هل من عاقل يفسر الدمج بالاستسلام؟!

الآراء 10:14 AM - 2025-09-08
علي شمدين

علي شمدين

لم يعد يلزم أن نقدم المزيد من الأدلة والبراهين لإثبات فشل هذه الإدارة المؤقتة التي تحكم دمشق برئاسة السيد (أحمد الشرع)، في السير بالعملية السياسية في اتجاهها الصحيح، ووصولها إلى الطريق المسدود نتيجة الخطوات الخاطئة التي أقدمت عليها حكومته المؤقتة التي انبثقت من أحشاء الإدارة المحلية التي كانت قد أقامتها هيئة تحرير الشام في أدلب فيما سبق، واحتكارها جميع السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، في يد الرئيس الذي تم تعيينه من قبل مجلس عسكري خارج الأطر الشرعية بذريعة واهية استندت إلى شعار (من يحرر يقرر).
أجل لم يعد يلزم تقديم المزيد من الحقائق التي تؤكد هذا الفشل الذريع لأن الواقع الراهن الذي تعيشه البلاد في ظل هذه الإدارة المؤقتة يؤكد ما نقوله ميدانياً وبالدليل القاطع. فرغم الفرص الذهبية التي توفرت لهذه الإدارة بعد سقوط النظام البائد وتسلمها السلطة في البلاد على طبق من ذهب، إلّا أنها لم تتعظ مع الأسف من تجربة سلفها الذي كان قد احتكر قيادة الدولة والمجتمع في يده المضرجة بدماء الشعب السوري بمختلف انتماءاته، لا بل أعادت هي الأخرى تلك التجربة السوداء بسبق تصميم وإصرار، عبر فرض لونها الجهادي السلفي وتفردها بإدارة البلاد واحتكارها لجميع السلطات وإقصائها لمختلف المكونات وارتكاب المجازر المرعبة بحقها، وبذلك فشلت في استثمار تلك الظروف التي تهيأت لها من أجل بناء الدولة السورية الجديدة على أسس ديمقراطية تعددية لا مركزية تضمن في دستورها الجديد حقوق جميع مكوناتها القومية والدينية، وفي مقدمتها المكون الكردي الذي عانى خلال العهود الديكتاتورية المتتالية، وخاصة عهد البعث الأسود، أقسى أشكال الظلم والقهر والاستبداد، وطبقت بحقة أبشع السياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية التي استهدفت وجوده وسعت إلى اقتلاعه من مناطقه وتغيير ديموغرافيتها.
لا شك بأن الفرصة لازالت مفتوحة أمام الرئيس المؤقت (أحمد الشرع)، لكي يفلت من بين فكي كماشة الضغوطات الداخلية وخاصة الطوق الخانق المحيط به من جانب الجهاديين والسلفيين الذين التحقوا به من مختلف بقاع العالم ورافقوه إلى دمشق وباتوا يمسكون بمفاصل إدارته الهشة، والضغوطات الخارجية التي تستغل ضعفه وتبتزه بفجاجة وتشل إرادته وخاصة الدولة التركية التي باتت تهيمن بإحكام شديد على قرارته السياسية والأمنية وتحديداً فيما يتعلق بالملف الكردي، ولعل التزام الشرع بالاتفاقية التي وقعها بنفسه في العاشر من مارس/ آذار المنصرم مع قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال (مظلوم عبدي)، وإسراعه في تنفيذها سوف يشكل البوابة الأهم للنجاة من الكارثة التي باتت تنتظر البلاد في ظل إدارته المركزية وقراراته الأحادية التي أقصت بالحديد والنار جميع المكونات الوطنية الأصيلة من الكرد و الدروز والعلويين والمسيحيين وشرائح واسعة من السنة..  إلخ.
ولا بد من التأكيد بأننا عندما ندعوه إلى الالتزام بهذه الإتفاقية التي وصفت في حينها بالتاريخية، فإننا لا نريد أن نميز الكرد عن المكونات الأخرى، وإنما لأنهم يمتلكون الكثير من أوراق القوة (العسكرية، والأمنية، والإدارية، والموارد المالية والبشرية..)، التي يمكن للشرع الاعتماد عليها في درء الكارثة المنتظرة هذا إن أخلص النية في التعاون مع الكرد كشركاء حقيقين في بناء سوريا الجديدة، وانفتح بجرأة على حقوقهم البعيدة كل البعد عن تهمة الإنفصال عن البلاد وتقسيمها وتفتيتها، وأحسن التعامل مع قضيتهم القومية العادلة التي هي في الأساس قضية وطنية بامتياز، ونبذ عقلية التكفير والتخوين التي لا تزال تتحكم بسلوك منظومته الجهادية المتطرفة في مواجهة كل من لا يلتزم بفكرهم السلفي الضيق، والمبادرة إلى رفع الفيتو عن الوفد الكردي الذي يمثل الإجماع الكردي ويحمل رؤيته السياسية المشتركة حول بناء سوريا الجديدة وتثبيت حقوقه دستوريا، والكف عن دفع الحوارات الجارية مع وفد الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرق سوريا، نحو الدوائر المغلقة وتحويلها إلى نقاشات عقيمة حول أسبقية البيضة أم الدجاجة، وذلك من خلال تفسيرات الإدارة المؤقتة المغلوطة لمضمونها الذي ينص صراحة على دمج الإدارتين وفقاً لآليات تشاركية يتم التفاهم حولها بما يحافظ على المكتسبات العسكرية والإدارية التي تحققت في تلك المناطق بدماء عشرات الآلاف من الشهداء الكرد والعرب والآشوريين والسريان، لا اعتبارها وثيقة استسلام ليس إلّا.
فهل من عاقل يفسر الدمج بالاستسلام؟!

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket