مام في الشام

الآراء 11:43 AM - 2023-10-15
 علي شمدين

علي شمدين

(٣٩)

(لقد قضي الأمر..)

وصل مام جلال إلى الشام بتاريخ (١٩/٧/١٩٩٠)، قادماً من باريس، وفكرة إقدام صدام حسين على غزو الكويت لم تفارق مخيلته لحظة واحدة، هذه الفكرة التي تنبأ بها مام جلال بحدسه الدقيق وبعد نظره الثاقب في قراءة الأحداث المتلاحقة والمفاجآت المثيرة التي خلفتها نتائج الحرب العراقية الإيرانية، وتفرغ النظام العراقي للإنتقام من كردستان العراق عبر قصفها بالغازات الكيمياوية وتنفيذ حملات الأنفال وتدمير القرى والبلدات الكردية وإزالتها عن وجه الأرض، وغيرها من الأحداث الكارثية التي شهدتها المنطقة عموماً وكردستان العراق بشكل خاص.
لقد استخلص مام جلال هذه الفكرة من بين سطور الكلمة التي ألقاها صدام حسين في (١٧/٧/١٩٩٠)، بمناسبة ذكرى استلام حزب البعث للحكم في العراق، والذي  تهجم فيها على دول الخليج العربي بشدة من دون أن يسمي أية واحدة منها بالاسم، حيث قال فيها صدام حسين جملة أثارت انتباه مام جلال الذي ظل هو الآخر يكررها لأكثر من مرّة، ويقول فيها صدام حسين: (من الأفضل أن يقطعوا رؤوسنا، ولا أن نموت جوعاً..) ، فيقول الدكتور أحمد بامرني الذي كان مام جلال في ضيافته حينذاك في باريس، بأن مام جلال ما أن سمع هذه الجملة من المذياع حتى صاح فرحاً: (لقد قضي الأمر يا أحمد، لقد بدأت المشكلة بين العراق ودول الخليج!) . 
لقد كان مام جلال قد التقى في (١٨/٧/١٩٩٠)، بمسؤولين فرنسيين (مسؤول من وزارة الخارجية الفرنسية، وآخر من وزارة الدفاع)، أيّ قبل مغادرته باريس إلى الشام بيومين، حيث كان مام جلال يلتقي عادة خلال زياراته إلى باريس، بالمسؤولين الفرنسيين للتباحث معهم حول مختلف القضايا التي تهم الجانبين، ويقول الدكتور بامرني الذي كان يرافق مام جلال في هذا الاجتماع، في كتابه المذكور، بأن النقاش بينهم كان يدور كالعادة حول الكرد وانتعاش الحركة الإسلامية في الشرق الأوسط، وبأنهم ناقشوا في نهاية لقائهم التصريح الأخير الذي كان صدام حسين قد أدلى به خلال مؤتمر القمة العربية التي انعقدت في بغداد في نيسان عام (١٩٩٠)، والذي قال في تصريحه بأنه: (سوف لن يتردد في حرق نصف إسرائيل، إن هي هاجمت أيّة دولة عربية) ، ويتابع بامرني قوله بأن الفرنسيين كانوا خلال هذا اللقاء يؤكدون لمام جلال بأن المعلومات التي يمتلكونها كلها تدل على أن الجيش العراقي في حالة تأهب لمواجهة إسرائيل، إلاّ أنه وبحسبما يذكره أحمد بامرني في كتابه، فإن مام جلال كان له رأي آخر حول ذلك، فيقول لهم: (أعتقد بأن العراق يحشد قواته ضد الكويت..) ، ويتابع أحمد بامرني قوله بأن المسؤولين الفرنسيين لم يكونا ينتظران مثل هذه التوقعات من مام جلال، فيردان عليه: (يا سيد طالباني، لا تفسر سؤالنا بسوء نية، ترى هل سمعت هذا الذي قلته لنا للتو من مصدر ما؟ فييجيبهما مام جلال قائلاً: لا أبداً، وإنما هو فقط تحليلي الشخصي للمعلومات التي أمتلكها، وسوف تريان الحقيقة قريباً..) .
ولم يستغرق الوقت طويلاً، حتى تحققت نبوءة مام جلال، فقد قام صدام حسين في الصباح الباكر من يوم السبت المصادف (٢/٨/١٩٩٠)، بالإعلان عن غزو الكويت من خلال إذاعة بغداد التي قالت: (بناء على دعوة القوات الثورية الكويتية، دخل جيشنا البطل إلى داخل مدينة الكويت، لتقديم المساعدة لأخوتنا الكويتيين، وتحريرهم من الحكم القبلي لعائلة آل الصباح..) ، فيسارع مسؤول الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الذي كان قد التقى مام جلال في باريس قبل ذلك بأقل من أسبوعين، إلى الإتصال مع أحمد بامرني، ليسأله إن كان قد سمع الأخبار، وعلم بأحتلال صدام حسين للكويت، وطلب منه بإلحاح: (نرغب في لقاء الطالباني ثانية..) ، فيرد عليه الدكتور أحمد بامرني قائلاً: (المعذرة! أنه الآن في دمشق..) ، فيتابع المسؤول الفرنسي حديثه: ( أخبره إذاً بأننا نود التحدث معه في أي مكان كان من أوروبا، وحتى أننا مستعدون للذهاب إليه في الشام للقائه..) .
لا شك بأنه وبقدر ما خلفته عملية احتلال الكويت من صدمة قوية لدى الرأي العام العالمي، فأنها في الوقت نفسه أثبتت صحة توقعات مام جلال، وجذبت الأضواء نحو شخصيته الكاريزمية، وأظهرت حنكته السياسية، وبعد نظره في استشفاف المستقبل وقراءة المتغيرات التي تمر بها العراق والمنطقة بدقة، وبالرغم من كل ذلك فإن مام جلال لم ينجرّ نحو الغرور والأنانية الشخصية، وإنما ظل يتصرف بما يؤهله للمسؤولية التاريخية التي تنتظره في كيفية إدارة الأزمات التي سوف تفرزها هذه المغامرة الطائشة التي قام بها صدام حسين، والتي حسمت المواقف الدولية والإقليمية المترددة لصالح ضرورة إسقاطه والقضاء على نظامه الدموي الذي بات يهدد الجميع، الأمر الذي دفع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في ليلة (١٧/١/١٩٩١)، إلى الهجوم الجوي المكثف على الأهداف العسكرية والاستراتيجية العراقية، والتي ألحقت في (٢٢/٢/١٩٩١)، بهجمات برية أيضاً على الجيش العراقي.
ولهذا فقد سعى مام جلال جاهداً من أجل عقد مؤتمر بيروت للمعارضة العراقية في (٧/٣/١٩٩١)، وذلك بالتعاون مع مختلف القيادات العراقية الأخرى التي كانت تعمل معاً تحت مظلة (لجنة العمل المشترك)، والتي تأسست عام (١٩٩٠)، وكانت حينذاك تضم في إطارها الجبهة الكردستانية، وحزب الدعوة الإسلامية، والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وحزب البعث العربي الاشتراكي – قيادة قطر العراق الموالي لسوريا، والحزب الشيوعي العراقي، وأضيف إليها أيضاً منظمتين مدعومتين من الرياض وهما حركة الوفاق الوطني بقيادة أياد علاوي ومنظمة المجلس العراقي الحر بزعامة سعد صالح جبر..).

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket