«العربيزية» ... أكثر من مشكلة لغة

ادب و فن 11:36 AM - 2014-12-18
«العربيزية» ... أكثر من مشكلة لغة

«العربيزية» ... أكثر من مشكلة لغة

18 كانون الأول (ديسمبر) هو في لبنان يوم فولكلوري للاحتفال باللغة العربية، حيث تكثر الخطابات والشروحات عن أهمية الحفاظ على اللغة الأم وضرورة صونها من الظواهر الخارجية التي تطرأ عليها، إلا أنّ الكلام كله يبقى حبراً على ورق.

فبمجرد أن ينتهي الخطاب ويختتم «الاحتفال» يعود كلّ واحد إلى هاتفه الذكي أو جهازه اللوحي لينجز مراسلاته سواء باللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الأخطر باللغة «العربيزية»، التي اعتبرت في بداية ظهورها صيحة شبابية ستزول بعد فترة. لكنّها تحوّلت إلى جزء وازن من يوميات اللبنانيين وأداة أساسية للتواصل في ما بينهم بما يطاول الفئات العمرية كلها.

وفيما لا يزال الحديث عن هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية الكثيرة خجولاً ونادراً، تنتشر اللغة «العربيزية» بسرعة هائلة مدمّرة أسس قواعد اللغة العربية وتاركة المجال واسعاً لنشوء جيل لا يفقه من لغته الأم شيئاً إلا ما يضطر الى حفظه في المدرسة.

 

بين الحداثة والرجعية

يشير مصطلح «العربيزية» إلى الجمع بين اللغتين العربية والإنكليزية، حيث تكون الكلمات هي عربية لكنّها تُكتب بأحرف لاتينية مع ما يتطلّبه ذلك من تغيّرات غريبة كاستبدال حرف الـ «ح» بالرقم 7 أو الـ «غ» بالرقم 3. وتلقى اللغة الجديدة إقبالاً كبيراً في لبنان لأنّها «تختصر الوقت وتساعد على الكتابة بسرعة» كما يدافع عنها مستخدموها. فكما يقول المواطن الأربعيني فارس حمدان إنّه ما كان ليستخدم هاتفه الذكي لولا وجود «العربيزية» لأنّها لا تتطلّب منه الالتزام بقواعد اللغة والكتابة بطريقة سليمة كما الحال لو كان يكتب العربية أو حتى الإنكليزية الصرف. وهكذا لا يعود الشخص مضطراً الى التفكير بالقاعدة أثناء الكتابة والمراسلة. وما يجده فارس إيجابياً يمثّل المشكلة بحدّ ذاتها، فالـ «عربيزية» تدمّر أسس اللغة العربية وتمحوها من الوجود حيث يسقط الحرف العربي أمام الأحرف اللاتينية وتذهب قواعد البلاغة مع الريح.

وقد ارتبطت ظاهرة «العربيزية» بظواهر أخرى، منها إنّ من يستخدم هذه اللغة يُعتبر عصرياً ومواكباً للتطوّر، فيما من يستخدم اللغة العربية في مراسلاته يُعد «رجعياً». وهذا ما تفسّره الاختصاصية الاجتماعية راجا حلواني، بأنّه انعكاس للموروث الثقافي اللبناني. فالحرب الأهلية أفرزت ظاهرة لغوية جديدة تمثّلت بالمغالاة في استخدام اللغات الأجنبية، لا سيما الفرنسية والإنكليزية للتعبير عن التحضّر بما ترافق مع ظواهر أخرى اجتماعية كالسعي الى الترف والاهتمام الكبير بالمظهر والعيش الآني. وتستكمل «العربيزية» هذه المسيرة الثقافية – الاجتماعية، حيث تعتمد ظواهر كثيرة من دون التدقيق في تبعاتها.

فهذه اللغة الهجينة ولدت في البداية بسبب افتقاد وجود لوحة مفاتيح باللغة العربية في الهواتف والأجهزة اللوحية، لكن حتّى مع وجود هذه اللوحة اليوم ليس هناك استخدام كبير لها لأنّ «العربيزية» تُعبّر أكثر عن رغبة اللبنانيين في محاكاة المجتمعات الغربية من دون أن يكون هناك تمسّك كبير بالتراث الاجتماعي الحقيقي الذي يتمتعون به.

 

... وفي المدارس أيضاً

وإذا كانت «اللغة العربيزية» أمست ظاهرة معمّمة في المجتمع اللبناني، فلا يمكن المدارس والمناهج التعليمية أن تكون بمنأى عنها. فبمجرد أن تسأل أساتذة اللغة العربية عن تأثير «العربيزية» في تعليم العربية وسلوكيات طلابهم، تبدأ الشكاوى من تردّي مستوى الأداء في قراءة اللغة العربية أو كتابتها. فالمعلّمة في الصفوف المتوسطة راندا حداد لا تزال تحتفظ حتّى الآن بمواضيع إنشاء كتبها تلامذة خلال المسابقات بالأحرف اللاتينية فيما الكلمات عربية، ما شكّل صدمة لها لأنّها لم تعرف كيفية التعامل مع هذه الظاهرة.

وتؤكد حداد أنّ «العربيزية» لم تعد مقتصرة على الاستخـــدام في مواقع التـــواصل الاجتماعي، بل دخلت من البــاب العريض إلى النظام التعليمي لتطغى على تعاملات الطلاب في مختلف المراحل الدراسية. ولا تجد حداد حلولاً أمامها الا بمحاولة تحفيز تلاميذها على القراءة باللغة العربية المحضة والدخول إلى المواقع الإلكترونية الحديثة التي تساعد في تعلّم اللغة الأم بطريقة متطوّرة ومناسبة لمختلف الأعمار، إلا أنّ الجهود ليست كافية في حال لم يتمّ التطرق إلى ظاهرة «العربيزية» بجدّية تامة من جــانب الباحــثين التربــويين والــقائمين على النظام التعليمي لحفظ ما تبقّى من اللغة الأم.

في المقابل، لا يخفي الأساتذة لومهم طريقة تعليم اللغة العربية التي أصبحت «خشبية» ولا تصل بسلاسة إلى الطلاب، وهذا ما يعود إلى الكتب المدرسية والأنشطة المرافقة للتعليم التي تكون جامدة في معظم الأحيان، خصوصاً أنّ الطفل يتـــرفّع من صف إلى آخر بفضل علاماته في مواد أخرى غير العربية، لكــن الصدمة تكون في الامتحانات الرسمية التي تظــهر عمق المشكلة على الصعيد الوطني وفي المناطق كلها من دون استثناء.

 

PUKmedia  عن الحياة اللندنية 

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket