الوفد الكردي بين الشرعية والفيتو

الآراء 02:06 PM - 2025-09-15
علي شمدين

علي شمدين

إن من أبرز ما كان يميز شخصية رئيس الجمهورية المؤقت (أحمد الشرع)، هو تعامله الديبلوماسي المرن مع التناقضات التي كانت تواجهه، وإلتزامه جانب الصمت فيما يتعلق بالقضايا المصيرية الحساسة التي لازالت تعانيها البلاد، وإطلاقه المواقف الضبابية حولها خلال لقاءاته الرسمية وحواراته الإعلامية، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا، حيث كان وبعكس منظومته الجهادية يتجنب إطلاق التصريحات العنصرية المباشرة بحق المكون الكردي في سوريا، لا بل سارع، وبضغط دولي، إلى اللقاء مع قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي في دمشق، وتتوج اللقاء بينهما بتوقيع اتفاقية رسمية في العاشر من مارس/ آذار المنصرم، وانفتحت كذلك إدارته المؤقتة فيما بعد على الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وبدأت باستقبال وفودها للتحاور معاً حول آليات تنفيذ تلك الاتفاقية، الأمر الذي حافظ مع هذه الإدارة المؤقتة على خيط رفيع من الأمل والتفاؤل بإمكانية الوصول معاً إلى حلّ عادل للقضية الكردية التي ظلت الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة تتنكر لها وتسعى إلى حلّها بالحديد والنار.
إلّا أن الرئيس المؤقت أخفق في الحفاظ على ذلك الخيط، ولم يتمكن من الإستمرار في تعامله هذا حتى الأخير كرئيس مدني يفترض له أن يمثل كل السوريين من دون تمييز، وفشل في ضبط نوازعه العقائدية التي تكفر كل لون غير اللون الفكري الخاص بمنظمته السلفية، وتخون كل من يطالب بحقوقه القومية أو الدينية من خارج دائرتها الفقهية الضيقة، فعاد الرئيس المؤقت، وكما كان متوقعاً، إلى عقليته الجهادية التي حاول ضبطها إلى حدّ ما بعد تسلمه السلطة في البلاد، لا بل ألبسها ثوباً إضافياً ورثه من منظومة البعث العروبية، وصار يعيد أسطوانة سلفه المشروخة نفسها التي تتنكر لأبسط الحقوق الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، والتي لا تتجاوز حدود اللامركزية.
الحقيقة أننا لم نأت بهذا الكلام من فراغ، وإنما استخلصناه على عجل من الحوار الذي أجرته قناة الإخبارية السورية مع الرئيس السوري المؤقت (أحمد الشرع)، في الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، ويمكننا تكثيف رؤيته السلبية الواردة في حواره هذا حول الملف الكردي في سوريا، في النقاط الرئيسية التالية:
- أولاً: يجزم الشرع بأن ما يطالب به الكرد إنما يصب في سياق الشروع بتقسيم البلاد وتفتيتها، ويتهم قوات سوريا الديمقراطية ومن دون دليل أوإثبات بأنها هي التي تهدد وحدة البلاد، مؤكداً بأن سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة، ويقول مهدداً: (لقد سقط النظام في معركة، وأعتقد أن توحيد سوريا أيضاً يحتاج إلى إجراءات كثيرة إلى أن نصل إلى ذلك..). 
- ثانياً: ويقول محرضاً بأن محاولات كهذه سوف تلحق الأذى بكل من (تركيا والعراق)، وبأنها أيضاً سوف تدفع كلاً من (إيرلندا الشمالية، وكتلونيا وبعض الولايات الأمريكية كتكساس وكاليفورنيا..)، للتفكر هي الأخرى بالتقسيم، ويتوعد بأن مثل هذه المحاولات مصيرها الفشل، آخذاً من التجربة الفيدرالية في كردستان مثالاً لذلك، قائلاً: (حتى كردستان ورغم علاقاتها والدعم الدولي لها أيضاً عندما فكرت في التقسيم فشلت في ذلك)..
- ثالثاً: يحاول التشويش على الوجود الكردي في سوريا، ويسعى إلى تقزيم وجوده القومي كثاني أكبر مكون في البلاد تتجاوز نسبته السكانية الـ(١٥٪)، ويشكل الغالبية الساحقة في مناطقه التاريخية (الجزيرة، كوباني وعفرين)، هذا فضلاً عن نسبة أخرى من الكرد لا يستهان بها تتوزع بين مختلف المحافظات السورية (حلب، حماة، دمشق، الرقة واللاذقية.. إلخ). 
- رابعاً: يتهم قوات سوريا الديمقراطية بتعطيل المفاوضات الجارية بينهما من أجل تنفيذ الاتفاق، ويحدد السقف الزمني لتنفيذها مدة أقصاها حتى نهاية هذا العام، مهدداً بأنه هناك إجراءات كثيرة بما فيها العسكرية للوصول إلى ذلك، ويضيف بأن هناك: (عتب على الدولة من جانب أهالي تلك المناطق، وهم من القبائل العربية المرتبطة بدمشق، يلومونها لأنها لم تحل الموضوع بشكل آني وسريع..).
- خامساً: يحمل الكرد المنية، ويقول بأنه فعل كل ما يمنع الوصول إلى: (وقوع معركة أو حرب لعلاج هذه المشكلة)، ويريد أن يظهر بأنه وافق من جهته على مطالب الكرد التي يحددها في: (دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش العربي السوري)، ومنح: (بعض الخصوصيات للمناطق الكردية)، وإمكانية إعطاء: (بعض المناصب لبعض الشخصيات في مناطق شمال شرق)..إلخ.
- سادساً: يضع مسؤولية رفض هذه الحقوق على عاتق قوات سوريا الديمقراطية، التي يرى بأنها: (لا تمثل كل المكون الكردي حتى نقول هذا هو صوت المنطقة).
من الواضح بأن الرئيس السوري المؤقت (أحمد الشرع)، يظهر في هذا اللقاء مرتبكاً بشكل واضح في عرض موقفه من وجود الشعب الكردي في سوريا، متحاملاً من دون مبرر منطقي على قضيته القومية التي يفترض له أن يتعامل معها كقضية وطنية لا أن يعتبرها مشروعاً انفصالياً يهدد البلاد بالتقسيم والتفتيت، ضعيفاً إلى حد غير معقول في مقارناته لهذه القضية بقضايا مثل كتالونيا وإيرلندا الشمالية وغيرها، متهرباً من الاستحقاقات اللازمة لحلها والتلويح بدلاً من ذلك بخوض المعارك والحروب لمعالجتها، متجاهلاً بأنه لا يمكن تقزيم حل القضية الكردية فقط في منح بعض المناصب وبعض الخصوصيات التي سبقه إليها سلفه البائد من دون جدوى، كل هذا في طرف، وفي الطرف الآخر يأتي تشكيكه بمدى شرعية قوات سوريا الديمقراطية في تمثيل المكون الكردي في سوريا، والمفارقة هنا هي: إذا كانت (قسد)، لا تمثل كل المكون الكردي في سوريا، وهو كذلك بالفعل، فإن نذكره بوجود وفد يمثل الشرعية الكردية انبثق من المؤتمر القومي الشامل الذي انعقد بمدينة القامشلي في ٢٦ نيسان/ إبريل الماضي، بحضور ممثلي جميع الأحزاب والتنظيمات الكردية وممثلي كافة الفعاليات الثقافية والاجتماعية الكردية وبحضور ممثلي القوى الكردستانية الرئيسية وأمريكا، وقد أجمع المؤتمرون فيه على وثيقة سياسية تطالب ببناء الدولة السورية الجديدة على أسس ديمقراطية تعددية لامركزية، ويقرّ دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار وحدة البلاد.
والسؤال الذي يطرح نفسه على الرئيس المؤقت (أحمد الشرع)، في هذا المجال، هو: إذا كان يهمه بالفعل أن يكون هناك من يمثل المكون الكردي بشكل حقيقي، فلماذا إذاً يتجاهل الوفد الكردي المخول من جانب المكون الكردي للحوار معه، ويضع عليه هذا الفيتو الصارم، في وقت هو نفسه لا يمانع اللقاء مع الأطراف المكونة لهذا الوفد بشكل منفرد؟!
السليمانية
 15 أيلول/ سبتمبر 2025

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket