الخيار بين اغتيال البغدادي واحتلال الموصل!

الاراء 11:16 AM - 2015-02-28
سليم نصار

سليم نصار

لم يحدث في تاريخ الأنظمة السياسية أن نشأت دولة فوق قطعة جغرافية واسعة مجتزأة من سيادة دولتين تاريخيتين عريقتين... مثل تنظيم «الدولة الإسلامية».
ولم يحدث في تاريخ الدول - قديمها وحديثها - أن امتد نفوذ هذه «الدولة» المصطنعة إلى أبعد من حدود أوروبا في مرحلة زمنية قصيرة بدأت في صيف 2014 باحتلال مدينة الموصل العراقية.
كما لم يحدث في تاريخ جمهوريات الرعب أن أقيم تنظيم وحشي يماثل تنظيم «داعش» الذي يتغذى من قسوة الإرهاب وغزارة الدم، متجنباً عن قصد ممارسة القيم الأخلاقية العادلة.
ومع أن أبو بكر البغدادي أعلن أنه هو «الخليفة» المولج بقيادة هذا التنظيم، إلا أن الأحداث أثبتت وجود قيادة جماعية تتألف من حوالى مئة ضابط عراقي سابق موزعين على مختلف المناطق. ولقد وافقوا على استبدال أسمائهم بأخرى جديدة تبعدهم عن الانتماء إلى قوات صدام حسين، وإلى الاستخبارات بالتحديد. وقد استمالهم في إدارة التنظيم الإعلان أن «داعش» يشكل مشروع نواة دولة سنيّة تمثل ما نسبته عشرون في المئة من عدد سكان العراق. ومن المؤكد أنهم تخلوا عن توجهاتهم العلمانية السابقة، واندفعوا في إخلاصهم للتنظيم انتقاماً من واشنطن التي دمرت حليفها العراقي السنّي، وانحازت لمصلحة حليفها الإيراني الجديد.
إضافة إلى هؤلاء الضباط الذين صرفهم الحاكم الأميركي بول بريمر من الخدمة، فقد انضمت إلى «داعش» مجموعات شبان قدِّر عددهم، قبل أربعة أشهر، بأكثر من ثلاثة آلاف شخص.
وقال جيل كيرشوف، المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، أن عدد الجهاديين الأوروبيين الذين توجهوا إلى سورية والعراق للقتال، قد ارتفع. والسبب يعود إلى الانتصارات التي حققها «داعش» ضد خصومه الذين استبدَّ بهم عامل الخوف والذعر. ومن الممكن أن يكون هذا الارتفاع ناجماً عن تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأرض، وإعلان «الخلافة» في المناطق التي سيطر عليها. ويشير تقرير كيرشوف إلى أن المقاتلين بمعظمهم جاؤوا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك. ولكن الدفعة الأخيرة جاءت من إسبانيا وإيطاليا وإرلندا والنمسا.
ويتفق المسؤولون الأوروبيون على ضرورة مراقبة العناصر الآتية من أرض المعركة، كونها تشكل «طابوراً خامساً» يهدد أمن المجتمعات. والمَثل على ذلك ما فعله الشاب العربي - الفرنسي مهدي غوش الذي أردى أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسيل. وكان قد اتهم باحتجاز رهائن فرنسيين أثناء نشاطه في سورية.
وعلى خلاف «القاعدة»، فإن تنظيم «الدولة الإسلامية» يبسط سيادته على إقليم تابع له فوق أرض العراق وسورية. في حين يبحث تنظيم «القاعدة» عن موطئ قدم بعد خروجه من أفغانستان وباكستان.
وهناك سبب آخر للتمايز بينهما، ينحصر في الهوية المذهبية التي حددها «الدولة الإسلامية» لمواطنيه باسم «سنّي - ستان». وعليه، فهو يستقطب سنّة العالم لتجنيدهم في حربه الشرسة ضد الشيعة والكرد والعلويين والمسيحيين (الأقباط) والإيزيديين والبهائيين وسواهم.
في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن عن توجه 15 ألف مقاتل من 80 دولة، إلى سورية منذ اندلاع الحرب فوق أرضها.
منتصف هذا الشهر، دعت واشنطن إلى عقد مؤتمر موسّع يضم ستين دولة، وذلك بهدف مناقشة موضوع مكافحة الإرهاب، وتشكيل تحالف عسكري يوقف تمدد «الدولة الإسلامية». وكان هذا التمدد بلغ ليبيا حيث قام المتعاطفون مع التنظيم بقطع رؤوس 21 قبطياً مصرياً، الأمر الذي دفع القاهرة إلى شن غارات على درنة معقل مجموعات «داعش».
وتناول المشاركون في المؤتمر قضايا مهمة عدة، بينها خيار إحداث صدمة كبرى توقف نشاطات هذا التنظيم الطاغي. واقترح البعض التركيز على اغتيال الزعيم أبو بكر البغدادي، باعتباره الرمز المعنوي لكل المواجهات.
واعترض البعض الآخر بحجّة أن اغتيال أسامة بن لادن لم يوقف نشاط «القاعدة». لهذا أجمع الحاضرون على أهمية اجتياح الموصل، كونها تمثل المعقل للعقل المدبر لكل العمليات الإرهابية.
العسكريون المشاركون في المؤتمر تحفظوا عن هذا الاقتراح لسببين: الأول، لأن الجيش العراقي غير قادر على تحقيق هذا الهدف، ما لم تدعمه قوات برية عربية أو أجنبية. والثاني لأن الحكومة العراقية ترفض تدخل القوات الأميركية، خوفاً من الحشود الشعبية التي تعتبر هذه الموافقة مدخلاً لعودة جيش الاحتلال.
حيال هذا المأزق العسكري، اتفق الجميع على ضرورة إقفال الحدود التركية مع حدود «الدولة الإسلامية»، بهدف وقف تسلل المتطوعين الأجانب.
ويقرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم ممانعته تأمين حراسة مكثفة على حدود يقدر طولها بتسعمئة كلم. ولكنه رهن مشاركة تركيا بضرورة موافقة الدول الإقليمية الأخرى. وكان بهذا التلميح يشير إلى دور إيران السلبي في العراق. أي أنها لا تقبل بتسليح الميليشيات السنيّة ولو كانت معارضة لـ «داعش». ولا تقبل بدخول قوات أجنبية إلى بغداد ومحيطها من أجل المشاركة في التحرير. وفوق هذا وذاك، فهي ترفض حشد قواتها البرية والجوية بطريقة تقود إلى طرد «الدولة الإسلامية» من العراق وسورية.
ويقول المراقبون أن تركيا ساهمت بصورة عملية في تمرير المقاتلين والأسلحة، مثلما فعلت سورية بعد إسقاط النظام العراقي. ذلك أنها كانت تسمح بمرور المتطوعين إلى العراق من أجل محاربة الجيش الأميركي.
بعد استرداد قوات البيشمركة مدينةَ كوباني (عين العرب) برزت كردستان على ساحة الدفاع كعنصر مؤثر في معارك الفصل. ولكنها اشترطت دعمها بسلاح أميركي ثقيل كالمدرعات والمركبات المحصنة والمدافع.
وترددت واشنطن في تأمين هذا العتاد لاعتبارات سياسية تتعلق بضرورة الحفاظ على وحدة العراق، وعدم معاملة كردستان كدولة مستقلة. وفي هذه الحال، لم يعد أمام التحالف الدولي، الذي رعته الإدارة الأميركية، سوى الاتكال على الجيش العراقي النظامي من أجل تنفيذ هذه المهمة الصعبة، خصوصاً بعدما فشلت عمليات القصف الجوي في تغيير سيطرة «داعش» على الأراضي التي احتلها.
والثابت أن تفكك الجيوش النظامية، بسبب «الربيع العربي»، قد ساعد «الدولة الإسلامية» على التمدد والسيطرة. كذلك عزز الفراغ القائم نمو قوى بديلة أخذت أدوار الجيوش المنهارة في سورية وليبيا واليمن والعراق. وكان من الطبيعي أن تعزز الفوضى المستشرية في الجسم السياسي العربي صعود الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة والجيوش المذهبية.
مقابل هذا الفراغ، ولدت قدرات عسكرية جديدة تتفوق على الجيوش النظامية من حيث العدد والتنظيم والتسلح. هكذا، فقدت مؤسسات الدولة دورها الشرعي كمحتكر لضبط الأمن وصون القانون والعدالة.
وتعترف قيادة «داعش» بأنها استغلت فراغ الأنظمة لتوسيع تمددها الخارجي بحيث وصلت إلى أستراليا وفرنسا وألمانيا وليبيا وأوكرانيا وأوزبكستان. وتقدر السلطات الألمانية أن عدد الذين انضموا إلى صفوف المقاتلين في العراق وسورية قبل ثلاثة أشهر، وصل إلى 380 شاباً هم دون الثلاثين من العمر. وقد رافقتهم إحدى عشرة فتاة من دون إبلاغ أهلهن بقرار السفر. تماماً مثلما فعلت الطالبات البريطانيات من أصول بنغلادشية، الأسبوع الماضي. وقد ثبت أنهن لم يتعرضن لأي إكراه في هذا الخيار الصعب.
ومع تنامي تدفق الشبان والشابات الأجنبيات للالتحاق بتنظيم «الدولة الإسلامية»، أعلنت أنقرة أنها شددت تدابير المراقبة على حدودها مع سورية. كذلك ذكرت أنها سجلت قائمة تتضمن أسماء عشرة آلاف شابة وشاب ينتمون إلى جنيسات أجنبية. ووفق تقرير الأمن العام، فإن عمليات الدخول من دون تأشيرة أدت إلى طرد أكثر من ألف شخص.
وبعد الضجة التي أثارتها حادثة سفر الطالبات البنغلادشيات من لندن، حرصت الصحف على استيضاح علماء النفس حول الأسباب العميقة التي تنعش هذه الظاهرة.
وذكرت صحيفة «إندبندنت» أنها وجدت الجواب في كتاب نشرته كارن كامبرز تحت عنوان: نساء في صفوف العصابات. وتروي كارن سلسلة وقائع عن نساء غادرن منازلهن للانضمام إلى صفوف المقاتلين في كوبا وفييتنام وهندوراس.
وفي تحليل نشرته الباحثة الاجتماعية نورا جبران ما يفسر جذور التوجه والإعجاب بالمتطرفين، ولو أنهم يشكلون صورة للإرهاب والعنف السياسي.
وربما تكون الأعمال الوحشية التي يرتكبها مجندو هذا التنظيم من ذبح وإحراق، هي الدافع لجذب المهووسين الذين يبهرهم تحدي الأنظمة، والتصدي لدول أثبتت عجزها عن تطهير العالم من هذا الوباء المقيت.
يقول المحلل البريطاني باتريك كوكبرن في كتابه: «داعش... وثورة السنّة»، إن هذا التنظيم سيستمر قوياً وطاغياً، ما دامت الدول الكبرى والصغرى عاجزة عن وضع خطة متكاملة لإنقاذ العالم من شروره وسيطرته على أرض في حجم أرض المملكة المتحدة. وهو يعتقد أن الدول التي ساهمت في خلق «داعش» ليست لها مصلحة في إزالته من الوجود، ولو أنه تمادى في اقتراف المحرمات، وتنفيذ عمليات الذبح والحرق والتعذيب!

 
سليم نصار* كاتب وصحفي لبناني / الحياة

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket