ماذا لو فشل العبادي؟

الاراء 12:53 PM - 2015-08-30
ماذا لو فشل العبادي؟

ماذا لو فشل العبادي؟

واجه العراق منذ احتلاله عام 2003 خمسة تحديات أساسية، ظلت تنخر في كيانه الذي بات مهددا بالانقسام والتشطير والتشظي، وفي مقدمة هذه التحديات المحاصصة الطائفية والإثنية، والفساد المالي والإداري، والإرهاب والعنف، وضعف المواطنة، خصوصا بالعودة إلى كيانات ما قبل الدولة، وأخيرا ضياع إمكانية إعادة بناء الدولة، لاسيما بحل الجيش والمؤسسات الأمنية.
هذه التحديات الخمسة واجهتها جميع الحكومات السابقة، سواء أثناء الاحتلال الأميركي للعراق أو بعد انسحاب القوات الأميركية منه أواخر عام 2011، ويواجهها اليوم رئيس الوزراء حيدر العبادي على نحو صارخ، في ظل موجة احتجاج شعبي وغضب عام وتدهور الأوضاع الأمنية بشكل خاص منذ احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الموصل في العاشر من يونيو/حزيران عام 2014، وتمدده لأراض شاسعة شملت عدة محافظات، حيث أصبح نحو ثلث الأراضي العراقية تحت سيطرته.
وكان انقطاع التيار الكهربائي في ظل موجة الحر اللاهب -حيث وصلت درجة الحرارة هذا الصيف لأكثر من خمسين درجة مئوية- سببا إضافيا في انفجار الأوضاع وارتفاع الأصوات المطالبة بالإصلاح ومحاسبة المفسدين ووضع حد لظاهرة الفساد.
واجتمع حول عنوان الكهرباء جميع الفئات والقوى ومن مختلف التوجهات والشرائح، ويضاف إليه شح الماء الصافي والنقص الحاد في الخدمات البلدية والصحية والتربوية، واستمرار الفاسدين في مواقعهم والتمتع بالامتيازات التي توفرها لهم العملية السياسية القائمة على المحاصصة.
بعد عدة أيام من اندلاع المظاهرات، التي بدأت في البصرة وامتدت إلى بقية المحافظات بما فيها العاصمة بغداد، قرر رئيس الوزراء العبادي إلى اتخاذ عدد من الإجراءات وإقرارها في مجلس الوزراء لعرضها على البرلمان، والتي سميت "حزمة الإصلاحات"، وكانت هذه الخطوات هي التحدي الثاني للعبادي خلال عام واحد، ففي سبتمبر/أيلول عام 2014 كان عليه أن يشكل الحكومة، أو يعلن فشله في ذلك، لاسيما بعد استبعاد نوري المالكي من الحصول على ولاية ثالثة رغم نيله 93 مقعدا.
لم يتمكن أي من المسؤولين من معارضة العبادي صراحة في خطته للإصلاح، وستعد أية توجهات مخالفة لذلك ضد الإصلاح، وهذا سيعني الوقوف ضد الموجة العارمة من الغضب الشعبي التي تطالب بإصلاحات عاجلة، لاسيما بشأن الخدمات (الماء والكهرباء) ومكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين والمقصرين.
لقد صوّت 297 نائبا من مجموع 328 بتأييد خطة الإصلاحات دون أية تحفظات، وأعلن رئيس البرلمان أنه سيتم نشر أسماء النواب الغائبين عن هذه الجلسة التي صوّت فيها جميع الحاضرين على تأييد حزمة الإصلاحات (باستثناء نائب واحد).
"الإصلاح فورا" عبارة طالما رددها العبادي، فماذا تعني؟ وهل يمكن تحقيقها؟ ومن الجهات التي تريد عرقلة الإصلاح والتستر على المفسدين؟ هذه تحديات جديدة تواجه حكومة العبادي وتواجهه شخصيا، ويتوقف على اجتيازه هذا الاختبار الصعب إمكانية مواصلة مسؤولياته، وحسبما يبدو فإنه يدرك الصعوبات والعراقيل التي تقف في وجهه، فقد سبق أن تردد على لسانه أن هناك من يريد اغتياله، وقالها متحديا باللهجة العراقية "خلي يغتالوني".
وتكرر الأمر حتى بعد تصويت البرلمان بالإجماع على ورقتي الإصلاح الحكومية والنيابية، فقد هنأ العبادي جميع العراقيين وتعهد بمواصلة مكافحة الفساد والمفسدين، حتى لو كلفته حياته. "الإصلاح فورا" تعني عدم وجود سقف زمني طويل لتنفيذ خطط الإصلاح، وقد دعا العبادي هيئة النزاهة إلى منع المتهمين بالفساد من مغادرة البلاد، كما طالب بتقديمهم إلى القضاء.
هذه هي الفرصة الثانية والتحدي الأخطر أمام العبادي الذي حصل على شبه تخويل شعبي، لاسيما بعد تصويت البرلمان للضرب بيد من حديد - كما قال - لمحاربة الفساد وملاحقة المفسدين ومساءلة المقصرين.
المظاهرات المستمرة تختلف عن سابقاتها، فليس بالإمكان اعتبارها "مؤامرة" كما كان المالكي يصف حركة الاحتجاج، كما لم يعد بالإمكان إهمال المطالب الملحة والآنية، التي أيدتها مجموعة رجال الدين في النجف، الداعمة للحكومات الشيعية المتعاقبة، لأن الأمر تجاوز حدوده الدنيا، وبات الانفجار العام وشيكا.
المظاهرات الحالية أدانت الطبقة السياسية بمجموعها منذ الاحتلال عام 2003 وحتى الآن، فهل بإمكان العبادي تغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة على المحاصصة واستبدالها بتشكيل حكومة تكنوقراط من كفاءات عراقية؟ أم أن المماطلة والتسويف ووضع العصي أمام عجلة التغيير ستمارسها القوى المتنفذة بحيث يتم إفراغها من محتواها بعد حين؟
ولعل ذلك أخطر ما يواجه العبادي إذا استمرت الحال على ما هي عليه دون تحسن يُذكر، وهو يدرك أن العملية معقدة وأمامها الكثير من الألغام، حيث سيعمل المتضررون بكل ما يستطيعون على تخريب كل خطوة، وحسب العبادي نفسه فإن "المسيرة لن تكون سهلة وستكون مؤلمة"، والفاسدون وأصحاب المصالح والامتيازات سيقاتلون من أجل منع الإصلاح.
وشدد العبادي في حديث بمناسبة يوم الشباب مخاطبا إياهم "لن أدافع عن باطل ولن أدافع عن فاسد، ولكن لن أتقصد أحدا، الفاسد لو كان من حزبي أنا ضده، والصالح لو كان من حزب عدوي أنا معه". وهذا سيعني أن قائمة الأعداء والخصوم" ستكون كبيرة، وأن رؤوسا كثيرة ستكون ضمن قائمة المستهدفين، سواء من حزب الدعوة الحاكم الذي ينتسب إليه العبادي، أو من القوى المشاركة في العملية السياسية.
إذن، هل تعد خطة الإصلاح التي تبناها العبادي مغامرة غير محسوبة؟ وهل يستطيع تحقيقها؟ وماذا لو فشلت؟ وهل سيبقى العراق موحدا؟ إنها أسئلة تتعلق بصميم الحياة اليومية والضرورية والملحة للناس، خاصة بعد أن فاحت رائحة الفساد، وبدأت تتضخم ملفاته التي تشمل كبار مسؤولي الدولة، لدرجة أن العراق منذ 13 عاما يصنف في أعلى هرم الدول الفاسدة حسب منظمة الشفافية العالمية.
العبادي وضع في خطته للإصلاح خمسة محاور كانت الاحتجاجات الشعبية قد طالبت بها، حيث شمل المحور الأول: الإصلاح الإداري، لاسيما إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، والتقليص الشامل والفوري لأعداد الحمايات، وإبعاد المناصب العليا عن المحاصصة وترشيق الوزارات.
أما محور الإصلاح المالي فقد ركز على إصلاح نفقات وإيرادات الدولة، وشمل محور الإصلاح الاقتصادي تشكيل خلية أزمة لتنشيط موضوع الاستثمار والقطاع الخاص. وكان قطاع الخدمات من أهم القطاعات المقررة للإصلاح، لاسيما حل مشاكل الكهرباء. أما المحور الخاص بمكافحة الفساد فهو الأكثر حساسية، ويشمل إطلاق حملة "من أين لك هذا"؟ وتعزيز دور الرقابة والعمل على كشف المُفسدين وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية.
هل بإمكان العبادي البقاء في حزب الدعوة أو في حكومة محاصصة إذا استمر في توجهاته الإصلاحية؟ أم أن حزب الدعوة ونظام المحاصصة هما من سيلفظانه؟ وهذا يعني فشل مبادرة الإصلاح، وبالتالي العودة إلى المربع الأول؟


الدكتور عبدالحسين شعبان

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket