كيف سترد روسيا؟

الاراء 10:42 AM - 2015-11-30
كيف سترد روسيا؟

كيف سترد روسيا؟

يكفي أن إسقاط تركيا للطائرة الروسية يوم الثلاثاء الماضي هو الحادث الأول من نوعه بين دولة أطلسية وروسيا منذ أن تأسس حلف شمال الأطلسي، للقول إن الحادثة خطيرة من أي زاوية نظرنا إليها. فهو الاحتكاك العسكري الأول بين البلدين ولم يحصل على الحدود بين البلدين، بل على حدود دولة ثالثة هي سوريا مع تركيا. بمعزل عما إذا كانت الطائرة الروسية اخترقت المجال الجوي التركي أم لا، فإن القرار بإسقاط الطائرة سياسي بامتياز ويلحظ مسبقا عواقبه وتداعياته. فقد كان بإمكان تركيا وقد فعلت ذلك سابقا أكثر من مرة، ألا تقوم بعملية الإسقاط. لكن مجرد تنفيذ قرار الإسقاط فهذا يطرح أسئلة عن الأسباب وعن التداعيات. جاءت عملية إسقاط الطائرة وسط عدة متغيرات في سوريا وفي المنطقة والعالم.

 1- في العوامل الميدانية فإن الجيش السوري، مدعوما من الطائرات الروسية، حقق في الأسابيع الأخيرة تقدما ملحوظا في منطقة جبل التركمان وتلك المحاذية للواء الإسكندرون في ريف اللاذقية الشمالي. وهذه المنطقة تعتبر منفذا حيويا للمساعدات التركية البشرية وللسلاح للجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري هناك. وخسارة المنطقة وسقوطها بيد الجيش السوري في حال حصل ذلك يعتبر ضربة قاسية جدا لتركيا ونفوذها. وفي محاولة لوقف تقدم الجيش السوري، فإن أنقرة قررت التصعيد وإعادة خلق الأوراق عبر إسقاط الطائرة، ما يتيح تغيير الأولويات على الأقل وفق ما تعتقد أنقرة. من هنا فإن إسقاط الطائرة إذا كان مرتبطا مباشرة بالوضع الميداني هناك فهو قرار تركي صرف، لكنه يحاول أن يضع الجميع أمام أمر واقع.

 2- في العوامل الإقليمية والدولية فقد جاء إسقاط الطائرة مباشرة بعد يوم واحد من اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي في طهران والذي كان بمثابة إعلان غير رسمي لنشوء حلف دولي ركناه روسيا وإيران ومعه قوى دولية وإقليمية أخرى. وجاء هذا اللقاء بعد مجموعة من المتغيرات التي أعطت الدور الروسي دفعا قويا في حضوره وتأثيره، خصوصا التدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية. وفي رد على هذا التطور، فإن إسقاط الطائرة لم يكن قرارا تركيا فرديا، بل غربي، أمريكي تحديدا، بأداة تركية. وهي رسالة إقليمية دولية تتجاوز الوضع الميداني في ريف اللاذقية، لكنها تحقق ضمنا هدف تركيا في البعد المتعلق بالتطورات الميدانية. إسقاط الطائرة رسالة واضحة ببعديها التركي والغربي، بأن روسيا لن تكون قادرة على التفرد أو لن يسمح لها بالتفرد بالتطورات الميدانية وتغليبها لصالحها. لأن الحادثة غير مسبوقة، فإن الرئيس بوتين كانت لها تصريحات حادة جدا ضد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان واعتبر أن الحادثة طعنة في الظهر وأن النتائج ستكون وخيمة. وهو ما جعل الأنظار تتوجه كلها إلى الكيفية التي سترد بها روسيا على إسقاط طائرتها. وهنا هناك أمر يتعلق بالكرامة الوطنية الروسية، حيث لن يستطيع بوتين ألا يرد ولو موضعيا وفي أقرب وقت وبشكل مؤلم. أيضا فإن العلاقات الثنائية ستكون موضع إعادة نظر، لأنه لا يمكن الاستمرار في علاقات طبيعية في ظل اتهامات روسية بأن تركيا تدعم الإرهاب وتطعن في الظهر. أما الردود الروسية الأخرى فمرتبطة بطبيعة التقدير الروسي للحادثة، فإذا كانت مرتبطة بالوضع الميداني، فإن المتوقع تصاعد العمليات العسكرية الروسية والسورية ضد المعارضة المسلحة في ريف اللاذقية وشمال حلب. أما إذا كانت مرتبطة ببعد أمريكي، فإن الروس سيكونون بصدد تحديد الرد من دون استعجال على أن يشمل المنطقة كلها والأوراق التي يمكن أن تلعبها روسيا في أكثر من مكان وعنوان. لن تذهب التطورات إلى حرب بين البلدين، لأنها ستكون حربا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، غير أن ما بعد إسقاط الطائرة ليس كما قبله.

 

محمد نور الدين / عن صحيفة (الشرق) القطرية 

 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket