الرئيس معصوم: داعش فكر اسلامي متطرف بنكهة بعثية

لقاءات 07:42 PM - 2015-02-01
الرئيس معصوم خلال اللقاء

الرئيس معصوم خلال اللقاء

شدد رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم على ان تنظيم داعش فكر اسلامي متطرف، بنكهة بعثية، مؤكداً ضرورة اعادة الاعتبار للجيش.

وأكد الرئيس معصوم في لقاء مطول مع صحيفة الحياة اللندنية، انه لم يكن يتوقع أن يكون رئيساً للعراق. وحين جاءت الفرصة، وجد نفسه رئيسا في زمن «داعش»، ويرى الرئيس معصوم أن المساعدتين الأميركية والإيرانية كانتا حاسمتين في تجنيب العراق أخطاراً أشد من التي يواجهها حالياً. 

وهنا نص الحلقة الأولى:

> أين كنت عندما ظهر أبو بكر البغدادي في الموصل؟

- كنت في لندن.

> برأيك هل يمكن حسم الصراع مع «داعش» في وقت قريب؟

- الصراع مع «داعش» والإرهابيين المشابهين في ظروف العراق ليس مسألة سهلة، فليست لهؤلاء قواعد أو منشآت أو مقرات خاصة بهم يمكن للطائرات قصفهم فيها كما قصف الأميركيون بغداد عام 2003، لذلك نحن نحتاج إلى جملة من الأمور، أهمها توحيد المجتمع العراقي وإنهاء الصراعات الموجودة اليوم، من خلال مشروع السلم الأهلي والمصالحة ونبذ الفرقة، فالصراعات والتقسيمات خطرة جداً على المستقبل، ويجب أن تتم مراجعة المسائل الدينية، فلا يمكن أن نتقاتل حول «سقيفة بني ساعدة»، لماذا نعيد المشهد نفسه اليوم؟

أعتقد أن علينا التركيز على موضوع التربية والتعليم، فيجب أن يحدد المفاهيم التربوية أناس ينتمون إلى هذا العصر، وليس إلى عصور سابقة، وكذلك علينا قطع الطريق على من يبث أفكاراً متطرفة.

> هل تعتقد أن التطرف يزداد في كردستان؟

- بدأ يتصاعد، لكن هناك رجال دين معتدلين يواجهون بشجاعة. نحن في حاجة إلى إعادة تأهيل الجيش، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، فتلك الأجهزة مازالت تعتمد مبدأ الاستخدام المفرط للقوة، وأحياناً يكون هناك ضحايا من الأبرياء بسبب هذا الاستخدام، ولا بد أن تكون لدينا أجهزة محترفة ومتطورة.

> ماذا عن الجيش العراقي؟

- الجيش العراقي تعرض للإذلال في مناسبات مختلفة، لذلك لا بد من إعادة الاعتبار إليه، من خلال الإعداد والتأهيل.

> كيف ترى العلاقة بين الإيرانيين والأميركيين في العراق؟ هل صحيح أن الطائرات الأميركية من فوق وقاسم سليماني على الأرض؟

- في عام 2002، عندما عقد مؤتمر المعارضة في لندن، كان واضحاً أن هناك تنسيقاً أميركياً- إيرانياً. إيران كان بإمكانها أن تخلق مشاكل كبيرة للأميركيين بعد دخولهم العراق من خلال بعض أطراف المعارضة العراقية. هناك صراع بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة، لكن الموقف السياسي تجاه العراق خاص، وأنا قلت لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن في نيويورك إننا لا ننظر إلى إيران بعيون أميركية، مثلما لا ننظر إليكم بعيون إيرانية، أنتم لديكم مشاكل مع إيران، ونحن نبحث عن مصالحنا، فبيننا وبين إيران حدود ممتدة إلى 1300 كيلومتر، وهناك امتدادات روحية بين الناس في العراق وإيران، وكثير من المراجع الشيعية لا يتم النظر إليهم على أساس هويتهم الوطنية أو القومية، بل بصفتهم مراجع لدى الجميع. نحن حريصون على علاقات جيدة مع إيران وأميركا والغرب، وأيضاً دول المنطقة، قد يكون هناك صراع تركي- إيراني، لكن هذا الصراع خارج العراق، وليس من مهمتنا إقحام أنفسنا في صراع لسنا طرفاً فيه.

> بمن التقيت في أميركا غير جو بايدن؟

- التقيت بايدن في جلسة طويلة مفصلة، والتقيت أيضاً جون كيري ثلاث مرات، كما التقيت الرئيس أوباما في احتفال بنيويورك وأبدى تضامنه مع العراق.

> خلال لقاءاتك مع كيري، هل كنت تشعر أن أميركا مهتمة بالاتفاق مع إيران؟

- بايدن وكيري كلاهما أكدا أن بإمكان واشنطن خلق مشاكل لإيران، «لكن لا نريد أن نخلق لهم مشاكل، ولا نريد تغيير النظام الإيراني، ولدينا شيء واحد معهم هو الملف النووي، وإذا تم حل هذا الموضوع فبقية المسائل سوف يتم حلها».

> الدور الإقليمي لإيران لم يكن مشكلة أميركية؟

- أبداً، حتى أن بايدن قال: أبلغوهم (الإيرانيين) بذلك، فسألنا: هل نقوم بدور الوسيط؟ أجاب: لا نريد منكم أن تكونوا وسطاء.

> لم يعد الأميركيون في حاجة إلى وسطاء مع إيران؟

- قال: لا نريد وساطتكم لكن هذا رأينا، وهذا الحديث قيل بحضور مسؤولين أميركيين، ومن طرفنا كان الدكتور إبراهيم الجعفري حاضراً اللقاء، وبايدن بدأ الكلام بالمديح لي ولدوري، وبعد نهاية اللقاء، الذي امتد ساعة، قال لي الجعفري إنه كان من المفروض أن أبادل بايدن المجاملة، فقلت له: والله نسيت.

> ماذا قال أيضاً حول إيران؟

- قال: نحن نستطيع خلق المشاكل لإيران، لكن ليس لدينا معهم إلا الملف النووي.

> هل ترى الإيرانيين؟

- التقيت السيد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قبل مدة، ومنه استمعت إلى رأي أعتبره هاماً. تحدث عن بعض المشاكل المشتركة بين العراق وإيران، ومنها المخاطر البيئية في المنطقة، وأكد ضرورة أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين العراق وإيران والمملكة العربية السعودية.

> الأميركيون لا يريدون خلق المشاكل لإيران، ولكن هل يقوم الإيرانيون بخلق المشاكل لأميركا في العراق؟

- هناك صراع بينهم متعلق بأمور كثيرة، لكن ما يهمنا ألاّ يكون هذا الصراع على أرض العراق، وألا يكون حول مستقبل العراق، ولذلك لا ننظر بعيون أحدهم إلى الآخر.

> برأيك هل يذهب الأميركيون والإيرانيون إلى اتفاق؟

- سيأتي مثل هذا اليوم... اتصل بي مرة الرئيس فرانسوا هولاند وقال: ما رأيك في أن ننظم مؤتمراً على مستوى الاتحاد الأوروبي لإسناد العراق في الحرب على «داعش»؟ وسألني عن الأطراف التي يجب أن توجّه إليها الدعوة، فقلت: دول المنطقة، فقال: أسألك بصراحة، ما رأيك بدعوة إيران إلى المؤتمر؟ فقلت إن ذلك ضروري، وأكد أن رأيه أيضاً مع دعوة إيران، واتفقنا على أن نوجه دعوات مشتركة باسمه واسمي. ولاحقاً اتصل بي وأبلغني أن هناك ضغوطاً عليه لعدم توجيه الدعوة إلى إيران، فقلت له: في هذه الحال أنت من توقّع الدعوات منفرداً، لأننا لا نريد الدخول في مشكلة. وحصل ذلك.

نحن نتحدث بهذه الطريقة مع إيران أيضاً. أتذكّر أن مسؤولاً في مكتب العلاقات مع المعارضة العراقية اسمه أغاي محمدي، جاء إلى أربيل عام 1993 وطلب أن يخطب في الجماهير هناك، فذهبت معه إلى مركز المحافظة وكان هناك حشد كبير، وقلت له إذا كنت تنوي مهاجمة الأميركيين فنحن نرفض ذلك، فلولاهم لما كان بإمكانك أن تلقي كلمة، وهذا ما حصل.

إيران دولة مهمة وجارة وعلاقات الكثير من المعارضة العراقية السابقة معها كبيرة، وهي أول دولة قدّمت الدعم الإنساني والعسكري عند هجوم تنظيم «داعش».

> متى بدأوا الدعم؟

- فوراً. أرسلوا الأسلحة والأعتدة إلى بغداد وكردستان، وكذلك فعل الأميركيون، فلولاهم لما حصل التحشيد الدولي ضد «داعش». لولا المساعدة الأميركية والإيرانية لكان الوضع خطراً جداً، لذلك نحن نرحب بكل هذا الدعم.

في اجتماع الرياض التقيت السفراء العرب هناك واجتمعت بهم، وقلت لهم إننا نتطلع إلى دعمكم وإسنادكم، كل وفق إمكاناته، مادياً أو عسكرياً، وبعض الدول لا نريد منها أكثر من بيان تضامن.

> هل كان انخفاض أسعار النفط شديد الوطأة على الاقتصاد العراقي؟

- اعتمادنا الأساسي على النفط، وهذه هي المشكلة، فالإنتاج الزراعي مهمل، سواء من الدولة أو حتى من المواطنين، وهناك أراضٍ وقرى كثيرة مهملة، بعض الفلاحين يفضّلون العمل في الشرطة أو الجيش. لدي شخصياً مزرعة في كويسنجق بمساحة 83 دونماً، كل عام أدفع مبالغ مالية لمن يحمي المزروعات ويسقيها من دون أن أجني أي ربح منها، بينما في إيران يتلقى المزارع دعماً.

> هل يتجه العراق إلى خفض الميزانية؟

- نعم بالتأكيد، فالعراق ينفق من موازنته نسبة 75 في المئة كموازنات تشغيلية تشمل المرتبات، فيما المصانع التابعة للدولة متوقفة، وهناك آلاف من الموظفين موجودون فيها ويتلقون مرتبات، لدينا مثلاً في البصرة معمل ورق ممتاز، ومعمل حديد وصلب ومعمل للزجاج والنسيج ، لكن جميعها متوقفة، لذلك لا بد من مراجعة شاملة للاقتصاد العراقي، فنحن طوال السنوات الماضية كنا نناقش المواضيع السياسية، ولم يكن هناك انتباه إلى الوضع الاقتصادي للبلد.

> هل يصل الأمر إلى الاستدانة؟

- ضروري. يجب أن نستدين، لا بد أن نبحث عن وسائل مختلفة موقتة، مثل القروض إلى حين تجاوز الأزمة، ودائمة كبحث مستقبل القطاع الزراعي، وبحث موضوع الموظفين الذين لا ينتجون، و «الفضائيين» في الجيش.

> هؤلاء «الفضائيون» هل تم صرفهم؟

- لم يعودوا يدفعون لهم. وفق البرنامج كان يجب أن يتم تعيين عدد إضافي في الجيش، لكن اليوم توقف هذا الأمر، يجب أن نعتمد على الموجودين حالياً، وأن يكون هناك اعتماد أكثر على النوع. فنحن نحتاج ضباطاً وقادة شرطة قادرين على أداء مهامهم، وليس لمجرد وضع النجوم على أكتافهم.

> أين ذهبت البلايين العراقية؟

- إلى مصير غير معلوم.

> هل هناك رقم محدد للبلايين التي ضاعت من الموازنات العراقية؟

- ليس هناك رقم محدد، لكن بالتأكيد هناك بلايين اختفت، أين؟ لا أحد يعرف.

> هل تعتقد أن العراق يعاني من مشكلة في الدستور وأنه كُتِب على عجل؟

- نعم كتب على عجل عام 2005، وكان هناك إصرار على كتابة الدستور من أطراف عدة، وكنا التقينا المرجع الأعلى علي السيستاني مرات عدة، كنت حينها رئيساً للجنة إعداد آليات كتابة الدستور، وكنا نتصل بالشخصيات السياسية والدينية.

> كيف كان اللقاء مع السيد السيستاني؟

- كانت المرة الأولى التي ألتقي فيها السيد السيستاني، وعلى رغم أنه لا يمارس السياسة، كان سياسياً بارعاً، بمعنى فهم أوضاع العراق، وحتى عندما كنا نتحدث عن آلية كتابة الدستور، كان السيستاني مستعجلاً كتابة الدستور. كانت هناك شائعات عن وجود يهودي في أميركا يعد الدستور العراقي، فأصر السيستاني على أن يكتب الدستور عراقيون منتخبون، وكانت مهمة الجمعية الوطنية الأساسية إعداد الدستور، وكانت في الجمعية أعداد السنّة العرب نحو 8 أشخاص، لأن العراق كله كان دائرة انتخابية واحدة، ولم يكن السنّة يشاركون في الانتخابات، ولهذا أصر السيد السيستاني على تغيير قانون الانتخاب وأن تكون كل محافظة دائرة انتخابية، حرصاً على تمثيل السنّة.

> السيستاني أصر على تمثيل السنة؟

- هذا للتاريخ، وإلا فإننا كأكراد كنا نطالب بأن تكون الانتخابات في دائرة واحدة، وكان الشيعة يريدون ذلك أيضاً.

> في لقاءاتك مع السيستاني كيف وجدت حرصه على السنّة؟

- ذهبتُ إلى النجف وزرت السيد السيستاني قبل الذهاب إلى المملكة العربية السعودية. سألته: ما هو رأيكم؟ قال لي إن من الضروري أن تعملوا من أجل توثيق العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وأن هذا الأمر في مصلحة العراق، وكذلك كان موقف بقية مراجع النجف، ولذلك عندما ذهبت إلى الرياض قلت لجلالة الملك إنني أحمل آراء المراجع الشيعية.

> لماذا ذهبت؟ لأخذ رأيهم؟

- كنت أقصد أولاً أن أعرف رأيهم، ونقلت هذا الرأي إلى الملك عبد الله.

> وبماذا رد؟

- امتدح السيد السيستاني وقال إنه رجل عاقل وحكيم وفاضل.

> تعتقد أن للسيستاني دوراً كبيراً في هذه المرحلة؟

- السيد السيستاني مهتم بوحدة العراق، وهو يسعى دائماً إلى أن تكون العلاقات بين المكونات العراقية جيدة.

> ماذا عن رأيه في قضية الخلافات العربية- الكردية؟

- كان موقفه جيداً، لذلك كان التواصل بين السيد السيستاني والقيادات الكردية مستمراً.

> في لحظة غزو العراق السيد السيستاني لم يحض على حمل السلاح ضد الأميركيين؟

- الرجل يفهم في السياسة كما هي، وهو واقعي، جاء الأميركيون بقوة هائلة، بالإضافة إلى قضية التخلص من صدام حسين.

> هل كنت تتوقع أن تكون رئيساً للعراق؟

- أبداً، فقد ذهبت إلى المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني وقلت: إذا اتفقتم على ترشيح شخصية واحدة لمنصب رئيس الجمهورية سأكون مؤيداً، لكن إذا رشحتم أكثر من شخصية فإنني سوف أرشح نفسي، وسافرت إلى لندن، وتوقعت أن يتفقوا على شخص واحد، لكن ما حدث أن الحزب لم يتفق على شخص واحد، ولهذا ترشحت، وحصلت على 34 صوتاً في انتخابات كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان في مقابل حصول منافسي برهم صالح على 24 صوتاً.

> ماذا يتغير في الشخص عندما يصبح رئيساً؟

- معاناته تزيد، كنت أنوي الذهاب إلى لندن والبقاء هناك 6 أشهر وأبدأ بكتابة مذكراتي، لأن لدي عدداً هائلاً من الوثائق الهامة.

> الرئاسة أهم من المذكرات، ما رأيك؟

- الرئاسة مهمة... وأنا أبذل جهدي كي تكون العلاقة مع الرئاسات جيدة، وعندما بدأت العمل عينوا لي ثلاثة نواب من الشخصيات الهامة، نوري المالكي وإياد علاوي وأسامة النجيفي. وبدأت للمرة الأولى في اجتماعات بين الرئاسات، بحث القضايا المطروحة، وخصوصاً البحث عن الموازنة والخصخصة.

> هل تجتمع مع نواب الرئيس باستمرار؟

- اجتماعات الرئاسات تشمل النواب أيضاً.

> هل هناك غرفة عراقية تتسع للمالكي وعلاوي والنجيفي؟

- غرفتي صغيرة ونجلس باستمرار. مرة سألوني عما إذا كان الاجتماع أسفر عن معركة، فأجبتهم أن النواب كانوا أحياناً يناقشون «مسابح» بعضهم وأنواعها، وفي الصور ظهروا وهم يضحكون.

> ماذا عن مهماتهم؟

- أولاً ليس هناك نائب أول وثانٍ، وثانياً ليس هناك مهام محددة، لكنني أصدرت قراراً بأن يتابع أياد علاوي المصالحة الوطنية وأن يتابع النجيفي تحرير نينوى.

> ماذا عن المالكي؟

- أعتقد أن لديه متابعة لقضية الخصخصة والمعامل والمصانع.

> ماذا يتغير في اهتمامات الشخص عندما يصبح رئيس جمهورية؟

- مع تكليفي اجتمعت مع عائلتي وقلت لهم إن وضعي سوف يتغير، ولن أجد وقتاً للالتزام بمواعيدي معكم، وتقبّلوا الوضع الجديد. وكنت في الحقيقة مشغولاً خلال الشهور الماضية إلى درجة أنني لم أكن أراهم.

> لديك الحق في ولايتين أليس كذلك؟

- نعم، لكنني سأكتفي بولاية واحدة.

> لماذا؟

- عمر الإنسان مهم، أنا من مواليد 1938... لكن عندما تم انتخاب الرئيس الباجي قائد السبسي في تونس قلت إن هذا الانتخاب رفع من معنوياتي (ضحك).

> من مواليد أي مدينة؟

- كويسنجق بين إربيل والسليمانية، وهي مدينة تاريخية.

> أين درست؟

- درست في المرحلة الأولى في مدرسة والدي، وكان رجل دين، وكان دراسة دينية، ثم أتيح لي الذهاب إلى مصر ودرست في كلية الشريعة والقانون هناك، ولكن غيّرت الدراسة إلى اللغة العربية في جامعة عين شمس، فلم يتم قبولي، مع أنني كنت معجباً بعبد الرحمن بدوي وأحضر دروسه باستمرار. في النهاية ذهبت إلى قسم الفلسفة في جامعة الأزهر، وحصلت من هناك على الماجستير ثم الدكتوراه، وكان موضوع تخصصي في «إخوان الصفا».

> لماذا «إخوان الصفا» تحديداً؟

- كان مسؤول البحث محمد غلاب، وكان من كبار أساتذة الفلسفة، وعندما عرف أنني من العراق نصحني بالكتابة عن إخوان الصفا، والغريب أن أول تعيين لي بعد نيل الماجستير كان في جامعة البصرة، وهي المكان الذي ظهر فيه «إخوان الصفا» كجمعية فلسفية. ولاحقاً عدت إلى دراسة الدكتوراه في الموضوع نفسه.

> جيد أن يكون لرئيس العراق خلفية في الشريعة ليناقش مثلاً البغدادي؟

- قيل لي إن رئيس الوزراء في العراق أصبح إسلامياً شيعياً ورئيس البرلمان إسلامياً سنّياً، ورئيس الجمهورية أزهرياً، فقلت لا... أنا علماني.

> استغربت ظهور «داعش»؟ كيف كان تفسيرك؟

- نعم استغربت ظهورهم بهذا الحجم، وتفسيري أن «داعش» يجمع بين الفكر المتطرف لدى بعض الفرق الإسلامية المعاصرة وغير المعاصرة، إلى جانب فكرة حزب البعث، واستفادوا من تجارب المجموعات الدينية المتطرفة من حسن الصباح إلى قسم من الخوارج.

> بماذا يشبه البغدادي حسن الصباح؟

- يشبهه في استخدام العنف والهيمنة باسم الدين أو المذهب، ففي البداية كان «داعش» يرفع شعار حماية السنة، لكنهم بدأوا الهجوم على الأيزيديين والمسيحيين والشيعة ثم هجموا على السنّة وقتلوا الكثير من أبناء العشائر السنّية، فهؤلاء يبحثون عن الهيمنة والسيطرة ولا يمثلون مذهباً أو ديناً.

> قلت إنهم يجمعون بين الفكر الديني المتشدد والفكر البعثي؟

- نعم، عندما تحلل اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يشير المصطلح جغرافياً إلى الدول المعروفة باسم الشام، سورية ولبنان والأردن وفلسطين، بالإضافة إلى العراق، وقديماً كان البعثيون يقولون «ليس بين الشام والعراق حد، هدم الله ما بنوا من حدود». البغدادي احتكّ خلال إقامته في السجن في العراق ببعثيين حاقدين متطرفين. أسلوبه يستوحي أسلوب المغول في نشر الرعب، وهو يشبه حسن الصباح في تجنيد الانتحاريين.

> قضية اجتثاث البعث، هل كانت غلطة برأيك؟

- الجميع، حتى أولئك الذين يقولون اليوم إنهم لم يكونوا موافقين، كانوا موافقين حينها.

> كان الكل موافقاً على اجتثاث البعث؟

- نعم، وكذلك على حلّ الجيش العراقي، لأن الجيش كان قد حُلّ بالفعل بعد هرب قياداته.

> وهل سأل بريمر أحداً قبل حل الجيش العراقي؟

- لا لم يسأل أحداً، لكن الجيش لم يكن موجوداً في الأساس، فالكل لبس «دشداشة» وذهب إلى بيته، من كبار الضباط إلى صغارهم، لذلك أقول إن ما حدث في الموصل للجيش لم يكن غريباً.

> تعرض الجيش العراقي إلى مآسٍ كثيرة؟

- تعرض الجيش لهزّات وقدّم خسائر في الحرب العراقية- الإيرانية ثم في غزو الكويت، وتعرّض للإذلال في اتفاقية صفوان، ثم في احتلال العراق، وأيضاً في سياسة حزب البعث ونظام صدام حسين ضد العسكريين، إذ كان يعتبر الضباط الكبار مشروع تهديد، وكثيراً ما أعدمهم. جاء بنائب ضابط مثل حسين كامل وجعله فريقاً والحال نفسه مع علي حسن المجيد. صدام كانت لديه مظاهر الدولة لكن لم تكن لديه عقلية الدولة، كانت لديه مجموعة من المفاهيم الغريبة، فهو حزبياً يقتدي بستالين ويعتبره مثلاً أعلى وقلّده في تصفية من يشك في ولائهم، وفرض الحزب على الناس. هناك من أقنعه بأنه يمكن أن يكون زعيماً عربياً أو عبد الناصر جديداً مع إمكانات نفطية هائلة، خصوصاً في السبعينات. ثم هناك تجربة الاحتلال وانفراط عقد الجيش وبعدها النزاعات المذهبية والقيام بتعيينات استناداً إلى معطيات غير مهنية. وهذا يفسّر ما حصل للجيش.

> هل لديك هواجس أمنية، مثل التعرض للاغتيال؟

- لدي قناعة بالقدر، وأحياناً كان بيني وبين الموت شبر واحد، وقُتل مرة من كان يجلس إلى جانبي نتيجة قصف مدفعي إبان الثورة الكردية. عام 1985، وبعد فشل المفاوضات مع بغداد، كنت مع السيد نيوشروان مصطفى عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني، وهو الآن شكّل حركة «التغيير»، وكان هناك اجتماع للمكتب في الجبل خلف منطقة دوكان. كانت السيارة توصلنا إلى الجبل ومن هناك نصعد مشياً. عندما صعدنا كانت هناك قناة مائية وفوقها جسر خشبي، فوقفنا على الجسر، لثوان تبين وجود لغم معد للتفجير لحظة وصولنا بالضبط، وبالفعل حدث التفجير فسقطت عن الجسر وأُصبت في مناطق مختلفة من جسمي، قالوا لي لاحقاً إن هذه عبوة ديناميت وإن تأخُّرَنا ثواني قبل عبور الجسر أنقذنا من موت محقق، على رغم إصابتي وعدد من مرافقيَّ، ومازالت الشظايا في جسمي حتى الآن، شظية في رأسي واثنتان في فخذي، وكان النظام مسؤولاً عن العملية.

> شاركت في القتال الكردي؟

- لم أشترك في القتال، لكن كنا ننتقل من موقع إلى آخر ونتعرض للقصف.

> لديك علاقة طويلة مع جلال طالباني؟

- نعم، فنحن من مدينة واحدة هي كويسنجق، أنا كنت في الصف الثاني الابتدائي وهو في الصف السادس الابتدائي، في مدرسة اسمها «الابتدائية الأولى»، ورأيت مام جلال في المتوسطة، ففي المناسبات كان عدد من زملائنا يذهبون معه وهو في عمر 15 سنة إلى مجالس العزاء لمواساة أصحاب العزاء، وكان يتقدمهم، وكان أمراً فريداً أن يكون لشخص في هذا العمر هذا الحضور.

مام جلال كانت نزعته القيادية موجودة لديه في مقتبل العمر، وأيضاً هو دخل الحياة الحزبية في عمر صغير، وتنقل بين كركوك والسليمانية وأربيل، ثم انتقل إلى سورية ثم الصين وموسكو وهناك التقى ملا مصطفى بارزاني، ثم عاد ودخل كلية الحقوق وتخرج منها، وأصبح ضابط احتياط باعتباره متخرجاً من الكلية، لكنه لم يخدم.

> هل هناك مقر للرئاسة في إقليم كردستان؟

- لا... كان من المفروض أن نفتح مقراً دائماً للرئاسة في أربيل، لكن وضع الموازنة اليوم ربما لا يسمح.

> ما هي علاقتك بالمالكي؟

- المالكي صديقي منذ زمن، فقد كنت رئيساً للجنة مناقشة الماجستير للمالكي في كردستان، وكان موضوع رسالته «الشِّعر في ثورة العشرين- أبو المحاسن نموذجاً»، وسجّلت في الجامعة العربية ببيروت.

> صداقة قديمة إذاً؟

- نعم، حتى أن المالكي لم يكن يتوقع أن أرشح شخصاً آخر إلى منصب رئيس الوزراء.

> ماهي علاقتك بالشعر؟

- أحب الشعر

> من يخطر ببالك من الشعراء؟

- معجب جداً بالمتنبي، وأيضاً بالجواهري.

> هل تتذكر شيئاً للمتنبي؟

- للأسف لا أحفظ الشعر.

> لماذا تحب المتنبي؟

- العاطفة والخيال غزيران لديه، هناك متانة في صوغ القصيدة. أحب أيضاً شعر نزار قباني وعبد الرزاق عبد الواحد.

> بماذا يشغلك نزار قباني، المرأة مثلاً؟

- أشعر أنه قريب من أبو فراس الحمداني لكن كل واحد يعبّر بطريقته، كالصورة التي ينقلها بيت أبو فراس: «أقول وقد ناحت بقربي حمامة أيا جارتا لو تشعرين بحالي»، هذه روح نزار قباني نفسها لكن بصيغة مختلفة.

> دعني اسألك سؤالاً صريحاً... أين ترتاح للنوم أكثر، في بغداد أم في السليمانية؟

- أستطيع القول إن الشعور نفسه... أنا من سنة 1958 وحتى اليوم لم استقر في مكان واحد، كنت في القاهرة 14 عاماً، وفي سورية وكردستان سنوات متنقلاً، وفي لندن سكنت سنة تقريباً في عام 1991، وهذا التنقل ترك أثراً لدي.

> أن تنام في منطقة متجانسة يكون سكانها أكراداً مثلاً، ألا يفرق عن أن تنام في منطقة متنوعة وفيها نزاعات؟

- كن على ثقة أني لا أفرّق كثيراً، ربما في كويسنجق الأمر مختلف، فهي مسقط رأسي وفيها أقربائي وأشعر فيها بانتماء، أما السليمانية فإنها مركز روحي بالنسبة إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني.

> هل تعتقد أنك آخر رئيس كردي للعراق؟

- العلاقات الآن جيدة، وإذا استمرت التركيبة العراقية الحالية يمكن أي شخص أن يصبح رئيساً للجمهورية. من جانبي قررت أن هذه ولايتي الوحيدة، سواء كانت صحتي جيدة أم لا، ولن أعمل لولاية أخرى.

> لا تحب السلطة؟

- لا... طبيعة رئاسة الجمهورية في العراق تسمح لي بأن أنام في بيتي، ويمكن ألاّ أتحرك. أنا اخترت التحرك، وأنوي أن اقدم مشروع قانون لرئاسة الجمهورية، لأن الدستور لا ينص على صلاحيات واضحة لرئيس الجمهورية، فالمادة الدستورية بلا قانون مادة جامدة، أعمل من أجل أن يكون لرئيس الجمهورية قرار.

> هل هناك صلاحيات للرئيس؟

- الدستور يمنح الرئيس صلاحيات التدخل، لكن بلا قانون، والآخرون يمكنهم أن يقولوا إن الرئيس لا يملك صلاحيات.

> متى تنتهي ولايتك؟

- في 2018.

> ما هي هواياتك؟

- القراءة بشكل خاص.

> ماذا تقرأ؟

- كتب المذكرات بشكل خاص، في السابق كنت أقرأ الفلسفة والأدب.

 

وهنا نص الحلقة الثانية:

في مقهى في القاهرة التقى شابان عراقيان مصادفة. اسم الأول صدام حسين والثاني فؤاد معصوم. الأول عربي بعثي من تكريت. والثاني كردي من شمال العراق. ولعلهما لم يتوقعا آنذاك أن يحملا ذات يوم لقب «الرئيس العراقي». سيلتقي الرجلان مرة أخرى في عهد صدام الصاخب ولكن في سياق التفاوض حول حقوق الأكراد.

سألت الرئيس فؤاد معصوم عن بعض المحطات قبل توليه الرئاسة، وهنا نص الحلقة الثانية الأخيرة.

> هل تذكر لقاءك الأول مع صدام حسين في القاهره؟

- لم نكن نعرف بعضنا، التقيته في المقهى مرات عدة. كان موجوداً هناك. والعراقيون في شكل عام، وأنا كنت من ضمنهم، كنا نراه شاباً شجاعاً شارك في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم.

> كيف كان؟

- لم يكن فيه شيء مثير، باستثناء مشاركته في تلك العملية، كنا نعلم أنه كان طالباً في كلية الحقوق في القاهرة، ولم يكن يحضر الدروس. هذا ما سمعته من زملائه.

> تبدلت الأيام والتقيت صدام حسين مرة ثانية، كيف؟

- وهو رئيس جمهورية العراق، كان اللقاء بعد مفاوضات لأكثر من سنة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحكومة العراقية في سنة 1984.

> عن ماذا كانت المفاوضات؟

- حول إعادة النظر في قانون الحكم الذاتي وموضوع تطبيع الوضع في كركوك والمنظمات الديموقراطية، وكذلك بالنسبة إلى الجبهة العراقية (الجبهة الوطنية القومية التقدمية) التي كانت موجودة في الحكم كانت تضم حزب البعث، وفي شكل نظري، الحزب الشيوعي وبعض الأحزاب الكردية، وبعض الأحزاب العربية. هذا ما سمعناه منهم ولكن لم أر أحداً من هذه الأحزاب. في تلك الفترة كنت رئيس الوفد ومن الطرف الآخر كان علي حسن المجيد، ووقّعنا على خمس أوراق عن قانون الحكم الذاتي وتطبيع كركوك والجبهة الوطنية، والمنظمات الديموقراطية، ولكن اختلفنا على موضوع البيان السياسي، ووجدنا أنه حمل مدحاً للحكومة باعتبارها حكومة ثورية وباعتبارنا متآمرين وانقلابيين.

> كان ذلك أثناء الحرب العراقية - الإيرانية؟

- المفاوضات بدأت عندما مُني الجيش العراقي بانتكاسات على الجبهات. في أحد الأيام سأل السيد عبدالرحمن قاسملو الأمين العام للحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، صدام حسين، وكانت له علاقة معه: لماذا لم تستفد من الكرد في العراق وتجعلهم يشتركون معك في قتال إيران؟ وركز قاسملو على مام جلال (الطالباني)، فقال صدام أنه مستعد. وبالفعل دخل قاسملو بين الطرفين حتى إنه حضر الاجتماع الأول بين وفد الاتحاد الوطني برئاسة الطالباني والحكومة العراقية برئاسة صدام حسين، واستمرت المفاوضات لأكثر من سنة، وتوقف القتال بين الطرفين. احتفظنا بأسلحتنا في مناطقنا في مقابل أن لا ندخل أسلحة إلى المدن، وزارنا عزة الدوري وعلي حسن المجيد حينذاك.

بدأ العراق يعيد ترتيب جيشه ويحقق بعض الانتصارات، وكان من المفروض الإعلان عن هذه الاتفاقية. وكنا جالسين في غرفة مع عزة الدوري، فاستأذن وقال: عليّ أن أذهب إلى الرئيس وأبلغه بأننا اتفقنا على كل شيء وسنعلن الاتفاقية، فقلنا له أن لدينا ملاحظات على البيان، وأجاب أن الرئيس هو الذي سيتكلم معكم، فذهب بالفعل، وعاد ولم يكن بالحماسة نفسها.

كان الاتفاقية على أن دخولنا إلى «الجبهة الوطنية» مرهون بخروج الأحزاب الكردية التي كنا نعتقد أنها شكلية. وقلنا إذا حدثت انتخابات للمجلس الوطني وحصلت هذه الأحزاب على مقعد واحد في البرلمان، فلها الحق بالوجود في الجبهة، وإذا لم تنجح تخرج من الجبهة. وبعد يومين شاهدنا صدام حسين، وفي الطريق إليه سأل الطالباني عزة الدوري وكان مع علي حسن مجيد ما إذا كان هناك وفد تركي قد تزامن وجوده مع وجود الوفد الكردي، فبدأ عزة الدوري يشتم الأتراك وتركيا، ما يعني أنهم تدخّلوا ضد هذا الاتفاقية.

كان معروفاً أن ضيوف صدام حسين يجلسون لانتظاره، لكن، عندما ذهبنا إلى مكتبه كان صدام واقفاً أمام صالة مكتبه ينتظرنا. سلمنا عليه وبقينا لمدة ساعتين تقريباً. خلال اللقاء كان صدام مهذباً جداً ولطيفاً. لكنه قال جملة استوقفتنا وهي «حتى إذا لم نتفق نحن مستمرون في التزاماتنا». عندما خرجنا من هذه الجلسة، كان رأيي أن هذه الاتفاقية لن تحصل، لأن معنى ما قاله صدام حسين أن هناك شكاً في الاتفاقية، وعندما يقول «نحن مستمرون في التزاماتنا» يعني في المقابل أن عليكم الالتزام، وفعلاً، بعد شهر ونصف الشهر أرسل صدام وفدين لمنعنا من إعلان قطع المفاوضات، ولكن، في يوم 17 - 1 - 1985، أعلنّا قطع المفاوضات مع الحكومة العراقية واستأنفنا القتال من جديد.

> وماذا تتذكر أيضاً من هذا اللقاء مع صدام؟ هل تكلم عن الحرب العراقية - الإيرانية؟

- كنتُ مع الطالباني وفريدون عبدالقادر وعمر عبدالعزيز، وبدأ مام جلال بالتعريف بنا، بدأ صدام يتكلم عن دور العراق وعظمة العراق وأهمية تاريخ العراق ونبوخذ نصر والسومريين والآشوريين. تكلم عن كل هذه الأمور ما يقارب 20 دقيقة، وفي النهاية بدأت الكلام عمّا أنجز من الاتفاقية وما لم ينجز ونقاط الاختلاف، وتكلم الزملاء الآخرون كل واحد في ناحية من النواحي، لكن مام جلال لم يتكلم تقريباً. في النهاية قال صدام حسين جملته: «حتى إذا لم نتفق نحن مستمرون في التزاماتنا تجاهكم».

> لم يتهمكم بالتعامل مع إيران؟

- كان مهذباً جداً في طريقة التعامل، وكان هادئاً ولم يتكلم عن إيران.

 

قضية كركوك

> خلال المفاوضات بحثتم وضع كركوك، على ماذا اتفقتم؟

- في أحد أيام الزيارة، لم يكن هنالك اجتماع. كانت الساعه 12 والنصف ظهراً، أخبرونا فجأة بوجود اجتماع في القيادة القومية، ولم يكن لدينا أي علم بالموضوع. وفي الساعة الواحدة والنصف وصلنا إلى المكان المحدد، فإذا بنا نفاجأ بطرح موضوع كركوك، بغية إحراجنا، حيث لم نكن مهيئين لهذا الاجتماع. مثل هذه الاجتماعات تكون طويلة وتستمر لساعات ما يعرّضنا للتعب والإرهاق، وقد تمرر علينا بعض الأمور المهمة التي تهم قضية كركوك. طرح مشروع التطبيع في كركوك بعد مناقشات على كل المواد. وكانت النقطة الأولى هي رفع الحظر عن إطلاق الأسماء الكردية على المحال التجارية والأحياء السكنية، والثانية رفع الحظر عن سكن الأكراد وإعادة بناء دور سكنية للمواطنين، وتم التوقيع على الاتفاقية حوالى الساعة 5 حين انتهى الاجتماع وعدنا إلى الفندق وكنا في غاية التعب، ولكن شعرنا بانتصار كبير. فاجأنا خبر من مدير مكتب علي حسن مجيد بوجود خطأ في طبع الاتفاقية وطالبنا بإعادة كل نسخها لتصحيحها والتوقيع عليها من جديد، لكننا أخبرناهم أن نسخة الاتفاقية أرسلناها إلى السيد جلال الطالباني، وأن سائقاً كان ينتظرنا في باب الفندق لنقلها. بعد ذلك عرفنا أن صدام حسين رفض الاتفاقية وأمرهم بالرجوع عنها. وفي الحقيقة قمنا بإرسال الاتفاقية إلى السيد جلال الطالباني صباح اليوم التالي.

> هل كان التفاوض مع علي حسن المجيد وعزة الدوري صعباً؟

- نعم، كان التفاوض مع عزة الدوري صعباً وكان ينفعل في بعض الأحيان. كان يشترك في الحوار عندما يكون السيد الطالباني والسيد مسعود بارزاني موجودين. عندما يحضر أي منهما كان عزة الدوري يحضر وإذا لم يحضر كان طارق عزيز يحضر.

> كيف كان طارق عزيز؟

- كان دور طارق عزيز في مفاوضات عامي 1991 و1992 أكبر.

> فلننتقل إلى سنة 1991، ما قصة هذه المفاوضات؟

- في اتفاقية صفوان بين التحالف الدولي والعراق لإخراج القوات العراقية من الكويت، حصل العراق على حق استخدام طائرات الهليكوبتر للتنقلات. وعندما بدأت الانتفاضة في الجنوب ضربوها من خلال هذه الطائرات، وبعد إخماد الانتفاضة في الجنوب وإخماد انتفاضة كردستان في ما بعد وهجرة مئات الآلاف من العائلات الكردية إلى تركيا وإيران وسورية، كان رأينا أن من الضروري عندما نجد فرصة للتفاوض مع العراق أنه لا بد من أن نبدأ به لئلا تكون قضيتنا غداً قضية لاجئين مثل قضية فلسطين، كما أن صدام حسين كان هذه المرة مختلفاً عن عام 1984، بعد أن وُضِعت القيود على جيشه.

بدأت المفاوضات بالفعل وكان الرئيس الطالباني هو رئيس الوفد وأنا لم أشارك فيه، وفي الجولة الثانية شارك السيد بارزاني وشاركت أنا ممثلاً الاتحاد الوطني الكردستاني، وعلى هذا الأساس بدأ الحوار مع الحكومة العراقية. كنت ألاحظ أنه عندما تكون الأجواء داخل الحوار إيجابية كنا نرى طارق عزيز يتشدد، خصوصاً عندما نبدأ صوغ ما دار في هذه الجلسات. وعندما يرى الأجواء متوترة كان يجاملنا كثيراً، وهذا ما كنا لا نفهمه أحياناً، وفسرنا الأمر بأن طارق عزيز، في قرارة نفسه، لا يريد أن نصل إلى اتفاق، حتى لا يقوى مركز صدام. وبالنتيجة فشلنا لسببين، الأول أن صيغة البيان كانت تتضمن إدانة للدول التي شاركت في إخراج العراق من الكويت، ولم نكن موافقين على هذا الأمر، والثاني تضمّن البيان مديحاً كثيراً لصدام، واقترحت أن يقرأ الرئيس شخصياً هذا البيان لتعديله، فقال طارق عزيز: «أنا أفهم ما المقصود». لم تتم الاتفاقية أيضاً على طلبنا بطرح قضية كركوك، وقالوا أنه لا يمكن بحث هذا الموضوع، بينما لدينا منذ سنة 1984 ورقة موقّعة من الطرفين باسم التطبيع في كركوك.

> حضرت المفاوضات إلى جانب بارزاني؟

- كان رئيس الوفد مرتين، مرة مع السيد نوشيروان مصطفى من جانب الاتحاد الوطني والمرة الثانية أنا حضرت. ومن جهة حكومة بغداد حضر عزة الدوري ولاحظت أنه يتمتع بذاكرة قوية جداً، وكان دائماً يبحث عمّا يمكن الاتفاق عليه.

> وعلي حسن المجيد؟

- على العكس، وكذلك حسين كامل وزير الدفاع.

> هل كان حسين كامل عنيفاً؟

- نعم، مرة قررنا الخروج من الاجتماع احتجاجاً على ألفاظ قاسية استخدمها حسين كامل.

> كيف كان علي حسن المجيد يتحدث معكم؟

- كنا نتحدث عن رقم الضحايا الأكراد في عملية الأنفال وهو 182 ألف ضحية. وكان علي حسن مجيد يحتج ويقول: «أنتم تقصدونني بهذا الكلام؟»، وقلنا إن هذه القضية تتعلق بمسائل قانونية وبهؤلاء الضحايا وعائلاتهم، وهي قضية إنسانية كبيرة فكيف لا نتكلم عنها. عندذاك قال أن الأعداد التي كنا نطرحها للضحايا كبيرة وأن الحقيقة غير ذلك، ويقول السيد محمود عثمان الذي حضر الاجتماع أنه سمع علي حسن المجيد يردد أن العدد لا يتجاوز 50 ألف قتيل!

> تكلمتم عن قصة حلبجة، وسبب قصفها؟

- كنا نركز على نقاط الاتفاقية أكثر، لنضمن أن مثل هذه الحالات لن تتكرر مستقبلاً.

> بارزاني كان حاضراً الاجتماع والتقى صدام حسين؟

- نعم، مرات عدة لكن لم نكن نرافقه إلى هذه اللقاءات. الوفد المشارك كان يتكون مني عن حزب الاتحاد الوطني ومحمود عثمان وعدنان المفتي عن الحزب الاشتراكي، وسامي عبدالرحمن عن حزب الشعب.

> هذا كان آخر اتصال مع نظام صدام؟

- بين وقت وآخر كانوا يرسلون بعض المسؤولين، مثل مدير الاستخبارات.

> من تعرف من رؤساء الاستخبارات العراقية؟

- كنت تعرفت إلى فاضل البراك، وأتذكر أن سلوك البراك كان يشبه سلوك طارق عزيز، بمعنى أنه عندما يجد الأجواء لطيفة يتشدد ويخلق أزمة في الحوار، وعندما تكون الأجواء متوترة كان يجامل.

> هل كان صدام حسين يحاول اللعب على التناقضات بين بارزاني والطالباني؟

- لم نلاحظ هذا، ففي أحد اللقاءات كان الطالباني وبارزاني موجودين في بغداد في عام 1992.

> لم يحدث تفاوض بعد 1992؟

- لا، لكنهم كانوا يرسلون أحياناً مسؤولين، مثل مدير المياه وكان يبحث قضية المياه في سدي دوكان ودربندخان. ومرة جاء مسؤول بعد أن بدأنا في فتح بعض آبار النفط في قرية قريبة من كويسنجق. كنا حينذاك في حاجة إلى النفط، وكنا نتعرض لحصار حكومي، فقام بعض المهندسين بفتح بعض الآبار، وكان رأيي أن نعود إلى طريقة استخراج النفط بأساليب بسيطة كانت قبل 70 سنة وهذا ما حدث. وأنتجنا نحو 45 برميل نفط في اليوم وتصاعد الإنتاج، وكنا نعتمد عليه.

> متى أبلغكم طالباني بأن الأميركيين سيشنّون حرباً لاقتلاع نظام صدام حسين؟

- في فترة عقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن 2002 من 15 إلى 17 كانون الأول (ديسمبر)، كان مام جلال والسيد بارزاني وآخرون قد ذهبوا في رحلة سرية إلى الولايات المتحدة، تم إبلاغهم بوجود هجوم على العراق، وكان هناك مجموعة مسؤولين أميركيين تتابع أخبار المؤتمر، منهم زلماي خليل زاد، وكان الجميع يؤكد أن الهجوم سيبدأ.

> عدت إلى كردستان قبل الهجوم الأميركي؟

- نعم، لأنني كنت عضواً في المكتب السياسي في الاتحاد الوطني.

> مع سقوط صدام حسين، تردّد أنه قبل تشكيل مجلس الحكم اقترح الأميركيون تشكيل حكومة انتقالية برئاسة جلال الطالباني، لكن ذلك لم يحصل...

- كان الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر هو من تسلم مسؤولية إدارة الأوضاع في العراق، وكان يعمل على تشكيل حكومة انتقالية موقتة، وطلب من السيدين بارزاني والطالباني أن يكونا في بغداد، للمساعدة، لكن مسألة تشكيل مجلس الحكم وضم شخصيات إليه كانت معقّدة، وجرى جدل حول حضور أو شعبية هذه الشخصية أو تلك. فوجئنا لاحقاً بقرار الأميركيين اعتبار وجودهم في العراق احتلالاً، وكانت مفاجأة غير سارة وغير مقبولة لدى الأطراف العراقية المختلفة، كما كانت لدينا فكرة بأن نبعث وفداً إلى أميركا لإعادة النظر في هذا القرار، لكن جاء بول بريمر وقتذاك، وكان يتصرف كديك منفوخ، وحدثت مواجهات معه.

 

تأسيسات بريمر

> بريمر، مع من؟

- مرة مع مام جلال، وأكثر من مرة مع أحمد جلبي، ومرة مع محمود عثمان وآخرين. في تلك الفترة لم تكن هناك فكرة اختيار رئيس وزراء، فمجلس الحكم كان المفروض أن يكون الطرف الذي يقرر، لكن، في ما بعد تم تقسيم الوزارات من دون اختيار رئيس وزراء، وفي نهاية حقبة بريمر وهو على وشك المغادرة، حدثت اتفاقات على أن يشكل مجلس رئاسة من غازي عجيل الياور وإبراهيم الجعفري وروز نوري ساويش، وتم اختيار أياد علاوي لرئاسة الوزراء، وتشكيل المؤتمر الوطني الموقت الذي لم تكن له صلاحيات تشريعية.

قانون إدارة الدولة، كُتب على عجل، ولم يتضمن آليات انتقال السلطة ولهذا كتب ملحقان للقانون، ملحق بتشكيل المجلس الرئاسي، والثاني بتشكيل المجلس الوطني الموقت. كان الأميركيون يستعجلون كثيراً، وأثّر هذا الاستعجال في الدستور.

> التقيتم الخميني في باريس ثم في طهران، ماذا تذكرون؟

- قلنا له أننا على استعداد للتعاون معكم، ومن خلال خبراتنا بإمكاننا تدريب كوادركم عسكرياً، وأيضاً بإمكاننا إيصال الأسلحة إلى داخل إيران، فقال أن نضالنا اليوم هو نضال سلمي، يعتمد على حملة «الله أكبر» - حينذاك كان الإيرانيون يرفعون التكبير في وقت محدد من سطوح منازلهم، استجابة لطلب الخميني – ولكن، إذا لم ننجح بهذه الطريقة سنضطر إلى حمل السلاح وحينذاك سنحتاجكم، وسألنا أيضاً عما إذا كنا نطلب شيئاً، فأجبناه: لا شيء، فقط تمنياتنا لكم بالتوفيق. وعندما عاد الخميني إلى طهران، زرناه مرة أخرى ورحبنا به، عائداً إلى بلده، بعد انتصار الثورة، وتكلمنا معه عن أسلحة كانت موجودة للثورة الكردية في مخازن إيران العسكرية، فقال: أنا رجل دين ليس لدي علاقة بالحكومة، قلنا له: صحيح لكن توجيهاتك مهمة، فأبلغ حفيده السيد حسين الخميني بأن يذهب معنا إلى السيد رئيس الوزراء مهدي بازركان لمساعدتنا، وبازركان كلف وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأمر واسمه داريوش فروهر الذي قتل في ما بعد مع زوجته، وكان وزيراً ورئيس حزب «ملتي إيران». لاحقاً زار مام جلال إيران والتقى الإمام الخميني.

> هذه الأسلحة من أين جاءت؟

- هي أسلحة الثورة الكردية، قسم منها من الجيش العراقي وآخر من الخارج وقسم منها أسلحة إيرانية كانت مصادرها متعددة.

> ليس من سورية أو ليبيا؟

- لا، تعاوننا مع سورية حدث لاحقاً.

> هل كان الإيرانيون يؤيدون توليك الرئاسة في العراق؟

- لم يبلغوني بأنهم مع تعييني أو ضده، لكن السفير الإيراني هنأني، وتسلّمت رسالة من الرئيس حسن روحاني.

> هل استقبلت قاسم سليماني عندما أصبحت رئيساً؟

- التقيته قبل ذلك في إيران ضمن وفد برلماني، وكانت والدة قاسم سليماني توفيت فذهبنا إلى مجلس العزاء لتعزيته والتُقطت صور لنا وتمت مهاجمتنا في الصحف. لي معرفة مع قاسم سليماني من وقت طويل، من أيام نضالنا.

> تعرف قاسم سليماني من الثمانينات؟

- أعرفه من نهاية الثمانينات، كان يتابع موضوع المعارضة العراقية.

> هل أصبحت مواصفات الرئيس أن يكون كردياً وأيضاً أن يتحدث الفارسية؟

- لا طبعاً... أنا تعلمتُ الفارسية في القاهرة مصادفة، من خلال طلاب أفغان كانوا يدرسون ويتحدثون بالفارسية، كما أن للغة الكردية كلمات كثيرة مشتركة مع الفارسية، كما لها كلمات مشتركة مع العربية.

> بمن التقيت من الزعماء بعد توليك الرئاسة؟

- التقيت الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، والسيد حسن روحاني في نيويورك، وأيضاً الفريق السيسي والرئيس التونسي السابق المرزوقي، كانت هناك دعوة خاصة من الأمين العام للأمم المتحدة للرؤساء وزوجاتهم. لاحظنا أن الرئيس المرزوقي يتجول كأنه تائه فذهبنا للسلام عليه.

> أيضا فرنسوا هولاند؟

- نعم، التقيتُه في بغداد وباريس.

> لا أسمع شيئاً عن روسيا عندما أكون في بغداد.

- هناك وفد سيأتي إلى بغداد، روسيا مهتمة أكثر بالاستثمار.

> كنت تعرف الملا مصطفى بارزاني؟

- نعم. التقيتُه مرات عدة، فقد كان والدي الملا معصوم صديقاً للملا مصطفى بارزاني. وكان والدي من الشخصيات المعروفة وهو رجل دين الأول الذي وقف في وجه عبدالكريم قاسم عندما انطلقت الحركة الكردية، طلب منه أن يبعث ببرقية تهنئة إلى قاسم، فقال أن برقية رجل الدين تعني فتوى، وأنا لا أفتي بأن عبدالكريم قاسم على حق وأن الحركة الكردية على خطأ، وهاجم قاسم وتعرض للاعتقال في سجن الفضيلية الانفرادي قرب بغداد، لمدة سنة. بعد تدخل عدد من الشخصيات أُطلِق سراحه، فترك بلدته كويسنجق والتحق بالثورة الكردية. كنا ننظر إلى بارزاني بإعجاب كبير منذ صغرنا، فهو رجل شجاع وكان رئيس أركان الجيش في جمهورية مهاباد، وقد التقيتُه مرة حاملاً رسالة من شوكت عقراوي وكان ممثل الحركة الكردية في القاهرة، وكنت أنا مساعداً له، وكانت الرسالة هي مذكرة مكتوبة بتوقيع عقراوي الى مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء كما أعتقد، يشرح فيها القضية الكردية، ومن الجمل التي تضمّنها خطابه أنه إذا لم تحل القضية الكردية، فإن كردستان ستكون مثل قبرص، وكانت قضية قبرص تشغل وسائل الإعلام. ذهبت بالرسالة والخطاب إلى الملا مصطفى، في قرية نائية على الجبل، ووصلت ليلاً وكان أحدهم يضيء المصباح خلفي وأنا أسير في الطرق الوعرة، وكان اسمه الملا باقي، ومع اقترابنا من الخيمة سمعت خلفي صوتاً مختلفاً، فانتبهت فكان الملا مصطفى نفسه، وهو يحمل المصباح، فتبين لي أنه كان يضيء المصباح في نصف الطريق حتى وصولي إلى خيمته. وعندما دخلنا، كنت مأخوذاً بهيبته، فلم أستطع الحديث لدقيقة، ثم طلب مني قراءة الرسالة، حتى وصلت إلى المقارنة بقبرص، فطلب مني قراءة الفقرة مرة ثانية، ثم قال لي أستحلفك بالله أن توصل هذا الكلام كما هو: «قل لهذا الأحمق – يقصد شوكت - أين قبرص وكردستان أين؟ إذا قلت لك أني سأرفع الجبل وأضعه على رأسك لن تصدقني، بينما إذا هددتك في شكل مباشر ربما تخاف»، في المرة الثانية التقيت الملا مصطفى في 1985، وذهبت إليه وكان قد بعث لي برسالة تعزية بوفاة والدي، وقال: متأسف لأن والدك توفي من دون أن يرى كيف انتقمت له، فمحافظ أربيل الذي ضرب والدي ورمى عمامته قد تم قتله.

> كان شجاعاً؟

- شجاعته فوق كل تصور، لكنه حريص أمنياً، وهو رجل قاد ثورة كبيرة حتى عام 1975 وكان زعيماً تاريخياً.

> لاحقاً، غيرتم رأيكم في الملا مصطفى؟

- لا... الملا مصطفى كان رجلاً تاريخياً. ربما اختلفنا معه، لكن هذا لا يقلل من دوره، بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 اختلفنا.

> كنت منتمياً إلى الحزب منذ البداية؟

- كنتُ شيوعياً عندما كان عمري 16 سنة، وعندما بلغت 20 سنة، وكنت مع زملاء في طريقي من دمشق إلى القاهرة، ذهبنا لزيارة خالد بكداش فقال: من أين أنتم؟ فأجبناه أننا من كردستان العراق، فبدأ يهاجم الحركة الكردية والحركة القومية العربية، وقال إن هذه حركات استعمارية، ويجب أن تتجاوزوا الأفكار القومية، وعندما خرجنا قلت لهم. خالد بكداش يفهم في الشيوعية أكثر من جماعتنا في كويسنجق، وكانت مشهورة بالحركة الشيوعية آنذاك. لاحقاً تركت الحزب الشيوعي وانتميت إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني حتى عام 1975، عندما قررنا مع مام جلال وعدد من الإخوة تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني.

> كيف تصف علاقتك مع مسعود بارزاني، هل هناك أثر على هذه العلاقة لكونك من الاتحاد الوطني؟

- عندما نكون في حزبين مختلفين فهناك وجهات نظر يعبّر كل طرف عنها، ولكن وجهات النظر محترمة. وكنت على الدوام موضع احترامهم، كما أنني اعتقلت لمدة 23 يوماً لدى الحزب الديموقراطي الكردستاني.

> في أي سنة؟

- في 31 آب (أغسطس) 1996.

> هذه المرة الوحيدة التي اعتقلت فيها؟

- نعم، في كل حياتي.

> أين اعتقلت؟

- في مصيف صلاح الدين.

> اعتقلت خلال معارك الحزبين الكرديين؟

- أنا كنت موجوداً في أربيل، وبدأ هجوم، فطلبوا مني أن أخرج من أربيل، لكنني رفضت وقلت: إذا خرجت فسيقال أنني كنت سبب الهزيمة للاتحاد الوطني. لاحقاً اختفيت لليلة، لكن مقاتلي الحزب الديموقراطي عرفوا مكاني واعتقلوني، لكنهم عاملوني بكل احترام، وبعد 23 يوماً أدركوا أنني لا يمكن أن أتعاون معهم ومصرّ على وضعي كمؤمن بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأرفض الخروج من إقليم كردستان، وطلبت الذهاب للالتحاق بمام جلال. بعد يوم استقبلني السيد مسعود بارزاني، وقال لي أننا أردنا حمايتك، فإذا بقيت في أربيل، قد يقع عليك خطر وكنا سنتحمل المسؤولية، فأوصلوني إلى حدود إيران ومن إيران عدت إلى مقر وجود مام جلال.

> كانت العلاقات صعبة حينذاك بين الطالباني وبارزاني؟

- كانت متوترة، لكن طالباني كانت له مبادرات شجاعة، في إحدى المرات قرر أن القتال بين الحزبين يجب أن ينتهي، لأن أحداً لن ينتصر فيه، فقال لنا أنني سأذهب وحدي إلى مسعود بارزاني، واعترضنا حينذاك، لكنه رفض، وذهب بالفعل. أبلغنا الحزب الديموقراطي عبر الشفرة أن مام جلال سيأتي إلى أربيل للقاء مسعود، ركب مام جلال سيارة يسوقها بنفسه، وكان السيد مسعود ينتظره في شقلاوة، وتم اتفاق أولي على إنهاء القتال، ثم جاءت اتفاقية واشنطن لتنهي المشكلة.

> أحمد الجلبي لعب دوراً في الوساطة بين الطرفين؟

- امتاز الجلبي بشجاعة فائقة، كان القتال مشتعلاً بيننا، وهو كان يتنقل بين الطرفين، كما أن الجلبي كان لديه دور أساسي في سن قانون تحرير العراق من الكونغرس، إضافة إلى دوره في كردستان.

 

PUKmedia  عن الحياة اللندنية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket