أزمات المياه.. التحدي المقبل

العالم 12:21 PM - 2015-09-03
أزمات المياه.. التحدي المقبل

أزمات المياه.. التحدي المقبل

اندلع خلاف بين سويسرا وفرنسا بعد ما قيل إنه استيلاء على المياه من بحيرة فرنسية، وبينما يبدو أخذ سويسرا للمياه كخطأ بريء وقع أثناء عملية لإرواء ظمأ الأبقار المنكوبة بالجفاف، إلا أن هذا الخلاف الأوروبي ينذر بمشاهد مشابهة قد تهدد بأن تصبح أكثر تواتراً وأكثر عنفاً في مختلف أنحاء العالم، فيما يؤدي التغير المناخي إلى زيادة المنافسة على الأشياء الرطبة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، بلغت درجات الحرارة في جنيف 103 درجة فهرنهايت (39,7 درجة مئوية). وفي فرنسا، في الوقت نفسه فرضت 66 منطقة من بين مقاطعات البلاد الـ96 قيوداً على استخدام المياه، وفرضت ضوابط بسبب الأزمة تتضمن حظراً على استخدام المياه لأغراض الزراعة. ولذا، فعندما استولت المروحيات السويسرية على 14 ألف جالون (53 ألف لتر) من المياه، لم يكن هذا بالأمر الذي يسر السكان المحليين القاطنين بالقرب من إحدى البحيرات «لاك دي روزيز» الواقعة في جبال الألب الفرنسية.
وتعد أزمات المياه أكبر المخاطر التي يواجهها العالم اليوم من حيث التأثير العالمي، بحسب ما جاء في تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2015، لتتفوق بذلك على أزمات الأوبئة وأسلحة الدمار الشامل والصراعات بين الدول. ويقول صندوق النقد الدولي إن الموارد المائية في جميع أنحاء العالم «تتعرض لضغوط شديدة»، وهذا هو العائق المحتمل أمام تحقيق النمو الاقتصادي العالمي:
وفي أسواق الدول الناشئة، تلوح في الأفق مخاطر وقوع صراع خطير حول موارد المياه. فدول مثل الصين والهند وباكستان لديها بنية تحتية غير متطورة، ما يجعل من الصعب زيادة الإمدادات من خلال تحلية مياه البحر أو نقل المياه إلى المكان الذي تشتد الحاجة إليها فيه.
وفي شهر نوفمبر، ذكرت وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» أن 60% من المياه الجوفية بالبلاد مصنفة كمياه «سيئة» أو «سيئة للغاية» وأن 17 بحيرة من بحيرات المياه العذبة الـ31 الرئيسة ملوثة بشكل طفيف أو متوسط. وهناك 300 مدينة من مدن الصين الـ657 الكبرى معرضة لخطر نقص المياه، بما في ذلك منطقة شمال الصين التي تضم بكين وتيانجين.
والجهود التي تبذلها الصين لنقل المياه من الجنوب إلى الشمال القاحل لا تخفف من النقص في المياه، بحسب ما جاء في دراسة لجامعة «إيست أنجيليا».
ولكن إذا قامت الصين بدلًا من ذلك ببناء مزيد من السدود على الأنهار التي تصب في الهند وباكستان، فإن هذا الأمر قد يؤدي إلى نشوب صراع. والحل الأفضل، وفقاً لصندوق النقد الدولي، يتمثل في استخدام أسعار المياه للسيطرة على الطلب، إلى جانب منع السماح للإعانات العامة بالتأثير سلباً على السوق:
«لا ينبغي أن تكون المياه سلعة مجانية؛ فقوانين العرض والطلب تقول إن خفض الأسعار يؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك وقلة المعروض. وقد وجد أن استخدام المياه يرتبط سلباً بتكلفة المياه، ما يشير إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الأسعار في ترشيد استهلاك المياه. وفي بلدان عديدة، تحدد المرافق العامة أسعار المياه دون مستوى استرداد التكلفة، ما يخلق حوافز للاستخدام المفرط ونقص الاستثمارات».
ويؤيد هذا النهج «بيتر برابيك- ليتماذ»، رئيس شركة «نستلة إس إيه» الذي يدق ناقوس الخطر بشأن أزمة المياه العالمية الوشيكة. ومنذ عام 2005، كانت «نستلة»، وهي أكبر شركة للأغذية في العالم، تحاول خفض استهلاك المياه، وتستهدف الوصول بنسبة الخفض إلى 40% هذا العام. ويقول «برابيك- ليتماذ» إنه إذا لم تحد الدول من استهلاك المياه العذبة، فقد ينخفض الإنتاج الدولي من الحبوب إلى أقل من احتياجات العالم بنسبة 30%. وفرض أسعار باهظة على أكبر مستخدمي المياه نظير استهلاكهم هو الوسيلة لمنع ذلك. وأضاف رئيس «نستلة»: «كلما زاد استخدامك دفعت أكثر. وبالنسبة لندرة الموارد، فإن وفورات الحجم هي أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه. وكلما قل استهلاكك قلت التكلفة. هذا أمر بسيط للغاية».
ويبدو أن هذه الاستراتيجية تنجح في كاليفورنيا المنكوبة بالجفاف، وحيث إن المياه هناك أصبحت أكثر تكلفة، فقد انخفض معدل الاستهلاك. وفي يوم الخميس قبل الماضي، ذكرت مجموعة كاليفورنيا لخدمات المياه، التي تدير مرافق المياه في ولايات كاليفورنيا ونيو ويكسيكو وواشنطن، أن أرباح الربع الثاني من العام قد انخفضت مع انخفاض الاستهلاك في سوقها الرئيس.

دول في الشرق الأوسط مهددة بأزمات مياه خانقة خلال ربع قرن

صنّف باحثون منطقة الشرق الأوسط «أكثر مناطق العالم افتقاراً للأمن المائي». إذ توقع خبراء بعد تصنيفهم 167 دولة لجهة توافر المياه، أن «تواجه 13 دولة في الشرق الأوسط فضلاً عن الأراضي الفلسطينية أزمة خانقة في المياه خلال 25 سنة». وحددت «ثماني دول من بين العشر الأولى عالمياً المرشحة لهذه الأزمات، وهي البحرين والكويت والأراضي الفلسطينية وقطر والإمارات واسرائيل والسعودية وسلطنة عُمان». وعزت هذه الأزمة إلى «ندرة المسطحات المائية واشتداد الطلب على المياه».
وأشار باحثون من «المعهد العالمي للموارد المائية» الذين وضعوا المقياس الأول لمدى شدة المنــافسة على المسطحات المائية مثل البحيرات والأنهـــار، ولنفاد هذا المخزون على مدار كل عقد من عام 2010 وحتى 2040، الى أن منطقة الشرق «كانت أكثر مناطق العالم من حيث الافتقار للأمن المائي». ولاحظوا أن هذه الدول «تسحب المياه الجوفية بغزارة وتقوم بتحلية مياه البحار، وتواجه تحديات استثنائية تتعلق بالمياه في المستقبل المنظور».
وأكدت مديرة البرنامج العالمي للمياه في المعهد بيتسي أوتو، ضرورة أن «تتفهم الحكومات الأخطار المحتملة التي تواجهها في ما يتعلق بالمياه اللازمة لتسيير شؤونها الاقتصادية، بما في ذلك ازدياد الطلب الناجم عن الزيادة السكانية، فضلاً عن الآثار غير المؤكدة لتغير المناخ». وأشارت في حديث إلى «تومسون رويترز»، إلى سنغافورة التي تشكل نموذجاً لدولة تستعين بالأساليب المبتكرة، قائلة: «الأنباء السارة هي أن في إمكان الدول اتخاذ قرارات للحد من هذه الأزمة، وتجنب الأخطار المرتبطة بكيفية إدارة موارد المياه».
ومن بين الأساليب التي قد تشيع في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى، أنظمة إعادة استعمال المياه التي تقوم بمعالجة مياه الصرف الصحي. ورأت أوتو أن «لا جدوى من معالجة المياه إلى مستوى المياه القابلة للشرب وإتاحة استخدامها في المنازل، ثم تهدر في شبكات الصرف الصحي». ولفتت إلى أن بعض دول الشرق الأوسط «يعوّل على تحلية المياه من خلال إزالة ملوحة مياه البحار وتلك الجوفية، وربما يواجه مثل هذه الدول وغيرها التي تشهد أزمات، عجزاً عن توفير الغذاء اللازم لشعوبها».
وقال خبراء المعهد إن السعودية على سبيل المثال تفيد بأن «شعبها سيعتمد في شكل أساس على واردات الحبوب بحلول عام 2016». وفيما تمثل الاضطرابات السياسية مبعث القلق الرئيس اليوم في الشرق الأوسط، و «ربما كان الجفاف ونقص المياه في سورية، سب الاضطرابات الاجتماعية التي أذكت الحرب الأهلية فيها». ونزح نحو 1.5 مليون شخص غالبيتهم من المزراعين والرعاة إلى مناطق عمرانية، فيما عجزوا عن الحصول على فرص عمل وخدمات كافية.
ولم يغفل الخبراء أن تكون المياه «لعبت دوراً مهماً في الصراع الممتد منذ عقود بين الأراضي الفلسطينية واسرائيل». وإذ استبعدت اوتو أن «تصبح المياه سبباً للصراع»، توقعت أن «تكون عنصراً لتسريع وتيرته أو مضاعفة الصراعات».
وشمل التحليل أربع دول يُتوقع أن تواجه أزمة حادة في المياه بين عامي 2010 و2040، هي تشيلي واستونيا وناميبيا وبوتسوانا، ما يضيف أعباء جديدة على نشاطاتها التجارية والزراعية والمجتمعية. وحذرت من أن التصنيف على المستوى القومي «يخفي خلفه تفاوتاً ضخماً بين الدول، إذ صُنّفت الولايات المتحدة 49 في عام 2010 و47 عام 2040، لكن كاليفورنيا تكابد أزمة جفاف خانقة.
وتوقعت اوتو أن «يشهد بعض هذه الدول زيادة في إمدادات المياه مستقبلاً من خلال مياه الأمطار بسبب التغير المناخي. كما يمكن أن يعوّل قطاع الزراعة على مياه الأمطار بدلاً من مياه الري ما ينقذ الطلب المباشر على مياه المسطحات المائية».
وعن الوضع في جنوب القارة الأفريقية ومناطق أخرى في العالم، حيث يُرجّح نضوب المعروض من المياه مع تعاظم الطلب، شددت أوتو على «ضرورة تحرّك صناع السياسة للحؤول دون تفاقم أزمة المياه». وأكدت «الحاجة إلى تفهّم العلاقة بين المعروض المتاح من هذه المياه والطلب عليها، وعلينا اتخاذ خطوات لاستهلاك المياه في شكل أكثر كفاءة».

PUKmedia وكالات

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket