ما الذي يجب أن نتعلمه من الأرمن؟

الاراء 05:24 PM - 2015-04-24
ما الذي يجب أن نتعلمه من الأرمن؟

ما الذي يجب أن نتعلمه من الأرمن؟

بمناسبة الذكرى المئوية لمجازر الأرمن الذين قضوا على يد وحوش الاتحاد و الترقي ومرتزقته أستذكر أرواح الضحايا وأعبر عن تضامني الكامل مع الشعب الأرمني الصديق وتنديدي بالمجزرة التي استهدفت الأرمن والكورد والسريان والبوماك وكافة القوميات الأصيلة في المنطقة.
أنا شخصياً أحب الشعب الأرمني وأعتبرهم من أقرب المقربين للشعب الكوردي ويشاركهم الأرض والثقافة والعادات والعيش المشترك طيلة آلاف السنين. عشتُ بين الشعب الأرمني لسنوات عدة وتعرفتُ على ثقافتهم و لغتهم وحياتهم اليومية وتعلمت منهم الكثير الكثير. ودائماً أقول بأن هنالك الكثير من الأمور التي علينا كشعب كوردي أن نتعلمها من الشعب الأرمني الجميل.
فما الذي يمكننا أن نتعلم منهم؟
- الشعب الأرمني أختار كنيسته القومية الخاصة بهم. فالكنسية الأرمنية تخدم الهوية القومية للشعب الأرمني ولا تضحي بالمصلحة القومية والوطنية الأرمنية لأجل الدين و الكنسية. المركز المقدس للأرمن هي مدينة أيجمازدين وهي المقر العام للبابا الأرمني وهو الأب الروحي لسائر الأرمن في العالم. وهذه المدينة إلى جانب كونها مقراً دينياً فهي مدرسة تخرج منها كبار الموسيقيين و العلماء والكتُاب و الأدباء الأرمن. كما أن كافة النصوص الدينية باللغة الأرمنية  هنالك طابع معماري خاص في المنائس و المعابد الأرمنية تعبر عن الهوية الوطنية و القومية و الثقافية للأرمن.
- الشعب الامني لم ينسوا المجازر التي جرت ضدهم إبان الحرب العالمية الاولى  التي بدأت في 24 نيسان باعتقال ونفي القادة والمثقفين الأرمن في اسطنبول و المدن العثمانية الأخرى ومن ثم اتسعت رقعة قرار التهجير وما رافقها من قتل و اغتصاب و سلب و إبادة بحقهم. فر الناجيين إلى القوقاز و الشام ولبنان وغربي كوردستان ومنها إلى أمريكا وأوروبا وتشتتوا في المعمورة. ورغم الشتات إلا أنهم لم ينسوا ولم يتناسوا ما جرى لهم طيلة قرن كامل و ظلوا يسعون و يستذكرون ويعملون في السر و العلن، في المحافل الدولية و خلف الكواليس لكي يجبروا الدول على الاعتراف بالمجازر و ينددوا بالدولة التركية كونها وريثة السلطنة العثمانية. لم يخف النشاط الأرمني ضد تركيا دبلوماسياً أبداً و لم يتكاسلوا يوماً.
- في 24 نيسان من كل عام يتوحد الأرمن في كل مكان في العالم، ومئات الآلاف منهم يزورون أرمينيا للمشاركة في زيارة الصرح الرمزي لضحايا المجازر. الكل يترك خلافاتهم السياسية والحزبية والأيديولوجية والطبقية و يتشاركون في المراسم الرسمية و الشعبية وفي نفس المكان و التوقيت.
- في ذكرى المجزرة يتوحد الإعلام الأرمني من قنوات التلفزة المحلية والفضائية والإذاعات و المطبوعات في استذكار الضحايا والتنديد بمرتكبي المجزرة ويزرعون روح النقمة لدى المجتمع ضد الجُناة.
- هنالك العشرات من الأحزاب الأرمنية منها القومية والشيوعية والليبرالية والاشتراكية والمتطرفة، وهنالك تباين في وجهات النظر وصراعات حادة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. لكن كافة هذه الأحزاب و التيارات تتحد في رؤية موحدة في النقاط المصيرية مثل قضية قره باغ، الصراع ضد آذربيجان، العداوة لتركيا، كسب التعاطف الدولي والاعتراف بالإبادة القومية، الاعتزاز بالتاريخ و الثقافة و اللغة الأرمنية.
- الشعب الأرمني من أكثر الشعوب ارتباطاً بثقافتهم ولغتهم و فنونهم و موسيقاهم وأغانيهم. فهم يهتمون بملابسهم الفلكلورية ورقصاتهم الشعبية القديمة و نتاجات أدبائهم و الصناعات اليدوية.
- الكنيسة الأرمنية وضعت حروفها الأبجدية القومية الخاصة والتي لا يستخدمها سوى الأرمن في كافة أنحاء العالم وكتب الكتاب المقدس بهذه الأبجدية الخاصة.
- الأغلبية الساحقة من الأرمن يعظمون من شأن جبل آكري (آرارات) في شمالي كوردستان و يعتبرونه رمزاً ثقافياً و قومياً و حضارياً لهم. فلا يخلو بيت أرمني من لوحة أو صورة من صور جبل آكري الكوردستاني.
- الأرمن الذين يعيشون في الشتات (دياسبورا) يدعمون دولتهم الصغيرة مادياً ومعنوياً وسياسياً ويمولونها دائماً. كما أنهم وعلى الرغم من عيشهم منذ قرن في الشتات إلا أنهم يحافظون على لغتهم وعاداتهم وأسمائهم و ثقافتهم. يتعاونون فيما بينهم ويدافعون عن بعضهم البعض ويشكلون كتل ضاغطة في كل بلد يعيشون فيها. ولا ينصهرون في ثقافة البلدان والدول التي هاجروا إليها. كما أن الأرمني يعطي الأولوية لتشغيل الأرمن في شركاتهم و معاملهم وأعمالهم المختلفة. ويتزاوجون فيما بينهم و نادراً ما يتزاوجون مع القوميات والطوائف الأخرى.
- الوجهاء وكبار الأرمن كانوا أذكياء جداً عندما وضعوا في القرن التاسع عشر لاحقة (يان) على كافة أسماء الكنية الأرمنية. فكل عائلة أو شخص يحمل كنية تنتهي باللاحقة (يان) فهو أرمني على الأغلب. وبذلك يحافظ الأرمن على أنسابهم و هويتهم و يتعارفوا أينما كانوا.
- أغلبية الأرمن لم يتخلوا عن حلم "أرمينيا الكبرى". حيث يرسمون خرائط "لأرمينيا الكبرى" تضم 70% من كوردستان، على الرغم من كون هذه المناطق هي كوردية كوردستانية خالصة حالياً. والبعض منها كان الأرمن قد عاشوا فيها ردحاً من الزمن أو أسسوا إمارة قبل العهد الميدي أو أثناء العهد الإسلامي أو الصليبي و من ثم نزحوا.
- الأرمن لا يقدسون ولا يعظمون كثيراً من شأن الساسة وقادة الأحزاب و الرؤساء. بل يعطون الأهمية الكبرى لآباء الأدب و الفن و الموسيقا و العمارة. حيث يطلقون أسمائهم على الشوارع والأحياء والمؤسسات والمدارس والمعاهد. ويحيون المهرجانات والاحتفالات تخليداً لذكراهم.
- دولة أرمينيا تعتبر محاصرة ومغلقة وفقيرة كثيراً من حيث الموارد و الثروات. يمكن القول بأن غربي كوردستان أغنى بكثير و أكثر حظاً من دولة أرمينيا من حيث الموادر و الثروات و القدرات الانتجاية. و مع ذلك ترى الأرمن يتغنون ببلادهم و يشبهونها بالجنة و الفردوس.
- وأخيراً علينا أن نعرف بأن الأرمني لا يقول عن نفسه بأنه أرمني و لا عن بلاده بأنه أرمينيا! بل يقول عن نفسه بأنه (هايكي) وعن بلاده بأسم (هايستان) وعن لغته (هايرين). وهذه التسمية مشتقة من كلمة (هايك) وهو اسم لجد الأرمن ومؤسس عرقهم و دولتهم الأولى في التاريخ. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على الارتباط القوي لهذا الشعب بتاريخهم واساطيرهم و قصصهم القديمة.
بشكلٍ عام الشعب الأرمني من الشعوب الأصيلة والذكية والراقية وهم من أقرب الشعوب للشعب الكوردي من عدة نواحي. ولكنه في الوقت نفسه شعب سيء الحظ كما الكورد تماماً و عانى كثيراً من الظلم و الاضطهاد والغبن. ومن المهم جداً كشعب كوردي أن نستخلص الدروس من تاريخنا ومن تاريخ جيراننا ونتعلم منهم ما يجب تعلمه حتى لا نعيش في دائرة مفرغة من التكرار في الفشل والخديعة والتبعية والانصهار. علينا أن نتعلم منهم تقديس ثقافتنا و لعتنا وحضارتنا ونبذ خلافاتنا الصغيرة أمام القضايا المصيرية وعدم الثقة بالأعداء وعدم نسيان المجازر والفرامانات والتنكيل و التهجير و التطهير العرقي الذي جرى ويجري لنا منذ مئات السنين. فإن كان قد تم إبادة مليون ونصف مليون أرمني خلال عدة سنوات، فإن عدد الكورد الذين تم إبادتهم أكثر بكثير و أضعاف مضاعفة من عدد الأرمن.

بولات جان

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket