الجوانب الديمقراطية والمدنية في مشروع دستور اقليم كردستان

الاراء 11:53 AM - 2015-05-25
الجوانب الديمقراطية والمدنية في مشروع دستور اقليم كردستان

الجوانب الديمقراطية والمدنية في مشروع دستور اقليم كردستان

يمثل مشروع دستور اقليم كردستان وثيقة هامة ويؤمل ان يكتسب صفة رسمية بعد ان يحظى بالقبول في استفتاء عام، وهو بشكل عام يحظى بمنزلة خاصة بين القواعد الحقوقية باعتباره منظما لعلاقات السلطة العامة ومحددا حقوق المواطنين وحرياتهم والعلاقة القائمة بينهم وبين السلطة العامة.
يكتسب مشروع الدستور بعدا قوميا لأنه اول وثيقة دستورية في التاريخ الكردي المعاصر، اذ ان كردستان لم تعرف هذه الوثيقة من قبل، لا في عهد حكومة السليمانية بعد الحرب العالمية الاولى ولا في عهد حكومة مهاباد بعد الحرب العالمية الثانية.
يتضمن مشروع الدستور منظومة من الحقوق والحريات يمكن ان تساهم في دعم التوجه العام للاقليم نحو التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل حكومة ملتزمة بسيادة القانون ومكافحة الفساد.
ينطوي المشروع على حقوق مدنية (Civil rights) تتعلق بالتصويت والترشيح وحريات الاجتماع وتشكيل الجمعيات والتعبير عن الرأي بشكل حر. ويحترم المشروع مجموعة من الحقوق العامة ممثلة في الحق في الحياة ومنع استعمال وسائل التعذيب واحترام الحياة الخاصة وحرية التعبير وضمان الحرية الاكاديمية للبحوث العلمية (المادة 19).
يبدي مشروع الدستور تسامحا كبيرا ازاء الاقليات القومية والدينية. وهو يقر بوضوح وجود تعددية عرقية-لغوية-دينية- ثقافية في الاقليم (المادة 14) ويعترف باللغتين التركمانية والسريانية لغتين رسميتين في الوحدات الادارية التي يشكل الناطقون بها كثافة سكانية. ويبدو مستوى التسامح عاليا من خلال التأكيد على شرط وجود "كثافة سكانية" وليس "اغلبية سكانية". ويقر المشروع حق انشاء مجالس دينية واتباع الاحكام الخاصة بالاحوال المدنية للطوائف غير المسلمة (المادة 30)، كما يضمن للمكونات القومية والدينية حق الحكم الذاتي في المناطق التي تشكل فيها "اكثرية سكانية" (المادة 35).
بالمقارنة، يمكن ان يوصف مشروع الدستور بأنه الوثيقة الاكثر انفتاحا على الاقليات في منطقة الشرق الاوسط ويمكن ان يؤسس لعلاقة ثقة على اساس نزع الاحساس بالتمييز بين الاكثرية والاقلية. لكن، وعلى الرغم من كل محاولات ارضاء الاقليات غير المسلمة وابداء اعلى مستوى من التسامح ازاءها، فأن المشروع يمنح الاسلام منزلة اسمى من الاديان الاخرى، باعتباره دين الغالبية، لانه يقضي بعدم جواز سن قوانين تتعارض مع ثوابت احكام الاسلام (المادة 6). لكن اقرار حق اتباع الاحكام الخاصة بالاحوال المدنية لغير المسلمين والتشريعات التي يمكن يعمل بها في مناطق الحكم الذاتي يمكن ان تخفف من تأثير حكم المادة 6 على غير المسلمين.
يفرد المشروع فصلا كاملا للحقوق السياسية وهي حقوق تتيح للفرد الاسهام في ممارسة السلطة من خلال حق الانتخاب والاجتماع وتشكيل الجمعيات والاحزاب وتقلد الوظائف العامة وحرية الصحافة وحرية المعارضة وحرية التعبير. وتكتسب الديمقراطية المشار اليها في المشروع صفة الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية، وينعكس هذا المفهوم بوضوح في الفصل الثاني المخصص للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهذه الديمقراطية ترمي الى التقليل من التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية عن طريق تدخل الحكومة لتحقيق قدر من المساواة المحسوسة من قبيل الضمان الاجتماعي والحصول على اجر متساو على العمل المتساوي والضمان الصحي ومجانية التعليم ومكافحة الامية وحماية حقوق المستهلكين و والاعتراف بحق تشكيل نقابات مهنية. وبشكل عام يوجب المشروع على الحكومة واجب التدخل لضمان حياة افضل للفئات المحرومة.
لكن كل هذه المزايا قد تصبح مهددة اذا لم يتم معالجة مواضع الخلل في المشروع. وبشكل عام، وبقدر ما يتعلق الامر بموضوع الركائز الديمقراطية والمدنية للمشروع، يواجه المشروع ثلاث نواقص كبيرة.
ان النقيصة الاولى هي ان المشروع يغلب عليه ظاهرة شخصنة السلطة Personaliztion of power التي تتجسد في الميل الى اظهار تفوق الشخصيات السياسية التي تتولى مناصب حكومية رفيعة المستوى او دمج السلطة في الفرد الحاكم. وعلى الرغم من ان هذه الظاهرة عابرة في مرحلة كتابة الدستور ومرتبطة بشخصيات محددة، فاعلة ومؤثرة، فأنه يمكن ان يكون لها انعكاسات سلبية على العملية السياسية.
لقد تسببت هذه الظاهرة في تأخير الاستفتاء على المشروع الذي كان يفترض ان يتم التصويت عليه في 25/7/2009 بحسب القرار رقم 8 لسنة 2009 الصادر عن رئاسة الاقليم. تبع ذلك صدور القانون رقم 10 لسنة 2009 الذي ترك تحديد موعد الاستفتاء العام على المشروع مفتوحا. وفي عام 2013 صدر القانون رقم 19 الذي اقر تعديل المشروع قبل طرحه للاستفتاء.
ان ظاهرة شخصنة السلطة تعبير سياسي - اجتماعي عن السعي لتدعيم السلطة التنفيذية ممثلة في زعيم يمثل القيمة العليا للنظام السياسي والمجتمع. وتهدد هذه الظاهرة البنية التحتية للديمقراطية ويمكن ان ينتج عنها تصدع للوحدة الوطنية اذا لم تتم معالجتها بشكل مناسب.
اما النقيصة الثانية فتتمثل في ضبابية النظام السياسي. لقد حددت المدة الاولى من المشروع النظام السياسي في الاقليم كنظام برلماني لكن هذه المادة ليست لها انعكاسات مفترضة على المواد التالية من الدستور بشكل كاف. ينطوي المشروع على سمات مرتبطة بالنظام البرلماني لكنها غير كافية لوصفه بالنظام البرلماني. وفي الحين الذي تؤكد فيه المادة الاولى من المشروع على النظام البرلماني، فأن المشروع يبتعد بعد ذلك عن مقومات النظام البرلماني ليخلط بين النظامين البرلماني والرئاسي وليتحول الى نظام برلماني ناقص او منحرف او مشوش او الى نظام مختلط. ومن هنا يفتقد المشروع القدرة على التعبير عن النظام البرلماني المشار اليه بوضوح في المادة الاولى ويتحول الى نظام برلماني شكلا لا مضمونا.
ان القضية ليست قضية افضلية النظام البرلماني على ما عداه. ان جوهر القضية يكمن في ان المشروع يناقض نفسه في تحديد النظام السياسي، اذ يدعو في البداية الى نظام برلماني ثم يحول النظام عن طريق المواد 60و 65و 69و 92و 107و 109 الى نظام لا يمكن وصفه بالنظام البرلماني الكامل.
ان هذا الاسلوب في طرح موضوعة النظام السياسي يؤسس لضياع الثقة في الفلسفة السياسية التي يروج لها المشروع. ان التقنية المتبعة في المشروع تروج لنظام سياسي لا يعبر عن ذاته بشكل كامل. وصارت النتيجة هي ان المشروع يتحدث عن نظام سياسي لا وجود له اساسا. عليه، فأن هذه التقنية، القائمة على اساس ايهام الجمهور ببرلمانية النظام السياسي، غير قادرة بالمرة على تأسيس ثقة بين السلطة ومواطنيها.
اما النقيصة الثالثة فهي ان المشروع لا يؤكد على حياد المؤسسات الامنية من قوات حرس الاقليم والامن والشرطة ولا يفرض عليها الابتعاد عن العمل الحزبي والتدخل في الشؤون السياسية.ولا يمنع افرادها من الترشح لاشغال مراكز سياسية او المشاركة في الدعاية الانتخابية لصالح مرشحي الاحزاب. ان صمت المشروع عن حياد قوات حرس الاقليم وجهاز الامن والشرطة يعكس الموافقة الضمنية على تدخل المؤسسات الامنية في الشؤون السياسية والتحزب، في حين ان المعايير الديمقراطية والمدنية تفرض عليها الحياد وتحرمها من التحزب والتدخل في الشؤون السياسية. وبالمقارنة، فأن الدستور العراقي في المادة التاسعة يتفوق على مشروع دستور الاقليم في هذه النقطة لانه يخضع القوات المسلحة والاجهزة الامنية لقيادة السلطة المدنية ويحرمها من التحزب والتدخل في الشؤون السياسية. وهذا الامر معمول به في جميع الانظمة الديمقراطية لأن حياد هذه القوات والاجهزة يجعلها تخدم السلطة السياسية، القائمة عن طريق الانتخابات والتداول السلمي، ويجعلها حريصة على المصلحة العامة بغض النظر عن الحزب الذي يحكم.

فريد أسسرد


PUKmedia







شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket