من باريس.. الثورات العربية والفكر التجديدي

الاراء 09:55 AM - 2015-03-03
د. لؤي محمود الجاف

د. لؤي محمود الجاف

1. التأرجح بین التعصب والتسامح علی الصعید الدیني والقومي

افرزت نتائج الحرب العالمیة الاولی 1914 – 1918 تشتت الامبراطوریة العثمانیة وتوزیع غنائم الحرب بین الحلفاء حسب اتفاقیة سایکس  – بیکۆ في 16/05/1916. بعد فکرة التقسیم بدأت فکرة تشکیل دول تحت وصایة الاستعمار تلوح الی الافق، وبالفعل تم توزیع میراث الدولة العثمانیة علی عدة عوائل معروفة، کالهاشمیین فی العراق والاردن، وآل سعود في الجزیرة الخ. ان عهود الخلافة الاسلامیة کانت تمتاز بالتعصب الدیني والتسامح القومي (راجع کتاب هرطقات 2 لجورج طرابیشي)، أما عقود ما بعد الخلافة وأحداثها أنتجت العکس أي التعصب القومي والتسامح الدیني ما عدا الحالة الیهودیة التي تعتبر شاذة لان الیهودیة یمکن اعتبارها  دین (الشعائر والتعالیم الیهودیة) وقومیة (بني اسرائیل) علی حد سواء. بعد اکتشاف مصادر الطاقة تحولت المنطقة اکثر من ذي قبل الی منطقة نفوذ ونزاع مستمر سرعان ما غیر من طبائع ومزاج الطبقات الحاکمة وبالتالي اهل المنطقة لان الناس علی دین ملوکهم. فاتجهت المزاج العام في المنطقة نحو اعلاء البعد القومي وتهمیش البعد الدیني رویدا رویدا، فرأینا کیف بدأت الانقلابات العسکریة تجتاح المنطقة من أجل التفرد بالسلطة باسم القومیة العربیة والنهوض بها.

 

2. فشل الفکر التجدیدي 

بعد عقود طویلة من حکم الانظمة الدکتاتوریة، حاول الجیل الجدید الصاعد في البلدان العربیة ان يأخذ علی عاتقه مهمة القیام بثورة تنقل المجتمع من حال الی حال وتقربه اکثر من الحداثة في ادارة الحکم والدولة. لکن الاصطدام بالواقع الصعب في الدول العربیة في جمیع المجالات السیاسیة، الاقتصادیة، التربویة و الاجتماعیة حالت دون الوصول الی الهدف المنشود فلم تحقق الثورات أهدافها بل ابرزت الی العلن مشاکل جدیدة اقل ما يقال عنها هو عدم القدرة علی التجدید و تبني الفکر التجدیدي المعاصر الذي ما زال امامه الکثیر من العقبات کي یفهم ویطبق. لم یفلح قادة الثورات العربیة تسویق الثورة بمعناها التجدیدي، واستطاع الاسلام السیاسي ان یطفو علی السطح وحاول استغلال خبرته للوصول الی الحکم، ووصلو ولم یحسنو التصرف ففشلو، وها هي المنطقة تعود الی المربع الاول. 

 

3. بروز الاخوان والفکر التکفیري

  دول المغرب العربي یعتبرون اکثر انفتاحا من دول المشرق العربي، وهذا یعود لاسباب متعلقة  بجغرافیة وتأریخ هذه الدول وتفاعلها مع الغرب. لذلك كانت الشرارة الاولی للثورة في تونس لها معانيها، حيث راقب العالم و دول الغرب خاصة باهتمام کبیر أحداث وتطورات الثورة التونسية والثورات العربیة التي تلت، وعندما أثمرت صمود الثوار في تونس بهرب الرئیس التونسي الی المنفی، وفي مصر برحیل الرئیس المصري، کانت بوصلة التحلیلات و التعلیقات السیاسیة في الغرب تتجه نحو الرأي القائل أن العالم العربي قد بدأ یستیقظ  وأن الحداثة و الاصلاح في الدول العربية آت لا محالة. کانت اوروبا وبالاخص فرنسا منذ اللحظة الاولی تتعامل بشکل دینامیکي مع الاحداث، فقد تبنت سیاسة جدیدة تجاه تونس، وبعثت فرنسا بسفیر جدید الی تونس (بوریس بوالون، السفیر الفرنسي السابق في بغداد) باعتبارە خبیر في الشؤن العربية. لكن بروز الاسلام السياسي واستلامها مقاليد الامور في تونس ومصر، غيرت الكثير من التوقعات. وما زاد الطين بلة، انتشار الفكر التكفيري المتطرف وقطع الرؤوس وكأننا رجعنا الى عصور الظلام. 

لقد اضاعت دول الشرق الاوسط  فرصة فكرة تبني الفكر التجديدي والحداثة كنظام حكم وكحاجة لتطور المجتمع، فاصبحت من جديد أسيرة للتخلف.

 

د. لؤي محمود الجاف 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket