عجاج... عنوان مأساوي أمام الصمت المطبق

الآراء 12:19 PM - 2025-09-16
ستران عبدالله

ستران عبدالله

مسرح نُقرة السلمان محطة في مسار الاضطهاد والقسوة في بلادٍ انتشرت فيها الكراهية والسلوكيات الوحشية. الدافع المباشر للحديث عن هذا السجن  مجدداً هو اعتقال "عجاج حردان التكريتي" الذي صار اسمه رمزًا للتعذيب والظلم والبشاعة في ذاكرة أمهاتنا وأخواتنا وأطفالنا الأنفالِيّين.
الآن وقد تم اعتقاله، وملفه يُحقق فيه، وجرائمه تتكشف واحدة تلو الأخرى، فإن هذا الملف سيفتح أيضاً سجلّ ممارسات وسياسات الدولة العراقية التي عُرف بها، ويعيدها إلى التداول العام. هذه الأيام، نسمع تسريبات متقطعة عن التحقيقات معه...
عجاج، بالاسم والمضمون، له تاريخ طويل في هذا الصخب الدموي الممتد لعقود، ولم يُحاسب قط، ونحن لم نسأله شيئاً حتى اليوم.
1- من أين نبدأ؟
في إطار السعي لاعتقاله، نقل بشرى إعتقاله المكتب الرئاسي العراقي مع  السيدة الأولى للعراق، السيدة شٍاناز إبراهيم أحمد، والتي تبذل   مشكورة جهوداً منذ فترة في متابعة ملفات الأنفال، وكان عجاج آخر هذه الملفات. هذه الخطوات تبعث الأمل وتعكس جدية مؤسسات الدولة العراقية في خدمة الوطن والشعب، وتدلّ على أن في هذه المؤسسات بذور خير.
من واجب الكرد كشف خبايا هذه الملفات، وفضح شبكات الشر ومحاسبة رموزها، لكن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها الكاملة ما لم تتعاون معها مؤسسات إقليم كردستان بشكل منسّق وجاد. من المؤسف أن التعقيدات السياسية والتوترات بين أربيل وبغداد تُضعف هذا التنسيق، مما يقلل من فعالية هذه المساعي. ولهذا نرى أن خبر اعتقال عجاج قوبل ببرود سياسي في كردستان، وتحول التركيز بالدرجة الأولى إلى الإعلام بدل العمل المؤسساتي الجاد. في حين تحتاج هذه الخطوة قبل كل شيء إلى تعاون رسمي، وخبرة تراكمية في استثمار مؤسسات الدولة الفيدرالية لصالح قضايا شعبنا، لا إلى الانعزال.
لننتقل إلى ملامح شخصية عجاج:
إنه عجاج أحمد حردان التكريتي، المعروف اختصاراً بـ"عجاج". اسمه يوحي بخشونة صحراء نقرة السلمان، ومنها جاء لقبه. أمهاتنا وأخواتنا اللواتي قاسين العذاب في هذا السجن نادَينه بـ"حجاج". هذه التسمية بحد ذاتها تلقي الضوء على ثقافة القمع التي ارتبط بها"الحجاج بن يوسف الثقفي"  الذي كان والياً مستبدّاً في الدولة الأموية، وخطابه السياسي  الذي  جعل منه رمزاً للعنف السياسي في تاريخ الشرق  الأوسط والعراق. أما أسمه الثاني "حردان" فهو مأخوذ عن  اسم جنرال بعثي بارز إسمه "حردان التكريتي "  اشتهر بقوله عن انقلاب 1968" "وصلنا على قطار أمريكي"، قبل أن يتذوق بنفسه قسوة هذا القطار.و عجاج التكريتي هو الامتداد الطبيعي لهذه السلالة من الطغاة.
2- لوحات من مسرحٍ يمزق القلوب
نقرة السلمان كانت رمزاً للاضطهاد السياسي في العراق منذ العهد الملكي، لكنها كانت في ذلك الزمن أيضاً مدرسة للوعي والمعرفة للعديد من القادة والمتنورين الكبار ، حتى أن الشاعر قانع وصفها بأنها "زاوية السجن التي صارت مدرسة لي".
حينها، لمع نجوم  العشرات من رواد الأدب والسياسة والفكر اليساري في صحراء السماوة، وكان سجن نقرة السلمان بمثابة مختبر للثوار والمفكرين. شاعر الجنوب اليساري  ناظم السماوي كتب هناك قصيدته الشهيرة "يا حريمة" معبراًعن تعاطفه لفتاة تزور شقيقها السجين، وقال عنها: "يا حريمة، سرقت الكلمات من   الأفواه ".  مقتديا بكلمات  وأحاسيس الشاعرأحمد شاملو حين قال : "يأتون ليشمو رائحة فاهك ، رعبا من أن تكوني قد قلت أحبك ذات مرة"، كان العهد الملكي في نقرة السلمان عهداً ذهبياً حيث كانت النساء تزرن أحبائهن ويتبادلون النظرات مع بعضهم البعض.
لكن العراق العسكري، عراق البعث، قلب هذا المشهد رأساً على عقب. صار السجن ذاته مسرحاً للرعب، إذ عُذّب فيه مئات، بل آلاف الكرد، لمجرد انتمائهم القومي. لم تعد هناك "حريمة" تبادل النظرات، بل "غزيم" و"خونچه" و"حلاو"؛ أسماء نساء كرديات تعرضن للاغتصاب والانتهاك على يد عجاج وأمثاله كما يسرده  بنفسه و على لسانه الآن .
إن قصة نقرة السلمان وتحوله  من مدرسة فكرية إلى معسكر إهانة، تختصر مأساة العراق. قوات الحرس القومي والجمهوري والجيش البعثي لم تترك إنسانية هناك. مرحلة عجاج كانت نسخة أشد قسوة من مرحلة الحجاج نفسه، إذ لم تُقاوَم بشجاعة كافية، ولم يُترك فيها أي متنفس للعدالة أو الحرية. عجاج هذا قبل أن يُحاكم محاكمة قاسية على جرائمه، و جرأته في إذلال النساء الكرديات، فقاموسه لا يعرف الحياء ولا ثقافة الاعتذار، قبل كل هذا يجب أن تتبرأ منه زوجته وأولاده عقابا على ما فعل بالكرديات البريئات وأطفالهن.

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket