مام في الشام

الآراء 07:45 PM - 2023-10-21
مام في الشام

مام في الشام

(٤٠)
(مام جلال رئيساً لمؤتمر المعارضة العراقية في بيروت)
علي شمدين
بعد المغامرة الهمجية التي قام بها صدام حسين بغزوه دولة الكويت في (٢/٨/١٩٩٠)، والتي تنبأ بوقوعها مام جلال باكراً، ومن ثم التدخل العسكري لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحرير الكويت وإخراج الجيش العراقي منها بالقوة، وفي خضم التطورات اللاحقة التي أفرزتها هذه الأحداث الدراماتيكية، لعب مام جلال دوراًّ محورياًّ بين أطراف المعارضة العراقية بمختلف انتماءاتها القومية والدينية، وخاصة تلك التي كانت تأخذ من الشام منطلقاً لنضالها من أجل إسقاط صدام حسين ونظامه الدموي والتي كانت تعمل تحت مظلة لجنة العمل المشترك، وفي هذا المجال يقول مام جلال في (حوار العمر)، ما يلي: (ذات يوم أرسل إليّ عبد الحليم خدام رسالة شفهية يقول فيها: إنّ الرئيس يسلم عليك ويطلب منك أن تبذل جهودك لتوحيد المعارضة العراقية وتجمعهم في مؤتمر، ويقول بأنّ علاقاتك جيدة مع جميع الأطراف وبأنك الوحيد القادر على أداء هذه المهمة..) ، وبالفعل تكللت جهود مام جلال بالنجاح في عقد مؤتمر واسع للمعارضة العراقية برئاسته في مدينة بيروت بتاريخ (١٠/٣/١٩٩١).
لقد تأخرت مراسيم افتتاح المؤتمر لساعات بسبب تأخر مام جلال عن الوصول إلى قاعة المؤتمر في الموعد المحدد، الأمر الذي أثار لدى المؤتمرين التململ والشعور بالقلق من فشل أعمال المؤتمر، حيث لم يكن أحد من الحضور يعلم بأن مام جلال كان حينذاك في زيارة سرّية إلى أنقرة ويجري هناك محادثات تاريخية مع الحكومة التركية برفقة محسن دزيي الذي كان يمثل مسعود البارزاني في تلك المحادثات التي مهدت فيما بعد للقاء مع الرئيس التركي (تورغوت أوزال)، في القصر الجمهوري بتاريخ (١٤/٦/١٩٩١)، والذي وصفه جنكيز جاندار بأنه: (كاسر المحرمات) ، وحول أهمية هذه المحادثات يقول كاميران قرداغي في مقال نُشِرَ في موقع (دراج)، ما يلي: (لقد انتهت تلك المحادثات بنجاح، واعتبرها الطرف الكردي اختراقاً كبيراً، خصوصاً أنها كانت المرة الأولى التي يقيم فيها الكرد علاقات مباشرة مع دولة مجاورة على أعلى مستوى سياسي وليس كما كان معتاداً أي عن طريق الأجهزة الأمنية والاستخبارية لتلك الدول..) . 
وبعد وصول مام جلال من أنقرة إلى بيروت مروراً بالشام، باشر المؤتمر أعماله في اليوم التالي، وتابع جلساته بنجاح رغم بعض التصرفات الشوفينية التي تخللت أعماله هنا وهناك، فيقول مام جلال في (حوار العمر)، ما يلي: (على أيّة حال جمعنا المعارضة، وعقدنا المؤتمر، واعتقد بأنه لولا الدور والجهد الذي بذلناه داخل المؤتمر لما كان من السهل الجمع بين اليمين واليسار داخل قاعة واحدة..) ، كما أن الصحفي الكردي كاميران قرداغي الذي حضر هذا المؤتمر مراسلاً لجريدة (الحياة)، يذكر في مقال له حادثة مثيرة تعكس العقلية الشوفينية لدى بعض الأطراف المعارضة، وخاصة الإسلامية منها تجاه الكرد، فيقول بأنه كان من بين الحضور رجل معمم اسمه (جلال الدين الصغير)، وكان قد أعلن عن نفسه ناطقاً باسم الجماعات الإسلامية المشاركة في المؤتمر، وكان خلال استراحات المؤتمر يقف في نهاية القاعة ويبدأ بإلقاء بياناته عن العمليات التي يدعي بأن (القوات الإسلامية) تنفذها ضد القوات العراقية في جنوب العراق وفي كردستان، الأمر الذي كان يثير غضب المشاركين الكرد الذين كانوا يبادرون إلى تنبيهه بأن انتفاضة كردستان لا تقودها أيّة قوات إسلامية وإنما تقودها قوات البيشمركة، ولكن من دون جدوى، وظل الصغير مستمراً في تجاهله عن استخدام تسمية البيشمركة، فيقول كاميران قرداغي: (أخيرا وبينما كان الصغير يقرأ بيانا جديدا عن عمليات القوات الإسلامية في كردستان، لم يتحمل الشاعر الراحل شيركو بيكس سماعه وفقد صبره فهجم عليه وامسك بياقته وهزه وهو يصرخ في وجهه: في كردستان لا وجود لقوات إسلامية، وإنما هناك بيشمركه فقط، وكف الصغير بعد ذلك عن ذكر تسمية القوات الإسلامية في كردستان، وصار يستخدم تسمية بيشمركة فقط..) . 
وكان قد حضر هذا المؤتمر أيضاً من الاتحاد الوطني الكردستاني، كل من (أحمد بامرني، عمر دبابة، دارو شيخ نوري، شازاد صائب، لطيف رشيد، محمد صابر، محمد توفيق رحيم وصلاح رشيد..)، وفور انتهاء المؤتمر عاد الجميع إلى الشام مع مام جلال الذي بدأ يجهز نفسه للعودة إلى كردستان العراق للالتحاق بالانتفاضة الكردية، وحول ذلك يقول أحمد بامرني في كتابه (باقة من الذكريات مع مام جلال): (لقد طالب الجميع بالعودة مع مام جلال، إلاّ أنه قال لهم: فليأت أحمد لوحده معي..) . 
وبينما كان المطر يهطل بغزارة، غادر مام جلال الشام بالسيارة في صبيحة يوم النورز المصادف في (٢١/٣/١٩٩١)، باتجاه مدينة القامشلي برفقة الدكتور أحمد بامرني، وبعد وصولهم القامشلي نزلوا في فندق (مدينة الشباب)، بينما ظل المطر مستمراً في هطوله على مدى ثلاثة أيام بلياليها، حيث يقول أحمد بامرني: (كان أهل القامشلي يزورون مام جلال أفواجاً، وهم يقولون له: إن هذا المطر هي من بركات جنابك، الشكر لله ومن ثم لك..) .

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket