الثقافية للهوية الكوردية وممارسات حظر اللغة الكردية، وتجريم استخدامها علنًا، وقمع الإنتاج الثقافي الكوردي، هي سياسات ممنهجة تتجاهل الحقوق الجماعية للشعب الكوردي وقمع القدرة السياسية الكردية، فبينما حُرم الكرد، الذين تمكنوا من التنظيم بدرجة معينة من الاستقلالية خلال العهد العثماني، من قدرتهم السياسية ضمن هيكل الدولة القومية المركزية للجمهورية التركية وقُيّدت قدرة الأكراد على التمثيل السياسي باستمرار من خلال أساليب مثل العتبات الانتخابية، وإغلاق الأحزاب المتتالية، وممارسات الوصاية، وتسييس القضاء، هذه الأمور والميول المنحرفة قامت بتعقيد القضية الكوردية بشكل اكثر وتوسيع فجوة التناقضات وازدياد رقعة الاشتباكات بين الجانبين الكوردي والتركي يوما بعد يوم، حيث ان الخيار العسكري لم يستطع خلال عشرات السنين أن يصبح خيارا لحل الازمات بشكل عام وبشكل خاص القضية الكوردية.
أؤكد هنا، لا ينبغي أن تكونَ المفاوضات ضمن الإطار الأمني فقط بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، بل يجب أن يكون ذلك عقدا اجتماعيا قائما على المساواة بين الدولة والشعب الكردي في جهودِ المصالحة، من الشروطِ الأساسيةِ للنظر في كيفيةِ حدوثِها تحديد المسار الصحيح والوضوعي، مَن سيتصالحُ مع مَن؟ بحيث يمكن إجراء الإصلاحات، وفقا لذلك فالمختصر المفيد يجب أن يكون طرفا المصالحة هما الدولةُ التركية والشعبُ الكردي ولا ينبغي أن تكونَ فقط بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، وإن تحديدَ الجهاتِ الفاعلةِ أي (الشعب الكردي والدولة التركية) على جانبي المصالحةِ سيرسم أيضا مسارا حقيقيا يُمكنُ من خلاله إصلاح العلاقاتِ المتأزمة تاريخيا والتوصل إلى تسوية وسطى اكثر موضوعية ومنطقية.

فجوة اللامساواة بين الدولة التركية والشعب الكردي
الغالبية العظمى من الأكراد، لأسباب مختلفة ولكن بمعتقدات مشتركة، يؤمنونَ بإمكانيةِ التعايشِ السلمي ويعبر البعض عن هذا الاعتقاد استنادا إلى قرون من التعايش في الأراضي نفسها، بينما ينطلق آخرون من علاقات القرابة والجيرة، بينما ينطلق آخرون من رؤى سياسية أكثر راديكالية تتمحور حول الحكم الذاتي المحلي، وتطرح تساؤلات حول حدود الدولة القومية، ومع ذلك، تتشكل إرادة العيش المشترك على أسس غير متكافئة فالعلاقة بين الدولة والأكراد غير متكافئة، فبينما تمارس الدولة كل السلطة من خلال قوانينها وأجهزتها الأمنية وأيديولوجياتها، أما الشعب الكوردي فهو شعب مُضطهد تاريخيًا ومُجبرعلى خوض النضال في ظل أصعب الظروف غير المتكافئة، لذلك فإن تجاهل هذا الاختلال والتطور اللامتكافئ في عمليات المصالحة، يُوحي بوهم المساواة بين الأطراف، ويؤدي إلى خيبة أمل بدلا من السلام والاستسلام عوضا عن السلام الحقيقي.

وأخيرا، أود القول: لا يمكن تحقيق مصالحة حقيقية مع الأكراد من خلال إجراء إصلاحات سطحية وشعارات مفرقعة أو مناورات سياسية روتينية فقط، فطريق انتصار عملية السلام في تركيا مرهون بإجراء تحولات ديمقراطية عميقة وجذرية وسن دساتير وقوانين الدولة، حيث تعترف بحقوق الشعب الكوردي في تركيا وتعويض المتضررين من الحروب الماضية.

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket