تموز بعد اكثر من نصف قرن

الاراء 08:02 PM - 2015-07-15
تموز بعد اكثر من نصف قرن

تموز بعد اكثر من نصف قرن

مرت الذكرى السابعة والخمسون لـ14 تموز، وفيما تشيد القوى اليسارية عموماً بـ"الثورة" ومنجزاتها والزعيم الركن (الفريق فيما بعد وفق استحقاقه الأصولي) عبد الكريم قاسم وما تحقق، فأن اطرافاً اخرى، ضمنها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري المعارض لنظام الحكم قبل تموز، والعديد من الليبراليين والمؤمنين بالتطور التدريجي، من الفابيين وغيرهم، يعدون اسقاط الجيش للنظام الملكي بداية الكوارث.
والشيء المؤكد الذي لا يمكن انكاره ان مشاريع مجلس الأعمار وسياسة الدولة المالية والنقدية الملكية، بالأخص بعد تدفق العوائد النفطية عام 52، حرصت على توظيف العوائد لتنفيذ مشاريع زراعية وخدمية وتعليمية وصحية فـ"العراق (كان) في انتقال". وقاربت قيمة الدينار 4 دولارات، والانتاج الزراعي يصدر،  حبوب ورز وتمر، بل حتى الرقي إلى الخليج الشقيق. لكن كانت هناك مشكلة سكن خانقة في المدن. وكانت الكثير من مدارس الطين، لكن مستوى التعليم كان عالياً حد ان خريجي البكلوريا العراقية موضع ترحيب اشهر الجامعات الغربية عموماً، والبريطانية خصوصاً، وهي ليست مثل جامعة لومومبا السوفيتية، إنما اقرب إلى جامعة موسكو الرصينة.
لكن نوري باشا كان في تخوفه من الشيوعية واستحواذها على الرأي العام رفض إقامة معمل سيارات مارسيدس عام 56 لأنه يجمع عمال، وقبلها في الأربعينات رفض إقامة فرع للجامعة الأميركية في بغداد للسبب نفسه. وكان الكثير من خريجي الإعدادية عاطلين عن العمل، ومحرومين من فرص اكمال دراستهم الجامعية. وهجرة الريف إلى المدينة معالمها صرائف خلف السدة وبقية المدن.
وجاء قانون الأصلاح الزراعي تعوزه رؤية متكاملة لواقع المواطن الذي لم يكن بهمة الفلاح المصري في زراعة قطعة ارضه، فيما كان الأقطاعيون يديرون سابقاً انتاجاً كبيراً بالقسر والعلاقات الأبوية، حد ان وزير الزراعة السوفيتي حين شهد الأرض المهملة سأل "رفاقه" العراقيين في وزارة الأصلاح الزراعي، من كان يزرعها، وحين قالوا له "الأقطاعيون"، كان رده على وفق ما رواه لي الراحل خالد ناجي، كان الأفضل تعديل صيغ التعامل معهم وإبقاءهم يزرعون هذه الأرض التي بارت.
كانت للمرحوم قاسم طموحات كبيرة مشروعة في بناء العراق، لكن قاعدته من الضباط لم تكن مع طموحاته في العدالة الاجتماعية، ولم يكن اغلبهم يؤمن، وفي مقدمتهم عبد السلام عارف بالديمقراطية أو "شيء من هذا القبيل" بل ولم يكن يؤمن بـ"الوحدة الفورية" التي ركب فرسها ضد قاسم.
كان قاسم وعدد من الضباط  المتفتحين واليساريين امام حشد من ضباط يمنيين وقوى اجتماعية متخلفة، فيما عانت القوى الديمقراطية من "مراهقة" سياسية خرقت شعار "تضامن كفاح تضامن" وحولته إلى "كفاح تضامن كفاح"، بعضها رفع شعارات كارثية مثل افغانستان اللاحقة، وبعضها حمل السلاح، ليساهم في وآد تموز ومجئ شباط الأسود.
لذلك يبرز السؤال الكبير هل كان الأفضل بقاء الحكم الملكي المدني أم استيلاء الجيش على السلطة؟ الإجابة لا يمكن توفرها قبل مراجعة كل مفاهيمنا، بدءاً من إعادة تقييم ما شهده العراق في حزيران 1920 وصولاً إلى استيلاء الجيش على السلطة عام 36 وبعدها تموز 58؟ فهل تتوفر الشجاعة الكافية لتقييم ما سبق لنتخطى معاناة وازمة راهنة تحت لافتات، دون اغفال الصراعات الإقليمية والدولية؟!؟ وكان المرحوم كامل الجادرجي هو الأنضج في مواقفه بعد تجربته الأولى مع بكر صدقي.



حسين فوزي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket