من الكالفينية الى الخلافة

الاراء 02:36 PM - 2015-07-08
من الكالفينية الى الخلافة

من الكالفينية الى الخلافة

 من الكالفينية الى الخلافة ماذا تحدثنا الحروب الدينية الأوربية حول الشرق الأوسط المعاصر؟


يعيد الاسلام السياسي تعريف العالم الاسلامي تقريبا بعد قرن من ظهوره في مصر . يسمى ايضا: الاسلاموية .
ترى هذه العقيدة الفعالة : ان مجتمع المليار مسلم العالمي كان يمكن ان يكون حرا وعظيما فقط لو كان تقيا . أي لو عاش المسلمون في دولة تفرض القانون الاسلامي او الشريعة كما فعلوا في معظم فترات التاريخ الاسلامي .
جوبه الاسلاميون من قبل المسلمين الرافضين لهذا التصور ومن قبل غير المسلمين . هذه المواجهات – العنيفة في اوقات ، والسلمية في اوقات – أذكت الثورات : في مصر عام 1952 ، وفي ايران عام 1979 ، وهجوم القاعدة في 2001 ، وارتفاع شأن الجماعات الاسلامية المتطرفة مثل الدولة الاسلامية في العراق والشام.
لم يكن الدين الاسلامي سبب الخلاف، في الواقع المشكلة خلاف عميق بين المسلمين على الدرجة التي يصوغ فيها الاسلام قوانين ومؤسسات المجتمع. معظم المسلميين : اسلاميين وغير ذلك، ليسوا جهاديين أو ثوريين، لكن التنافس المستمر استقطبهم خالقا عداوات قاومت الحلول الوسط، والنتيجة عقدة من مشاكل الانغلاق الذاتي تزيد كل واحدة منها خطورة المشاكل الاخرى.
لقد كافح صناع القرار والباحثون الغربيون وقتا طويلا لفهم طبيعة هذا الصراع، ولكن حتى الان ذهبت جهودهم سدى. ومع ان  خبراء الفقه واللاهوت والتاريخ الاسلامي انتجوا معرفة غنية عن الاسلاموية، الا انهم مالوا الى التعامل معها كما لو كانت لا نظير لها. ما نسوه هو ان الاسلاموية ليست فقط اسلامي    ولكن ايضا مذهب مميز (   )   (مجموعة من الافكار والنظم....... ) وهي عقيدة وخطة لتنظيم الحياة المشتركة التي يجب تحليلها جنبا الى جنب عقائد أخرى.
لا يوجد قسم من العالم استولد من المذاهب (  ) مثل الغرب نفسه، وهكذا لمساعدة التفكير الواضح حول الشرق الاوسط المعاصر، من المفيد ان ننظر الى الوراء، في الصراع الايدلوجي من من تاريخ الغرب نفسه. في الواقع قسم من العالم الاسلامي اليوم يحمل تشابه غريب لشمال غرب اوربا قبل 450 سنة خلال ما اطلق عليه : الحروب الدينية، اذ توالت موجة من التمرد الديني عبر منطقة واسعة اجتاحت عدة بلدان، وهددت بالانفجار خلال اقطار أخرى. في 1560 واجهت كل من فرنسا، هولندا وسكوتلندا ثورات قادها انصار فرع جديد من البروتستانتية سمي: الكالفينية، وهي ليست الكالفينية المشيخية للقرن الواحد والعشرين، أو حتى التاسع عشر. اوائل الكالفينية الحديثة مثل الكاثوليكية واللوثرية ومذاهب المسيحية الاخرى من ذلك الوقت، كانت ايدلوجية سياسية بقدر ما هي مجموعة من العقائد الدينية، ظهرت في عصر تم فيه بناء نظام اقتصااجتماعي حول اوربا _ جزئيا بواسطة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة _ وعرفت نفسها بالضد من ذلك النظام. الاختيار الايدلوجي التزام سياسي بقدر ما هو التزام ديني، والحروب الدينية هي ايضا حروب سياسية.
حدثت الثورات في منتصف صراع طوله 150 سنة حول أي شكل ( طائفة ) من اشكال المسيحية يجب ان تنحاز الدولة. واليوم تجد تلك القصة لها حلبة مماثلة، ما ان  تنافس العقائديون على السلطة، تم قمع المعارضين بوحشية، واندلعت المذابح الدينية دوريا، وتدخلت القوى الخارجية بالنيابة عن الزمر المتنافسة، في النهاية قاد الاضطراب الى حرب الثلاثين عاما التعيسة التي قتلت على الاقل ربع سكان المانيا ( ثم مركز الامبراطورية الرومانية المقدسة ). وحينما انتهت تلك الازمة تبعتها معركتان ايدلوجيتان : بين الملكيين والدستوريين في القرن الثامن عشر، وبين الليبرالية والشيوعية في القرن العشرين. هذه الفترات الثلاث الطويلة من الصراع الايدلوجي والتي انقسمت فيها الدول الغربية حول الطريقة الامثل لتنظيم المجتمع تقدم دروسا مصيرية للحاضر. على المستوى الاوسع يبين التاريخ الغربي ان ازمة الشرعية الحالية في الشرق الاوسط ليست غير مسبوقة في خطورتها، وليس من المحتمل ان تحل نفسها بأية طريقة مستقيمة. اجتذب الاسلام السياسي اليه قوة جديدة من الصراع الاقليمي - كما فعلت القوى الصاعدة في الماضي -  ساعدت على تغذية الصراع  واستمراريته. علاوة على ان  الصراع المذهبي من النوع الذي اختبره الشرق الاوسط نادرا ما ينتهي بفائز يأخذ كل شيء، فغالبا ما يستشيطون غضبا الى ان يتطور الصراع المذهبي أو يتقارب. وغالبا ما يحدث هذا بعد ان تكون الازمة قد ورطت القوى الخارجية وبعد ان يعاد تعريف النظام الاقليمي. هذه الدروس لا تعطي حلا سحريا نظيفا لتحديات اليوم في الشرق الاوسط، ولكنها تظهر، على الاقل،  بان مشاكل الاقليم ليست فريدة، وان بامكان القدة والدول اتخاذ الخطوات التي من شأنها ان تقلل العنف، وتخلق الظروف الملائمة لازدهار الانسان .

من كالفين في اوربا الى هوبز
في الشرق الأوسط
يقول المثل السائر: “ التاريخ لايكرر نفسه، ولكنه يكرر الايقاع “.
رغم ان صعود الاسلاموية في الشرق الاوسط ظاهرة حديثة بامتياز، الا ان الطريق الذي سلكته،  والازمة التي حفزتها، كررت جوانب من ماضي الغرب. ما بدأ كمنافسة بسيطة بين الأسلاموية والعلمانوية في العالم الاسلامي تطور الى نزاع معقد. لكن لب السؤال هو :  من وماذا تكون السيادة في المجتمع  ،  وما مضمون القانون ؟ ألح الاسلاميون على ان تكون الشريعة المأخوذة من النص المقدس في الأسلام : الوحي المباشر من الله الى النبي محمد والتي يتألف منها القران، وكذلك أقوال الرسول (الحديث). قاوم العلمانيون ذلك: القانون يجب ان يشتق من عقل الانسان ومن خبرته، وبالنسبة للعلمانيين المعتدلين: ليس من الاسلام لوحده.
جاءت العلمانية الى الشرق الاوسط مع الاستعمار الاوربي وتبنتها العديد من النخب الاسلامية بعد الاستقلال على وجه التحديد، بسبب من ان الدول الاوربية القوية تجاوزت الامبراطورية العثمانية واذلتها، عموما كانت تعتبرها : دولة الخلافة أو النظام السياسي الاسلامي السائد. لكن الاسلاموية واجهت العلمانية ودفعتها الى الخلف. ورغم ان الاسلاميين قدموا ايدلوجيتهم        بل على اته الاسلام البسيط، دين النبي الاصلي، لكن نظام اعتقادهم له أصول أكثر حداثة. في ismليس على شكل معتقد الربع الثاني من القرن العشرين، نشأ اوائل الاسلاميين مقتنعين بانه يصعب على المسلم التقي العيش تحت نظام علماني، وبدأوا بتنظيم حركات مقاومة. وفي 1950 اصبح الاسلاميون اكثر جذرية وبدأوا الدعوة للعودة الى دولة تفرض الشريعة. كان للعلمانيين اليد الطولى حتى 1960، لكن اللحظات االمفتاحية في العقود التالية :  هزيمة العلمانيين في مصر 1967 على يد اسرائيل، الثورة الاسلامية في ايران 1979، وحرب الخليج 90 – 1991 التي حولت الزخم لصالح الاسلاموية،  بمعنى واضح : لقد انتصر الاسلام السياسي. ورغم ان المسلمين المعاصرين ليسوا علمانيين على نحو محض، ولا  اسلاميين تماما، الا انهم في المتوسط العام يميلون الى الاسلاميين  في الشرق الاوسط وفي شمال افريقيا : استفتاء مركز بحث بيو عام 2013 اظهر بأن اغلبية كبيرة في مناطق : مصر والعراق والاردن والمغرب وفلسطين تود لو ترى الشريعة هي قانون دولهم، وكشف استفتاء قام به كالوب 2012 بأن نساء خمسة اقطار من الاقليم هي مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن يفضلن مثل الرجال الشريعة، هذا رغم الانقسام الداخلي العميق المستمر داخل مخيم الاسلاميين حول دور الدين في الحياة العامة ودور رجال الدين في الحكومة – حتى الحكام العلمانيين اعتنقوا عناصر اسلاموية.
رغم هذه النجاحات يواجه الاسلام السياسي شكوكا حول قدرته على البقاء. وقد اكد خبراء لبعضهم البعض في الاونة الاخيرة بان تصاعد العنف في الشرق الاوسط بما يتضمن من عمليات انتحارية ارهابية وقطع رؤوس من قبل جماعات الجهاد مثل داعش علامة على يأس هذه الحركات وهي تعبش مرحلتها الاخيرة.
حتى الان، اذا قدم الصراع الايدلوجي من التاريح الاوربي درسا اساسيا الى الشرق الاوسط عن حروبه الدينية  فهو : لا تبحس الاسلاموية قيمتها. توضح الحروب الدينية الاوربية : ان التقدير البخس _ وهو على ما يبدو ايدلوجية مهجورة _ خطير جدا.
في نفاط عديدة من تلك الحروب أملى العقل والتقدم نهاية لتلك العداوات : المنافسة الكاثوليكية البروتستانتية حول فرض  الرسوم على السكان المحليين وعلى الاقتصاد. في 1555، اتفاق فادة الامارات الالمانية على تقرير المصير الديني، وفي 1590 حين انتهت الحروب الدينية الفرنسية وحصلت الجمهورية الهولندية البروتستانتية على اسنقلالها من الكاثوليكية الاسبانية تبدى ان الازمة قد مرت، ويبدوا ان الامراء  والنبلاء ومجالس المدن ورعاياهم قد استقروا على سلام فعلي. لفد سيطرت العقلانية السياسية البراغماتية رافعة الامال باوربا جديدة تهتم الدول فيها بمصالحها المادية وليس الايدلوجية.
لكن العنف العفائدي لم بنته في اوربا، لان ازمة الشرعية التي غذت الصراع ظلت من دون حل، بسبب استمرار معظم الاوربيين بالاعتقاد بان الاستقرار السياسي الدائم  يتطلب توحيد ديني. وطالما استمروا بهذا الاعتقاد فان ادنى شرارة يمكن ان تعيد استقطابهم في جماعات متعارضة جذريا، وهذا ما حدث بالضبط حين ثار البروتستانت في بوهيميا ودفعوا اوربا الى حرب الثلاثين عاما في 1618. ولم تفقد العقائد الدينية فوتها التحريضية الى ان فصل الاوربيون مسائل الايمان عن السياسة.  في فترة قريبة حدث نوع مختلف من الصراع خلال التنافس العالمي بين الليبرالية والشيوعية في القرن العشرين. افنعت متاعب الكساد العظيم في 1930 العديد من من قادة الفكر الاوربي بأن فكرة الديمقراطية الليبرالية قد تجاوزها الزمن، وتبدت الدولة المركزية الاستبدادية أفضل تجهيزا في التعامل مع الاقتصاد الجديد والتحديات الاجتماعية، قادت بعض المفكرين للمساومة على الشيوعية. أبدى القليلون الذين زاروا الاتحاد السوفياتي اعجابهم به على نحو واسع، فتحت حكم جوزيف ستالين تسارع التصنيع ولم يقم العمال بأي اضراب ابدا. رصد وجهة النظر هذه الصحافي الامريكي ستيفن لنكولن الذي كتب : “ ما حدث هو انني كنت في المستقبل “ في النهاية، طبعا، انتعشت الديمقراطية الليبرالية وفازت. لا نريد القول بأنه من المحتم انتصار الاسلام السياسي في الشرق الاوسط، لكن يمكن لاولئك الناس الاذكياء ان  يقللوا من جدوى وجود المنظومات السياسية البديلة، لبعض الوقت مع نتائج مؤلمة. في  الواقع ان سر طول عمر الاسلام السياسي استخفاف الخارج  ، وكذلك ما عرضه التاريخ من ان حياة الايدلوجية يمكن ان يتمدد حين تملك الايدلوجية دولة راعية، كما فعلت الديمقراطية الليبرالية في 1930، وكما تفعل الاسلاموية اليوم.



بقلم : جون . م . اوين
المصدر: مجلة فورن افير
ترجمة : اسماعيل شاكر الرفاعي
عن صحيفة الاتحاد البغدادية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket