إرهاب داعش .. والقوة المرنة

الاراء 10:47 AM - 2015-01-25
إرهاب داعش .. والقوة المرنة

إرهاب داعش .. والقوة المرنة

إن الإرهاب الذي يهدد الحضارة الانسانية، ويهدف الانسان في قيمه ومبادئه يتطلب جهودا ووسائل نوعية في القضاء عليه، فالقوة الصلبة (Hard Power) المقصود منها استخدام القدرة العسكرية والعقوبات الاقتصادية لإجبار طرف معين على الاستجابة لمتطلبات الطرف الاخر بالشكل الذي يخدم الطرف الذي يستخدم القوة الصلبة. 

ان التطور في العلاقات الدولية، وتعقيد موازين القوى ووسائل التاثير احدث تطورا ملحوظا على مصادر وانواع القوة، فالتطور الحاصل في مفاهيم القوة واستخداماتها عبر عن تقسيم جديد وفق ثلاثة انواع ( القوة الصلبة، المرنة، الذكية)، حيث يرى انصار القوة المرنة امثال جوزيف ناى(Nye,J) ان الاستمرار في استخدام القوة الصلبة كوسيلة اساسية في ادارة العلاقات الدولية تعبر عن ضيق الافق لصناع القرار. لذلك يتوجب عليهم التفكير في وسائل اخرى اكثر فعالية من حيث التاثير والنتائج. 

إن مسالة الارهاب واستخدام الجماعات المتطرفة من قبل دول مختلفة ليست مسالة حديثة على الساحة الدولية، بل وان التعاطي مع قضية العنف والارهاب هي الاخرى قديمة بقدم نشوء تلك الجماعات وتطور اهدافها. فالقوة والغطرسة العسكرية اثبتت ان الضحايا في ظل النزاعات العسكرية اغلبهم مدنيين، ناهيك عن الاثار المدمرة على الاقتصاد والاستقرار السياسي والنهضة الانسانية بمختلف مجالاتها. ان الحديث عن القوة المرنة باستخدامها كوسيلة لمحاربة التطرف والعنف لا تعني التجرد النهائي عن استخدام الوسائل الاخرى غير المرنة كالعقوبات الاقتصادية والقوة العسكرية، لان الواقعية السياسية والتنافس بين اللاعبين الدوليين واستمرار ادارة النظام الدولي وفق العقلية البراكماتيكية تظهر بان التخلص من الوسائل المذكورة ليست متاحة في الوقت الراهن. الا ان الدعوة والعمل على تغيير العقلية الراهنة وتغيير وسائل ادارة النزاعات الانسانية تعد ضرورة انسانية في حفظ العنصر البشري وتحرير البشرية من الانتهاكات والجرائم الوحشية في مختلف بقاع الارض. 

ان التاريخ اثبت عدم فعالية القوة الصلبة في حل كل القضايا العالقة في السياسة الدولية، لذلك يتطلب التفكير في اعادة تنظيم النظام السياسي العالمي على اساس من احترام الانسان بكونه مصدر كل الانظمة واللوائح في الكوكب المعولم. ففي ظل الحروب الكونية كانت النتيجة ظهور تعاون انساني في ظل تكتلات دولية مثل الاتحاد الاوربي.

ان العمل على تحرير المجتمعات الانسانية سواء في الشرق او الغرب تتطلب التعاطي العقلاني مع تهديد الارهاب، او بالاحرى عدم استخدام الدول للجماعات الارهابية في تمرير سياساتها، وتحقيق اهدافها القائمة على البراكماتيكية ومبدا الرابح والخاسر (Lose & Win) حيث يمكن الاستعانة بمبدا اخر وهو الرابح والرابح (Win & Win) في العلاقات الدولية والتعاطي مع الازمات. 

ان التعامل مع ارهاب داعش في الوقت الراهن يتطلب الاستعانة بالقوة المرنة فضلا عن القوة الصلبة، ويمكن تحليل القوة المرنة في نموذج داعش ضمن المحاربة الفكرية لتهديد داعش من خلال التوعية والانفتاح السياسي في العالم الاسلامي، والتسامح ومحاربة العنصرية في العالم الغربي، ففي العالم الاسلامي يتطلب التخلص من داعش تشجيع الانفتاح الديمقراطي والعمل على انجاح الربيع العربي ودعم الانتخابات وابعاد العسكر عن العملية السياسية وعدم محاربة التيار الاسلامي المعتدل، وكذلك التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتشجيع التحول الشامل في المجتمعات التي شهدت ربيعا حاربتها العالم وحولتها الى شتاء قاس ببرودتها وعواصفها. وبطبيعة الحال ان هذه العملية لايمكن ان تتحقق بين ليلة وضحاها لكن الوقوف بموقف المشاهد بل والعمل على تحطيم امال الشعوب كفيلة بصناعة حركات اكثر تطرفا من داعش في السنوات القادمة. 

اما في الغرب فالعنصرية من قبل بعض المجاميع المنظمة في اوربا وكذلك سياسة الكيل بميكيالين من قبل الانظمة الغربية تولد الارهاب وتغذي الفكر الارهابي، ان الغرب يشهد تصاعد جماعات عنصرية منظمة تعمل ضد كل ما هو شرقي واسلامي ويعمل على تعبئة الرأي العام الشعبي على الاسلام فوبيا مما يفسح المجال امام نشر افكار داعش ضمن الاقليات الاسلامية في الغرب خاصة بين الشباب الاسلامي الذي يشعر بازمة الهوية بين الوطن والحضارة الاصلية ووطن الهجرة التي وفرت له كل وسائل الحياة الكريمة، فالتعاطي مع الارهاب يتطلب جهودا دولية كون الارهاب لا دين له ولا ايدولوجية معينة. وانما هو داء اصاب البشرية في اغلب الفترات التاريخية، فالانسانية ضحية التطرف والعنف سواء في الغرب في ظل الملكيات المطلقة ومحاكم التفتيش ام في العالم الاسلامي في ظل الدكتاتوريات والطغاة صناع التطرف والارهاب. ان داعش حركة مريضة تتطلب القضاء على فكرتها واهدافها وسائل نوعية غير القوة الصلبة والوسائل التقليدية الاخرى.

 

زيرفان البرواري / الحوار المتمدن

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket