ثقافة العنف المؤسساتي

الاراء 09:55 AM - 2015-03-04
ثقافة العنف المؤسساتي

ثقافة العنف المؤسساتي

الاعتداءات الاخيرة على الصحفيين والاعلاميين من قبل حمايات بعض المسؤولين لم تكن جديدة، وليست هي الاولى من نوعها، فهناك الكثير من حالات الاعتداء من قبل الحمايات وصلت بعضها حد القتل. واسباب هذه الاعتداءات ليست ذات قيمة ولا تدعو الى ان يقوم شخص في حماية مسؤول في الدولة بأن يعتدي بالضرب على اعلامي. 

المشكلة الاساسية التي تعاني منها المؤسسات الرسمية هي الحصانة القانونية والسياسية التي يتمتع بها المسؤول سواء في الحكومة او البرلمان من اي مساءلة قانونية او حساب، والسبب كما هو معلوم هو نظام المحاصصة السياسية المتبع في العراق بعد سقوط النظام. وهذا هو السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي، وحتى الارهاب. وهو تسبب بهدر المليارات من الاموال العراقية بين المشاريع الوهمية وبين السرقات الرسمية التي تحصل تحت مظلة القانون. المشكلة الاكبر من هذه، هو ان حمايات اولئك المسؤولين، تأخذ ذات الحصانة التي يأخذها المسؤولون انفسهم، فمن كان في حماية وزير او برلماني، يتمتع بنفس امتيازات ذلك المسؤول، فله الحق في مخالفة السير وفي خرق جميع قوانين السير واي قانون يريد خرقه دون ان يتجرأ أحد ويحاسبه فقط لأنه حماية مسؤول. الحصانة هذه، استمدها وللأسف من حصانة ذلك المسؤول، وحتى لو خرج المسؤول من الموقع الوظيفي فسوف يبقى محتفظا بحصانته هو وحماياته. لكن مخالفة السير تبدو جريمة طبيعية اذا ما قورنت بجرائمهم الاخيرة المتمثلة بالاعتداء على الصحفيين والاعلاميين اثناء ادائهم الواجب. الحصول على المعلومة وتسهيل مهمة الصحفي والتعاون معه من قبل الدوائر الحكومية منصوص عليها في الدستور والقوانين، ذلك ان الاعلام كما يقال جزء مهم من عملية التحول نحو الديمقراطية ولا يمكن لأي دولة ان تتخلى عن الاعلام كونه النافذة الوحيدة للكشف عن الواقع اليومي وهو الجهة الاهم في مساعدة الحكومة على مواصلة عملها وتحقيق اهدافها. ما حصل هو جرمية كبرى بحق السلطة الرابعة، وهو انتكاسة حقيقية في حرية الاعلام وللأسف، يؤكد ان العراق من اخطر الاماكن على الصحفيين، فالصحفي الذي ينجو من الارهاب يقع في مصيدة العنف الرسمي الحكومي الذي تمارسه حمايات بعض المسؤولين في الدولة العراقية. ما حصل هو جريمة كما قلنا، ولكن: هل تم معاقبة الجناة؟ هل اخذ القانون مجراه؟ بحيث يقدم المعتدى عليه شكوى في القضاء ليتم احالة المتهمين الى المحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل. للأسف، ان عدم تطبيق القانون بحق المخالفين ساهم بدرجة كبيرة في استمرار تلك العناصر بالإساءة والاعتداء على الصحفيين، بين فترة واخرى، دون خوف من محاسبة او عقاب. فلو كان عنصر الحماية يدرك ان هناك قانونا وقضاءً سيحاسبه، لما تجرأ يوما على الاعتداء على اي شخص مهما كانت صفته. الصحفي يملك سلطة، وله سلاح وهو القلم ووسيلته الاعلامية، ولم ينج من ممارسات الحمايات غير القانونية، ولكن: المواطن البسيط، ماذا سيفعل به؟ يفترض ممن اعتدي عليهم ان يقوموا بعمل شكوى امام القضاء ضد المتهمين، وان يعلنوا عبر الاعلام آخر ما وصلت اليه شكاواهم، حتى يطلع الرأي العام عليها، وفي حالة وجود تخاذل او ضغط من قبل اي محكمة، فعلى الاعلامي ان ينشر هذا الأمر، حتى يكون الشعب على بينة من الحقيقة، اما اذا رفض المسؤول ان يأخذ القانون مجراه ومنع الشرطة من تنفيذ امر القضاء بالقبض على حماياته المتهمين بالاعتداء على الاعلاميين، فانه يعد شريكا لهم في الجريمة او يعتبر مرتكب لجريمة من نوع آخر. اننا وللأسف لم نسمع تصريحات المسؤول ولا رأيه بما فعلت حماياته بالإعلاميين، هل هو طلب منهم ذلك ام هي تصرفات فردية من قبلهم؟ اذا كانت تصرفات فردية فعليه ان يقدمهم للقضاء بنفسه، حتى يتخلص من المسؤولية. الحصانة وللأسف، لم يفهمها احد، ولم يطبقها احد، واصبحت الطريق الانسب لكل مسؤول يريد ممارسة تسلطه هو وحماياته، لأنه يعلم انه يملك حصانة تحميه من المساءلة. بينما الحصانة هي لعضو البرلمان فقط، وبشروط معينة وضعها الدستور، فلا حصانة لأي وزير فيما اذا ارتكب جريمة سواء كانت مشهودة ام لا. النظام الحالي، وفر حصانة عرفية لجميع اعضائه، للوزير والمدير العام والبرلماني وحماية الوزير وحماية المدير العام ووكيل الوزير والدرجات الخاصة، وحماياتهم، كلهم يملكون حصانات تمنع القضاء من محاسبتهم، وبالتالي، فالمواطن والاعلامي تحت رحمتهم، ولا يملك عليهم شيئا فيما لو اعتدوا عليه او حتى قتلوه. اليوم اصبح من الضروري ان تشرع قوانين تحمي الاعلامي من ممارسات الحمايات، واعتبار ان الاعتداء على اعلامي اثناء عمله يرتقي الى الاعتداء على الموظف اثناء الوظيفة لأن الاعلامي هنا يؤدي وظيفة، وهي نقل الحقيقة الى الناس، وربما هو يعمل افضل من مئات الموظفين الذين لا يقدمون شيئا للدولة ويحميهم القانون. ولكن: هل يشرع النواب قانونا ليطبق عليهم او على حماياتهم؟ وحتى لو شرع، فلا اتصور ان هناك امكانية لتطبيقه، مادام السياسي يتعكز على حزبه وطائفته وليس على وطنيته. فالموظف الذي يجلس خلف مكتبه وربما يسبب ضررا على المال العام، او يمارس فسادا في دائرته يحميه قانون العقوبات في نص المادة 220 التي تقول: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة لا تزيد على مليون دينار، كل من اهان او هدد موظفا او اي شخص مكلف بخدمة عامة.... الا يستحق الاعلامي الذي يضحي بنفسه وحياته حتى ينقل الحقيقة للناس، ان يكون مشمولا بهذه المادة؟ الاعلامي الذي تم الاعتداء عليه كتب في صفحته الشخصية: انه لم يفقد حياته، لكنه فقد كرامته. المادة 37 اولا تقول: حرية الانسان وكرامته مصونة. هنا خرق عنصر حماية المسؤول الدستور بأكمله، الوثيقة الاعلى للدولة، فهل سنسمع من القضاء او السياسي نفسه ان يثأر للدستور ويعاقب العناصر التي اعتدت على الاعلامي؟

ان الدولة، لا يمكنها السير الى الامام، ما دامت المحاصصة الطائفية هي التي تحكم البلد بدلا من القانون، وسوف نسمع في الايام القادمة المزيد من الاعتداءات على الاعلاميين ولا اجراء. لأن العنف اصبح مؤسساتيا، بعد ان كان يحصل في الشارع، وهو جزء من ثقافة حمايات المسؤولين الا القلة منهم.

 

سلام مكي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket