القضية الكردية والزمن الأصعب

الاراء 03:01 PM - 2014-11-25
خالد بكر أيوب

خالد بكر أيوب

مرت القضية الكردية على أرضها المقسمة في أجزائها الأربعة وعبر المراحل التأريخية بعهود مظلمة وأزمان صعبة فالتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الكردستاني لم تكن في أية حقبة تأريخية بمستوى ما تحقق من مكاسب لهذا الشعب المضطهد الذي عاني الويلات والكوارث وقوبلت مطالبه المشروعة دوماً بالقمع والأبادة والتهميش والتذويب في بودقة القوميات الكبيرة التي تعايش معها.

فرغم هذه المعاداة المزمنة للكرد فأنها لم تتحول في أية مرحلة من المراحل الى عامل إنتقام من المضطهدين (بكسر الطاء) بل سعى المطالبون بالحقوق المشروعة الى إتباع السبل السلمية والحوار للوصول الى القواسم المشتركة.. ولكن حين كانت الأمور تصل الى الطرق المسدودة ولا تبقى مساحات ولو ضئيلة للتفاهم ، كان اللجوء للكفاح المسلح أمراً مفروضاً وبهذا فأن طريق الكفاح المسلح لم يكن رغبة وإرادة بل كان إضطراراً ونفاذاً للأساليب الأخرى من النضال ، وحتى في حالة الثورة المسلحة لم يكن الكرد من حاملي روح الأنتقام إزاء القوميات الأستعلائية التي تدير الدولة ولا تستطيع فهم وهضم مطالبهم ففوهات أسلحتهم كانت موجهة للأنظمة الأستبدادية الحاكمة فحسب بغية إسقاطها وإيجاد بديل يكون مستعداً للحوار وتحقيق العدالة القومية والأجتماعية.

وبهذا يتبين بأن الأنظمة الشوفينية الحاكمة هي التي تعادي القضية الكردية ومطالبها العادلة وليس المنفتحين ومتبني الأفكار النيرة ، أما في المرحلة الراهنة سيما قبل ما يقارب من سنتين ، ظهرت معاداة جديدة متمثلة بـ(داعش) وهذه الظاهرة باتت عبأ إضافياً على عاتق القضية الكردية.. فزمننا هذا مقارنة بالأزمان الأخرى تحول بالنسبة للكرد من الصعب الى الأصعب ، فرغم أن جنوب كردستان وفي ظل التحول الديمقراطي الأعرج يتمتع بشيء من الأستجابة لحقوق الشعب الكردستاني وأبواب الحوار مفتوحة لحد الآن ، إلا أن في الأجزاء الأخرى من كردستان لا زالت القضية الكردية تعاني من التهميش وعدم فهم أبعادها التأريخية والجغرافية ، هذه الحقيقة المرة وهذا الواقع المر إزداد مرارة بظهور (داعش) ، فالقضية الكردية بهذا تحولت الى مرحلة جديدة أكثر صعوبة ، فهي بحاجة شديدة الى وحدة الصف ووحدة الرأي والتكاتف والعمل الجاد لمواجهة التحديات الجديدة وما مشاركة البيشمركه من جنوب كردستان في محاربة (داعش) في (كوباني) بغرب كردستان ، إلا خطوة صحيحة بهذا الأتجاه.

والمشكلة الرئيسة في القضية الكردية تكمن في كونها غير مفهومة بشكل كامل وغير مهضومة من لدن الأنظمة الحاكمة التي بأمس الحاجة الى فهم تأريخها وجغرافيتها فضلاً عن حاجتها الى الجرأة السياسية والأستعداد النفسي والأجتماعي يمهد الأرضية المناسبة لحلول جذرية لها ودولة الخلافة المزعومة في مرحلتنا هذه التي تعادي جميع الأطراف وتحلم بأعادة (الخلافة) ، تعتبر الكرد وقضيتهم العقبة الكبرى أمامها فهي لا تريد بطبيعة الحال كيان سياسي ديمقراطي مدني للكرد فهذا يتناقض مع فكرتهم القمعية والأبادية والمغطى بغطاء مباديء الدين الأسلامي الحنيف ، فأرادتها السياسية والفكرية هي تذويب الكرد وإبادتهم بأي شكل كان ، لذا فالقضية الكردية حالياً تمر بمرحلة جديدة ففضلاً عن مواجهة الأنظمة سواءاً سياسياً  أو عسكرياً عليها مواجهة (داعش) وأفكارها الوهمية التي لا تمت الى الواقع بصلة وتتحول الى ممارسات غير إنسانية لأثبات وجودها ليس إلا.

ومن الأهمية بمكان ونحن في هذا السياق بأن نشير بأن ساسة دول المنطقة وحكامها وأكثرية المحللين ينسون أو يتناسون مع ظهور (داعش) على الساحة أهمية القضية الكردية وحيويتها في المنطقة ، وثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن الدول التي يتواجد فيها الشعب الكردي وحتى التي لا تواجه مشكلة كردية ، بتعبير آخر فأن منطقة الشرق الأوسط برمتها لا يمكن أن تكون مستقرة ولا يمكن لدولها أن تطلق على نفسها بأنها ديمقراطية ومدنية بدون معالجة القضية الكردية التي خطت خطوات سياسية وعملية نحو تعريف نفسها بالعالم المتمدن ، فلا ديمقراطية لدولة ما إذا ما أضطهدت قومية رئيسية من قومياتها وأهملت حقوقها ، فالأنظمة الحاكمة فضلاً عن تيارات سياسية قومية لا زالت تفتقر الى قراءة براغماتية للقضية الكردية ، فهي بحاجة الى هذه القراءة لتستطيع إستيعاب الأبعاد التأريخية للقضية الكردية لتتمكن تهيئة نفسها لقبول الآخر والتفاعل مع حقوقه.

أما إذا ما قارننا مدى خطورة الأنظمة الحاكمة على القضية الكردية بمدى خطورة (داعش) عليها ، نجد خطورة (داعش) هي الأكبر كونها توجه سياسي وفكري جديد ولا يبقي ولو مساحة ضيقة للتفاهم والحوار نظراً لأفكارها الحدية والأقصائية مستغلاً الدين لترويجها ومواجهة الآخرين بها فكل توجه معارض تُوجه إليه تهمة الكفر والألحاد وبهذا لا يبقى إلا سبيل المواجهة العسكرية مع هذا التنظيم الذي لا يؤمن سوى بالذبح والقتل والأبادة ورغم المعاداة الجديدة المتمثلة بـ(داعش) ، فأن القضية الكردية بالمقابل في طريقها نحو النضوج والتكامل وتنال تأييد العالم الخارجي سيما الدول الكبرى ذات الشأن في السياسة العالمية ، فالمواجهة الجديدة رغم ثقل أعبائها ربما تكون عاملاً لزيادة الدعم الدولي (سياسياً وعسكرياً) للقضية الكردية ، فهي أي (المواجهة الجديدة) إضافة لنقمها فلها نعمها أيضاً منها: المواجهة مع (داعش) وحدت صف الكردستاني وعرفت القضية الكردية أكثر بالعالم الخارجي بأعتبارها قضية شعب مهضوم الحقوق وشعب متمدن يؤمن إيماناً حقيقياً بالديمقراطية وحقوق الأنسان ، وباتت كردستان مدافعة عن العالم الديمقراطي ويحارب أبناؤها (البيشمركة) ببسالة قوى الظلام والأستبداد والمرحلة الحالية بموجز القول تحمل معها بُعدين رئيسين بالنسبة للقضية الكردية ، أولاه ظهور عداء جديد ومعاداة جديدة متمثلة بـ(داعش) وهو عبأ جديد وليس بالهين والثاني دخول القضية الكردية الى العامل الخارجي كقوة مؤمنة بالقيم الأنسانية ومدافعة بأتباع الأساليب المشروعة عن الحقوق القومية العادلة التي ناضل أبناء الشعب الكردستاني من أجل تحقيقها عبر التأريخ.  

 

خالد بكر أيوب

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket