العودة الروسية الى الشرق الاوسط

الاراء 12:39 PM - 2015-10-06
لؤي محمود الجاف

لؤي محمود الجاف

عانى العالم في القرن الماضي صراعات الحرب الباردة بين القطب السوفيتي الاشتراكي والقطب الامريكي الرأسمالي. بعد سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩ وظهور بوادر انهيار الاتحاد السوفيتي في بدايات ١٩٩١، اصبحت الولايات المتحدة الامريكية القوة العالمية العظمى، وأصبح لديها قول حاسم في الملفات الدولية. عند الرجوع الى الوراء والنظر في السياسة الخارجية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (أي من العام ١٩٩١ و ١٩٩٢ والى الآن)، نرى بأن روسيا كانت الى حد ما في وضع خاص لم يسمح لها أن تلعب دورا في القضايا الدولية الحساسة وخاصة قضايا الشرق الاوسط. فاستولت أمريكا على القرارات الدولية المتعلقة بالشرق الاوسط بشكل شبه كامل بعد حرب تحرير الكويت عام ١٩٩١، وكلنا نتذكر الموقف الفرنسي من شن الحرب على نظام صدام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ الرافض للمشروع الامريكي. كان الرفض الفرنسي في الحقيقة محاولة الوقوف أمام هيمنة أمريكا الشبه الكامل على الشرق الاوسط.
اليوم، وبعد ٢٤ عاما من الغياب الشبه الكامل، عادت روسيا الى الشرق الاوسط بثقة نفس عالية ومشروع سياسي لحلحلة الوضع في سوريا. وفرضت نفسها على قوات التحالف الدولي (بقيادة أمريكا وفرنسا) التي تحارب الجماعات الارهابية في سوريا منذ شهور بدون أن تؤثر ضرباتها الجوية على معنويات داعش القتالية أو أن تطرأ تغييرا على الخارطة العسكرية على أرض الواقع. عادت روسيا بمشروع تبدو أكثر مصداقية وأكثر واقعية وأقرب الى السلام من المشروع الامريكي الفرنسي الداعي الى التريث في القضاء على الجماعات الارهابية ومنها داعش بحجة الخوف من النتائج العكسية لمثل هكذا تصرف.
الروس أعلنوا من خلال مشروعهم أنهم مع عدم سقوط مؤسسات الدولة السورية ومع القضاء المباشر على الجماعات الارهابية. التدخل الروسي عسكريا في سوريا، واستخباراتيا في العراق أحرج قوات التحالف الدولي وخاصة الموقف الامريكي والفرنسي. فمن غير المعقول أن تقوم الطائرات الروسية في ظرف أقل من اسبوع بضرب أهداف ومواقع للارهابيين قد تغير في الايام القادمة موازين القوى على ارض الواقع، بينما لم تطرأ أي تغيير في موازين القوى من جراء ضربات طائرات قوات التحالف بقيادة  امريكا وفرنسا على مواقع الارهابيين. منذ شهور وقوات التحالف تضرب مواقع داعش، وداعش في تمدد مستمر واقتربت من بغداد وكادت أن تحتل أربيل لولا صمود قوات البشمركة ومساعدة الخيرين من الاصدقاء. يمكن تلخيص تحليلنا حول ما يجري من احداث من خلال النقاط التالية:
أولا: قوات التحالف مترددة في القضاء على الجماعات الارهابية في سوريا والعراق
ثانيا: روسيا قررت العودة الى الساحة الشرق أوسطية بقوة وهي مصممة على تنفيذ مشروعها في سوريا والعراق وهي القضاء على بؤر الارهاب
ثالثا: توركيا حضنت ودرّبت العديد من الجماعات الارهابية في سوريا، وتحاول أن تكون لها دور فعّال فيما يجري في سوريا وتهميش كورد سوريا. لكن التحالف الدولي وروسيا أحجمتا دورها وهي حاليا في زاوية التهميش
رابعا: اسرائيل تبدو مرتاحة بالتدخل الروسي، ويبدو أن الروس اتفقوا مسبقا مع اسرائيل حول الملف السوري
خامسا: العراق لعبت بذكاء عندما قبلت باحتضان مركز لتبادل المعلومات في بغداد
سادسا: الدول العربية ليست لها دور كبير في ما يجري، وهم ملتزمون الصمت الى حد بعيد بانتظار الرسائل الامريكية
انّ من السئ أن تتفاوض وتتعامل مع دكتاتور، لكن الاسؤ منه أن تتفاوض وتتعامل مع ارهابي. ما بين الارهابي والدكتاتور، اختار الروس الدكتاتور، ويبدو أنه الاختيار الاقرب الى الواقع للوصول الى السلام في الشرق الاوسط.

لؤي محمود الجاف     

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket