المثقف بين السياسة والعاطفة… مثقف اقليم كوردستان نموذجاً

فرست عبدالرحمن مصطفى

في إقليم كوردستان، حيث ثقل التاريخ وحيوية الحاضر يلتقيان، يصر بعض المثقفين على ممارسة السياسة كما لو كانت مسرحاً للعاطفة، يتفاعلون مع كل موقف سياسي كما لو كان شأنهم الشخصي وحده. كل تصريح، كل قرار، كل حدث، يُقرأ من خلال قلبهم قبل أن يُقاس بالعقل، فتتحرك أقلامهم بردود أفعال عاطفية، بدلاً من التحليل المنطقي.
المثقف، الذي من المفترض أن يكون وعي الشعب وضميره، يصبح أحياناً أسير مشاعره، يغضب حين يرى تجاوزاً على حقوق الناس، ويبالغ في المديح عند خطوة نحو العدالة، وكأن السياسة لعبة مشاعر وليس إدارة حقيقية للمصالح العامة. وهذا الخلط بين العاطفة والتحليل يضعف دوره كقوة فاعلة في المجتمع، ويحول النقد إلى شعارات مؤقتة لا تسهم في بناء حلول مستدامة.
الهوية الكردية، رغم أهميتها، لا تمنح الحق لأي مثقف أن يغرق في العاطفة، ويغفل عن مسؤولياته تجاه الواقع المعقد. كل موقف سياسي يحتاج إلى تقييم عقلاني، لا مجرد استجابة وجدانية. حين تغلب المشاعر على التحليل، يصبح النقد شخصياً، والانقسام أحياناً حتمياً، ويتعرض الإقليم لمخاطر القرارات المتسرعة والخيارات غير المدروسة.
هذا السلوك له آثار مباشرة على مستقبل الإقليم. المثقفون الذين يمارسون السياسة بالعاطفة قد يحركون الجماهير، لكنهم في الوقت نفسه قد يغرقونها في الانقسام والتوتر، ويضعفون المؤسسات السياسية. السياسة تحتاج إلى رؤية واضحة، وتخطيط مستقبلي، وقدرة على إدارة الاختلافات، وليس إلى نبضات قلبية تصنع المواقف وتوجهها.
السياسة ليست عاطفة، والمستقبل لا يُبنى بالانفعال. المثقف الحقيقي هو من يوازن بين قلبه وعقله، بين حماسه وانضباطه، ليكون قوة دافعة نحو الاستقرار والتنمية، لا مجرد صدى لمشاعر اللحظة. ردود الأفعال العاطفية، مهما كانت صادقة أو نابعة من انتماء، لا يمكن أن تكون أساساً لاتخاذ القرارات المصيرية، بل يجب أن تكون مجرد محفز للتفكير والتحليل، لا مقياساً للسياسة.
في النهاية، إذا أراد إقليم كوردستان أن يبني مستقبله على أسس راسخة، عليه أن يتجاوز عبء العاطفة و المصالح الضيقة، ويعيد الاعتبار للعقل في السياسة، لأن السياسة الحقيقية ليست شعوراً يُعاش، بل عمل وإدارة ومسؤولية تجاه شعب بأكمله.