مام في الشام

الآراء 05:12 PM - 2023-10-07
علي شمدين

علي شمدين

(38)
(هدفنا العودة إلى قرانا وبناؤها من جديد..)

 

بعد قبول الاتحاد الوطني الكردستاني بالحوار مع النظام العراقي عام (١٩٨٣)، وبالتالي بدء المفاوضات بين الجانبين، انقطعت العلاقات بين مام جلال والحكومة السورية، وأخليت مكاتب الاتحاد الوطني الكردستاني ومقراته في الشام والقامشلي، وخيّر حينذاك كوادره وأنصاره بين مغادرة سوريا أو القبول بالبقاء كلاجئين، ولكن لم تدم هذه القطيعة طويلاً، إذ بعد فشل تلك المفاوضات، بسبب الضغوطات التركية على النظام العراقي من جهة وتقدم قواته في جبهات القتال مع القوات الإيرانية من جهة أخرى، وصل إلى الشام وفد من الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة نوشيروان مصطفى عام (١٩٨٧)، وبنتيجة هذه الزيارة تم إعادة فتح العلاقات الثنائية مع الشام من جديد..
وقد تطورت هذه العلاقات بين الجانبين وتقدمت بالتوازي مع تصاعد وتيرة قمع نظام صدام حسين ووحشيته ضد الشعب العراقي عموماً وضد الشعب الكردي بشكل خاص والتي بلغت في عام (١٩٨٨)، درجة استخدامه للغازات الكيمياوية المحرمة دولياً في مدينة حلبجة وغيرها من القرى والبلدات الكردية والتي راح ضحيتها أكثر من (٥) ألاف شهيد، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وكذلك تنفيذه لسياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الشعب الكردي والتي سماها بحملات (الأنفال)، والتي راح ضحيتها أكثر من (١٨٣) ألف شهيد من الأطفال والنساء والكهول، وتدميره لأكثر من (٤٠) ألف قرية وإزالتها عن وجه الأرض، فنقل حينذاك عن قيادات الحركة الكردية التي أصابها اليأس من هول هذه الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب الكردي في كردستان العراق، قولها بأن شعارها لم يعد يتجاوز سقف النضال من أجل عودة الشعب الكردي إلى قراه المدمرّة والبدء بتعميرها من جديد!
فكانت الشام آنذاك ملاذاً لعموم القيادات العراقية، وكذلك لقيادات الحركة الكردية أيضاً، التي أخذت منها منطلقاً لتجميع صفوفها، وإعداد قواتها لمواجهة هذا النظام السادي الذي صار يتلذذ بإبادة الشعب الكردي في كردستان العراق، وكما ينقل سرتيب جوهر في كتابه (حوار الشام)، عن ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني عبد الرزاق كويي، فإن الشام قبل عام (١٩٩٠)، كانت تحتضن: (مكتب الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومكتب الحزب الشيوعي العراقي، ومكتب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ومكتب علي سنجاري ، ومكاتب بعض الأحزاب العربية أيضاً مثل مكتب حزب الدعوة ومكتب الآشوريين..وغيرها) ، وقد بدأت قيادات هذه الأحزاب من هناك، وخاصة مام جلال، بالنضال من أجل إدانة النظام الدموي في بغداد، وفضح جرائمه أمام الرأي العام العالمي، والعمل من أجل كسب الدعم والتأييد إلى جانب الشعب الكردي المنكوب ووضع قضيته القومية العادلة تحت الأضواء، وفي هذا المجال لعب الإعلام السوري آنذاك دوراً مميزاً في عرض الأعمال الوحشية التي قام بها نظام صدام حسين ضد الشعب الكردي، وحشد الرأي العام العربي ضد هذا النظام الدموي الذي لم يكن يهدد الشعب العراقي فقط وإنما كان يهدد شعوب المنطقة برمتها، هذا في وقت كانت هناك دول أخرى تقف إلى جانبه وتبرر له جرائمه وتدافع عنه وتعتبره حامي (البوابة الشرقية)، وفي هذا المجال يقول مام جلال في (حوار العمر)، مايلي: (وعلى العموم وقفت عدد من الدول العربیة والتیارات السیاسیة داخل المجتمع العربـي إلى جانب صدام، فدولة مثل الكویت لم تتفوه بكلمة حین قصف النظام مدینة حلبجة بالأسلحة الكیماویة.. بينما كانت سوریا ھي الوحیدة من بین الدول العربیة التي انتقدت سیاسات صدام واعتبرتھا ضد مصالح القومیة العربیة..) .
لا شك بأن مام جلال وانطلاقاً من هذه المستجدات ومدى خطورتها على الشعب الكردي وعلى قضيته القومية، سعى بكل جهده من أجل إنجاز المصالحة بين الأطراف الكردية وتجاوز خلافاتها، وقد نجح في الأخير وبالتعاون مع إدريس البارزاني إلى الإعلان عن تأسيس الجبهة الكردستانية بتاريخ (٧/٥/١٩٨٨)، والتي ضمت حينذاك الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الاشتراكي الكردستاني، وحزب پاسۆک، وحزب الشعب الديمقراطي الكردستاني، وحزب كادحي كوردستان والحزب الشيوعي العراقي- فرع كردستان.. وذلك من أجل التصدي لطغيان نظام صدام حسين الذي تمادى في ممارساته الوحشية بحق الشعب الكردي.
ولا بد من القول بأن تلك المصالحة التي تمت آنذاك بين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني)، انعكست بشكل مباشر على أطراف الحركة الكردية في سوريا أيضاً، والتي كانت قد انقسمت فيما بينها تحت تأثير تلك الخلافات التي كانت تشهدها الساحة الكردية في كردستان العراق، وساهمت في تشجيع أطرافها إلى طي خلافاتها، والتفاهم فيما بينها، وخاصة بين (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/ البارتي)، وقد أثمر هذا التفاهم عن تمكن هذين الحزبين ومن حولهما الأحزاب الكردية السورية الأخرى، من تشكيل قائمة مشتركة والخوض معاً انتخابات مجلس
الشعب السوري لدورة عام (١٩٩٠)، وتكللت تللك القائمة بالنجاح، وتمكنت الحركة الكردية في سوريا بوحدتها ولأول مرّة في تاريخها من إيصال قائمتها المشتركة إلى البرلمان السوري، والتي كانت تضم حينذاك كلاً من (عبد الحميد درويش، كمال أحمد درويش وفؤاد عليكو)..

 

PUKMEDIA

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket