الإرهاب.. حرب مفتوحة

الاراء 10:20 AM - 2015-04-21
الإرهاب.. حرب مفتوحة

الإرهاب.. حرب مفتوحة

سواء كانت «داعش»، أو «بوكو حرام» وسواء كان المكان باريس، أو نيروبي، أو كوبنهاجن، أو تونس، يبدو أن وتيرة العمليات الإرهابية التي تطال أماكن وبلداناً مختلفة في تصاعد، وأن مرتكبيها أيضاً يختلفون في مشاربهم وأيديولوجياتهم.

 فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 صعد الإرهاب العالمي إلى الواجهة باعتباره العدو «رقم واحد» للغرب وأمريكا، والتهديد الذي يحدق بكل الدول والمجتمعات، وقد كانت الصدمة قوية بالنسبة لأمريكا التي لم تعتد على تعرض أراضيها لاستهداف خارجي مما استدعى ردوداً ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم. 

وهكذا تناسلت التحليلات التي حاولت مقاربة ظاهرة الإرهاب وسبر أغوارها، فذهب البعض إلى أنها هي التحدي البديل لتحدي الشيوعية التي انكسرت شوكتها بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، معتبرين أن الإرهاب الذي تنتهجه تنظيمات إسلامية متشددة سيكون هو الخطر القادم الذي يتعين على الغرب التعامل معه.

 فكان أن أطلق الرئيس بوش «الحرب ضد الإرهاب» وكأن هذا الأخير كيان واضح يمكن التصدي له بالسلاح. والحال أن الإرهاب فكرة وأيديولوجية، وأيضاً تكتيك يُستخدم لترويع المدنيين وإخافة الآمنين لإحداث الصدمة وجلب الانتباه، هذا فضلًا عن كون الإرهاب الذي تفاقم إلى درجة الخطر المستحق للمحاربة كان أيضاً سابقاً على هجمات 11 سبتمبر.

ومع ذلك تحول الإرهاب إلى واقع دولي لا يقتصر التحذير من خطورته على الغرب، بل صار محط اهتمام المجتمعات كافة، بما فيها الدول العربية والإسلامية، ولاسيما بعد تمدد الإرهاب وضربه لبلدان مختلفة سواء في أفريقيا، أو في الشرق الأوسط، حيث غالبية ضحاياه من المسلمين. 

وعلى مدى العشرين سنة الماضية ارتفع عدد ضحايا الإرهاب من ألفين، أو ثلاثة آلاف إلى 30 ألفاً اليوم، كما أن الإرهاب الذي يسعى البعض لربطه بالإسلام لم يكن دائماً ذا طابع ديني، فقد كان أول ظهور لكلمة «إرهاب» في عام 1873 على يد اليعاقبة الذين حكموا فرنسا بعد ثورتها وكانت تلك إحدى أحلك مراحل الثورة الفرنسية التي شهدت انتكاسات عدة قبل أن تأخذ طريقها الصحيح، في تجلّ واضح لإرهاب الدولة. كما أنه خلال القرن التاسع عشر كان الإرهاب صنيعة التنظيمات الفوضوية التي ظهرت في فرنسا وروسيا. 

أما في عام 1914 فكان لعملية الاغتيال التي ارتكبها قومي صربي متطرف في سراييفو، وقد اندرجت في أعمال الإرهاب، وقع الشرارة التي أطلقت الحرب العالمية الأولى بنتائجها المدمرة المعروفة.

وحتى في النصف الثاني من القرن العشرين لجأت حركات انفصالية، أو تحررية، إلى أساليب الإرهاب لتحقيق مطالبها السياسية سواء كانت ذات طبيعة يسارية، أو راديكالية تستهدف الغرب وأوروبا. 

ولابد في هذا السياق، ونحن نسلط الضوء على مسيرة الإرهاب، من التطرق إلى إرهاب الجماعات الصهيونية في الأراضي العربية بفلسطين قبيل قيام إسرائيل، حيث استهدفت تلك التنظيمات القرى العربية والسكان المدنيين لترويعهم ودفعهم للمغادرة.

 ولئن كان الإرهاب أسلوباً يلجأ إليه كثيرون من المتطرف الديني، إلى القومي المتشدد، واليساري الراديكالي، فإن تعريفه قد اختلف أيضاً بحسب المواقف، فهو أحياناً يصور على أنه نوع من المقاومة، وأنه سلاح الضعفاء الذين لا حيلة لهم، ولكن في جميع الأحوال تبقى التكتيكات الإرهابية قاسية وبشعة وترمي لترويع المدنيين لتحقيق أهداف سياسية، وهي وسائل غير مقبولة ولا يمكن تبريرها، كما أنه عنف أهوج لا يقتصر على التنظيمات والجماعات المتطرفة، بل ترتكبه أحياناً أيضاً بعض الدول والحكومات.

وفيما يسعى البعض هذه الأيام لإلصاق الإرهاب بالإسلام فإنه من الضروري التذكير بأن المسلمين أنفسهم هم أكبر ضحايا الإرهاب، فخلال السنتين الماضيتين شكل المسلمون 80 في المئة من الفئات التي سقطت بسبب الإرهاب الذي يضرب في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان ونيجيريا.

 وإذا كان الإرهاب ظاهرة قديمة، إلا أنه اكتسى اهتماماً متزايداً في عصرنا الحالي بالنظر إلى تركيز الإعلام على عملياته وسعيه إلى جذب الأنظار وإحداث الصدمة لدى المجتمعات، حيث يبدو أن التنظيمات الإرهابية تستفيد من تكنولوجيا التواصل الحديثة ومن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر فظاعاتها وإيصالها إلى أكبر عدد من الناس.

 وبالطبع وكما صار معلوماً لا يمكن التصدي للإرهاب بالوسائل الأمنية فقط، بل لابد من مقاربة شاملة تتصدى للأسباب العميقة التي قد تدفع بعض الشباب في بعض البلدان الإسلامية إلى التطرف وتبني أيديولوجيات دينية متشددة.

 وبمعنى آخر يجب الاهتمام بالجانب الفكري في محاربة الإرهاب، وأيضاً الجانب السياسي من خلال تحسين العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب، وصياغة عقد اجتماعي جديد قائم على المشاركة السياسية وتوفير الفرص الاقتصادية، والأهم من كل ذلك تكريس الشفافية وكبح الفساد بما يفتح أفقاً سياسياً واقتصادياً يحيي الأمل في نفوس ملايين الشباب في الشرق الأوسط ويبعدهم عن العدمية وتدمير الذات.

 

باسكال بونيفاس / مركز العلاقات الدولية والستراتيجية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket