مسيحيو الشرق: أصحاب الأرض أمام خيارات أحلاها مر

تقاریر‌‌ 01:37 PM - 2015-02-24
مسيحيو الشرق.. لا للتخندق الطائفي ونعم للمواطنة المتكافئة

مسيحيو الشرق.. لا للتخندق الطائفي ونعم للمواطنة المتكافئة

مسيحيو الشرق، كما يُطلق عليهم، يقفون اليوم في دائرة الضوء كأكبر فئة متضررة من ظهور تنظيم داعش الإرهابي ومن الربيع العربي ككل.
فما مصيرهم في ظل ما يحدث الآن؟ وهل سيفرغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟ وما هو الحل بالنسبة لهم؟
أعاد فيديو ذبح أقباط مصريين على يد تنظيم داعش الإرهابي، النقاش حول أوضاع الأقلية المسيحية في الشرق الأوسط التي تعيش أصلا في أجواء مقلقة منذ انطلاق أحداث ما سمي بالربيع العربي.
الخوف من التهجير و القتل وتزايد تهميشهم أصبح هاجسا أكبر لهذه الأقلية مع ظهور تنظيم داعش، ومع أحداث الاعتداءات على الرموز والكنائس المسيحية وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا، ثم ذبح 21 قبطيا مصريا في ليبيا على يد داعش أصبح رجال دين مسيحيون يدقون ناقوس الخطر بشأن مصير مسيحيي الشرق، فهل هم بالفعل أكبر الخاسرين من "الربيع العربي"؟ وما حجم الخطر المتربص بهم منذ ظهور تنظيم داعش؟

مصر كلها في خطر
في مصر، التي تحتضن أكبر تكتل مسيحي في الشرق الأوسط، ويشكل المسيحيون حوالي عشرة بالمائة من سكانها، يبدو الوضع مقلقا أكثر مع اقتراب تهديد داعش.
وخلف ذبح أقباط مصريين في ليبيا على يد التنظيم موجة استنكار عبرت عنه أيضا منظمات إسلامية، مثل حركة حماس، وفي الوقت ذاته أبرز تضامنا دوليا مع مصر، التي بدورها صعدت من معركتها ضد الإسلاميين في جارتها الغربية، إذ وجهت ضربات جوية ضد أهداف لداعش في ليبيا. البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عبر عن حزنه الشديد لذبح أشخاص لمجرد أنهم مسيحيون.
ومن جهته يقول القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر لـ DWعربية: "إن جريمة ذبح المصريين الأقباط في ليبيا أثارت شعورا بالخزي الإنساني لدى مسيحيي مصر بالتحديد، ولكنها جريمة تستهدف مصر ككل ووحدتها الوطنية قبل أي شيء".
بولس حليم المتحدث باسم الكنيسة القبطية في مصر يرى أن ذبح الأقباط يستهدف الوحدة المصرية.
أما يوسف كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة فينظر إلى ما ارتكبته داعش على أنه تأكيد جديد لمسيحي المنطقة العربية ككل على أنهم لم ولن ينظر لهم يوما ما على أنهم جزء من هذه المنطقة.
ويضيف: "داعش حركة سياسية لُونت بالدين وما تفعله يزيد المسيحيين إيمانا بأنهم قابلون في أي وقت للإنهاء والإقصاء."
إلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لخطاب عقب نشر فيديو ذبح الأقباط، يتوعد فيه بالقصاص من الإرهابيين وزيارته لكاتدرائية لتقديم واجب العزاء في الضحايا لم يخرجه من دائرة المسؤولية عن التهميش الذي يعيشه أقباط مصر.

أصحاب الأرض مهددون
ويرى إدوارد بباوي المتخصص في شؤون أقباط مصر أن "الحرمان كان موجودا قبل داعش، فهم لطالما كانوا مهمشين على مستوى الحقوق السياسية والوظيفية ومراكز الفئة الأولى، وهم أيضا مقصيون على المستوى العسكري، وأبسط مثال على ذلك هو أن الضابط القبطي يحال إلى التقاعد عندما يصل لرتبة معينة وإن كان عمره ثلاثين عاما."
ويعتبر يوسف كورية المرحلة الحالية حاسمة بالنسبة لأقباط مصر ويقول: "الأقباط هاجروا وهُجروا منذ عشرات السنين، والمرحلة الحالية مرحلة حاسمة في وجودهم، وكل الدعوات لبقائهم هي دعوات فارغة لأنهم مقصيون من كل مشروع سياسي في المنطقة. نخشى أننا أمام تعميم المشروع السعودي الوهابي في كل المنطقة". ويتوقع بباوي أيضا أن يجد أقباط مصر أنفسهم أمام الهجرة كحل للهروب من تهديدات داعش.
"مسيحيو الشرق هم أكبر المتضررين من الربيع العربي ومنذ بدءِ الأخير (الربيع العربي) بدأ المسيحيون بالهجرة من الدول التي عرفت ثورات"، يقول أمين عام الرابطة القبطية في لبنان إدوارد بباوي في حديثه لـ DWعربية. وتابع بباوي: "هنا يجب أن نكون واعيين بأن هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط أمر يهدد قبل كل شيء اللحمة الوطنية في العالم العربي ويهدد التوازن الديموغرافي في المنطقة.
المسيحيون ضرورة وهم أصحاب الأرض الحقيقيون تاريخيا واستقبلوا المسلمين بترحيب لكنهم يجدون اليوم أنفسهم ضحايا تنظيمات إرهابية تنسب نفسها للإسلام".
وضع مسيحيي سوريا والعراق يبدو الأسوأ بسبب سيطرة تنظيم داعش على مناطق عراقية وسورية بأكملها، مستفيداً في ذلك من حالة الفوضى السائدة فيها.
وفي الموصل، ثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها لما يقرب من 1500 سنة، وصل الأمر إلى فراغ المدينة من المسيحيين؛ هربا من داعش لأول مرة في تاريخ العراق.

الديمقراطية هي الحل
ويعزو كورية ما يعيشه المسيحيون اليوم في دول الشرق الأوسط إلى سياسية حكامها، معتبرا أن القيادة السياسية تروج لبقائها في السلطة على حساب الشعب ويقول: "هذا ما لاحظناه مع المالكي والأسد ومرسي واليوم السيسي.
لا توجد هناك سياسة أو إيديولوجية في هذه الدول تمنع الاعتداء على الأقليات." وتابع كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة : "حتى قيم مجتمعاتنا لا تصمد لتدافع عن مجتمع كامل فنسمع اليوم أمورا من قبيل أن الجار المسلم يعتدي على جاره المسيحي قبل وصول داعش وينسى 30 عاما من الجوار. وإن كان الضحية اليوم مسيحيا فغدا سيكون شيعيا وبعدها سنيا وهكذا دواليك".
ويرى كورية أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هي أنظمة ديمقراطية تصغي لجميع الأصوات وليس أنظمة تعمم دينا واحدا أو إيديولوجيا واحدة "أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فلن نخرج من هذا المطب."
وعن استقبال الغرب للمسيحيين يقول كورية "ما لا يعلمه البعض هو أن مسيحيي الشرق يعيشون مشاكل كبيرة في الغرب ودول المهجر عموما، لأن اللجوء الديني غير معترف به ويعتبر لجوءا إنسانيا شأنه شأن اللجوء السياسي ويتم إرجاع هؤلاء لبلدانهم بمجرد استتباب الأمن فيها، مع أن حصول هذا لا يعني تحسن أوضاعهم هناك كأقليات دينية".

مسيحيو الشرق.. لا للتخندق الطائفي ونعم للمواطنة المتكافئة
يرى الكاتب خالد الحروب أن العالم العربي يحتاج إلى خطاب جمعي جديد بعيد عن خطاب الوصاية، سواء في شأن مسيحيي الشرق أم في شأن الجماعات الأهلية المتعددة، إثنيا وطائفيا، خطاب قوامه التعايش الندي بين كل مكونات المجتمعات العربية
يحتاج مسيحيو المنطقة العربية إلى شهادة حسن سيرة وسلوك من مسلميها في سياق صد الحملات الداعشية البغيضة والطائفية عليهم وعلى غيرهم من الطوائف والأديان والمعتقدات التي يريد استئصالها الفكر الداعشي ومنظماته وداعموه.
كما لا يحتاجون إلى "خطاب التسامح"، لأن مثل هذا الخطاب ينطوي على فرضية مسبقة وكأن الطرف المُتسامح معه ارتكب خطيئة ما. ولكن الطرف المتسامح يبدي أخلاقا عالية ويمارس تسامحه الفوقي على تلك الخطيئة. الخطاب الوحيد الذي يحفظ كرامة الجميع في المجتمعات متعددة الأديان والطوائف والإثنيات هو "خطاب التعايش"، ففي هذا الخطاب يتساوى الجميع ويقفون بهاماتهم عالية ومتكافئة لا يضمن ولا يمن أحد فيهم على الثاني بـ"التسامح"، بل يقر بالتعايش القائم على الاحترام والندية، وكل ذلك أمام القانون وفي دولة القائمة على مبدأ المواطنة لا غيره.

مسيحيو الشرق...ملحه واكسير حياته
عاش مسيحيو الشرق في هذه المنطقة وبلدانها منذ أكثر من ألفي سنة، أي قبل الحقبة الإسلامية، وبقوا فيها وقاتلوا مع أهلها كل الغزوات الخارجية بما فيها الغزوات الصليبية.
وهنا في بلدان المشرق هناك مئات من العائلات ذات التاريخ الطويل زمنيا والامتداد الواسع جغرافيا والتي لا يدلل اسمها على "دينها"، فقد تكون مسيحية أو مسلمة، ذلك أن أفرادها اختاروا أن يبقوا على مسيحيتهم أو يصبحوا مسلمين، وأيا ما كان الخيار فإن العائلة بقيت متماسكة حتى يومنا هذا بشقيها، نعم اختلفت أديان الناس، لكنهم بقوا، مجتمعات وشعوبا متعارفة.
لم تكن التواريخ والحقب الزمنية وردية بالتمام والكمال، وكانت هناك فترات من التعصب والعنصرية، لكن الزخم العريض للاجتماع الأهلي كان في الوسط المعتدل والمتعايش. وصحيح أن مسيحيي المشرق صاروا أقلية، لكن ذلك لم يقلل من اكتمال أهليتهم التاريخية ولا انتمائهم الذي لا يجوز لأحد أن يمن عليهم به. عندما تحتاج أي أقلية ما إلى "تسامح" الأكثرية "ورأفتها" تدخل الأمور مرحلة المرض والخطر، وعندما تشعر الأقلية بأنها في خطر لمجرد أنها مختلفة عن الأكثرية فإن الأمور تكون مهددة بالعفن الخطير.
والأخبار التي تأتي من هنا وهناك بشأن انعقاد مؤتمرات وتأسيس مبادرات للدفاع عن مسيحيي الشرق تخلق مشاعر متناقضة، خاصة عندما تأتي من خارج المنطقة العربية، فمن ناحية لا يستطيع أحد نقض ورفض كل الجهود الآتية من جهات بعضها مخلصة ولا أجندات خفية لها. ومن ناحية ثانية هناك كثير من النفاق والتوظيف السياسي الذي يثير شبهات لها ما يبررها بسبب التجربة التاريخية المريرة مع الغرب، سواء في أوروبا أو أمريكا. وعوض أن نغرق في تفنيد الجهود وإثارة عقلية المؤامرة يمينا وشمالاً، فإن هذا يجب أن يدفعنا لإعادة الطرق وبقوة على بوابات وعينا النائم كي نتحمل مسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض، حتى لا نتركها للآخرين.

رفض فكرة إقامة "تحالف الأقليات"
وفي الجانب المشرق في هذا السياق تجدر الإشارة إلى رفض الأكثرية المسيحية في لبنان تحديدا وفي المشرق عموما، ونخبتها وقيادتها الدينية، فكرة إقامة "تحالف الأقليات" وهو ما دعا إليه النظام السوري وحلفاؤه. فمثل هذه الفكرة تعزز مسألة التخندق الطائفي بعيدا عن فضاء المواطنة، وتذهب بالصراع إلى أمدية بائسة أخرى، فعوض أن يصبح الدفاع عن المسيحيين وأي جماعة تستحق الدفاع مسؤولية الجميع، يُعاد ترسيم المهمة وفق خطوط التمايز الديني.
مسؤوليتنا الجماعية هي أن يعيش مسيحيونا بأمان وكرامة، وهو الأمر ذاته الذي يحلم به مسلمونا وكل الجميع منا في هذه البقعة المنكوبة من العالم. تقع علينا نحن أهل المنطقة المسؤولية الكاملة والتامة، قبل أن تكون مسؤولية أي طرف خارجي، وحتى لا يتم تمييع المسؤولية عبر الحديث العام والفضفاض، فإن تلك المسؤولية تبدأ من الناس العاديين. أي الأفراد في الحواضر والأرياف والحارات، ثم تنتقل إلى جمعيات المجتمع المدني ومؤسساته وأهل الرأي فيه.
وأخيرا تصل إلى الحكومات التي هي أفشل الجميع في القيام بأي مسؤولية وطنية، كما أثبتت بجدارة حتى الآن، إلقاء اللوم على الحكومات والجهات الرسمية حتى تقوم بما يجب أن تقوم به من مسؤوليات تجاه العنصرية الدينية والطائفية هو هروب إلى الأمام لا أكثر. عدد لا يُستهان به من هذه الحكومات والأنظمة قائم أساسا على بنية طائفية، لذا لا يُعقل منه أن يقوم بما يناقض بنيته التكوينية.
ومرة أخرى، فإن ما لا نحتاجه في سياق التصدي لهذه المسؤولية هو خطاب التسامح والسماجة في النظرة إلى المسيحيين وكأنهم أطفال يحتاجون إلى حماية ورعاية.
نحتاج إلى خطاب جمعي جديد ومتماسك، سواء في شأن مسيحيي الشرق أم في شأن الجماعات الأهلية المتعددة، إثنيا وطائفيا، خطاب قوامه وأساسه التعايش الندي.
المسيحيون والمسلمون واليهود العرب والأزديون وكل أتباع الأديان لا يمكن أن يتعايشوا إلا على قاعدة المواطنة المتكافئة والتي لا تفرق بين الأفراد بحسب أديانهم ومعتقداتهم، بل تمحضهم المساواة والعدالة بكونهم مواطنين كاملي الأهلية أمام القانون والدستور.
خطاب المواطنة المتساوية وخطاب الانتماء إلى الدولة المدنية هو الخطاب الوحيد، الذي يحمي مسيحيي الشرق ومسلميه وكل مكوناته، سواء أكانوا متدينين أم علمانيين. ويحافظ على إنسانيتهم وتكافؤهم مع بعضهم البعض، أي خطاب آخر سوف ينتقص من هذه الطائفة الدينية، أو تلك الأقلية الإثنية، ويعيد التأسيس لنظرة عنصرية ما، سواء دينية أم قومية.


PUKmedia عن موقعي DW والقنطرة

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket