كمال فؤاد مضى مخلّداً

الاراء 12:37 PM - 2014-11-23
كمال فؤاد

كمال فؤاد

هذه هي اختيارات القدر، وتلك هي مسيرة الحياة المحكومة بالنهاية، الموت او الخلود، وبين عنواني الرحيل، موتا او خلودا، تنفتح الذاكرة لتتأمل وتعيد مسيرة انسان بفعله وقوله ثم منجزه، ليكون اسما كمثل الدكتور كمال فؤاد، والذي رحل للخلود قبل ايام.

 لقد غيب صمت الرحيل سياسيا كرديا ومفكرا وباحثا تاريخيا، تلتصق بمعطفه، ونبرات صوته، وأداء عمله، ستون عاما من التاريخ السياسي المعاصر للعراق، كما تستظل بهامته شروح من حقب الزمان واسرار الميدان الذي خطت به الاقلام والبنادق بكردستان واستلت خيوط فجر جديد.

 وهنا فان الاجيال ذات الثقافة العربية، قد تعتب لخلو مكتباتها من ترجمات لشخصيات صنعت تاريخ العراق المعاصر من خندقها القومي الوطني الكردي، وتلك مهمة على المدونين و المؤرخين العراقيين واصحاب الترجمات والتصنيف ايلاء اهتمام بها، فالموارد الفكرية العراقية الفذة هي ثروة اخرى كبرى من ثروات العراق الاتحادي الديمقراطي.

ستة عقود وأكثر بقليل، شكل فيها الدفق التاريخي لسنوات الكفاح الوطني من اليسار العراقي الى جبال كردستان ضمن ثلاثية السلام والحرية والديمقراطية، مسيرة لم تئنَ فيها اقدام الدكتور كمال فؤاد من وجع طول الطريق الذي كان علينا ان نقطعه بإيمان.كمال فؤاد القليل الكلام، الخفيض الصوت، القصير الجمل، الجمل المليئة بالفكر، سكب من اناء التاريخ الى ميدان السياسة اسلوبا يواكب الزمن.

يكبرني الراحل بعقد ونصف العقد عمرا، لكن البيئات التي صنعتنا تجاورت وتقاربت، كنت اقرأه سياسيا وحزبيا، وكنت استرجع جملا تعبر عن ايمانه بفكرة ان التاريخ مسؤوليتان، جماعية وذاتية، وان بعض مفاصل التاريخ ضمن جغرافية معقدة يمكن ان تسد الطريق بوجه دعوات الاصلاح او النقد الاصلاحي . لا ازال اتذكر صبيحة ذاك الشتاء القارص من العام 1963، حيث افقت بعد ليلة طويلة وكنت اقرأ فيها ما يتسير لي من كتب بمكتبة المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، كنت اقرأ على فانوس نفطي وغفوت، لأجد السرير الثاني في الغرفة وقد غفا عليه زائر، كان يغط بنوم عميق يلفه تعب، للوهلة الاولى وعيوني مكبلة بالنعاس تصورت انه عمي جوهر شاويس وهو مناضل شيوعي معروف، وكان قد اعتقل في سجون البعث وحرسه القومي المشؤوم، لكنني دققت النظر لأكتشف ان عمي لم يطلق سراحه وان الشبه بينه وبين من يغفو الآن سببه وجهه الذي توارى قسم منه تحت الغطاء وامالة الرأس بزاوية زادت لي قناعة الشبه، كما كانت بعض عتمة جبل كرده  ره ش قد اضفت خدعة لبصري!. خلال الفطور عرفت ان الزائر هو كمال فؤاد، القائد الطلابي ذائع الصيت، وخلال اسابيع ربطتنا علاقة صداقة واحاديث عن الجبال والنضال، وعن الوضع السياسي وعمله في المانيا واساليب الحياة، وامتدت تلك الايام والاحاديث في سمائنا لتنسج ترابطا مع قضية وطن لم يتركها كمال فؤاد الى يوم الرحيل.عدنا لنلتقي في عامي 1970 و1973، ثم جمعتنا برلين في مناسبات كيوم الشبيبة العالمي، ومؤتمر جمعية الطلبة الكرد.

 في العـــام 1975 تباعد طريقنا السياسي بسبب النكسة، لكن وبعد عقد اجتمعنا معا لنوحد جمعية الطلبة الكرد، جعلناها جمعية موحدة تمثل الطلبة الكرد في أوروبا، بعد أن تجزأت الى كتل.

 في العام 1992، عملنا سوية مع بقية رفاقنا في الحزب الديمقراطي الكردســـــــتاني والاتحاد الوطني الكردســـتاني لإنجاح اول تجربة لانتخابات ديمقراطية حرة في كردستان، وساهمنا بشكل فعال في تأسيس اول برلمان كردستاني، ووضع لمسات حية فيه وفي عمله وكل منا كان رئيس كتلة حزبه يومها.

 وتشاء ظروف ما بعد الاقتتال الداخلي المؤسف، وبحكم مواقعنا النضالية ان نلعب معا دورا اساسيا في اعادة الوحدة الى برلمان كردستان ونتشارك رئاسته. واذكر دوما ومن خلال مسيرة طويلة كيف انه مر وعمل وناضل وناقش، وكيف زرع بنفسه بذورا من الفكر الوقاد في مضامير ابتدأت منذ شبابه الغض، ففي نضاله اليساري المبكر، حرص كمال فؤاد على حقيقة واصالة المضامين ضمن عقائد الحزب.

 بحيث تكون المادة الشعبية وهموم الاهالي واضحة ضمن الشعار والمنهج الحزبي، وهو ما سعى لتطويره وتكريسه بعد ان تبلور ذهنه السياسي في مرحلة العمل الوطني والقومي في صفوف الحــــزب الديمقراطي الكردستاني، ثم الاتحاد الوطني الكردستاني. ان الموت جسر بين عالمين، تسير اليه ام يسير اليك، فسيصل احدكما للآخر، لكن الخلود يخنق الموت، فيتنفس الغائب حياة جديدة.

 ان الذي يعتصر الفؤاد، هو ان رجالات الفكر ومنهم الدكتور كمال فؤاد لا تجود بهم الايام كثيرا، بل هي تسارع لخطفهم حيث ان الخلود يشتاق لهم، كما نأمل نحن ان لا يغادرونا، وكلنا نعـرف الفــرق بين الــرجاء والامـــل. انني اذ اكتب عن رحيل كمال فؤاد، اجدني اعصر يديّ ألما لأن الرجال والنساء ممن كتبوا بحروف المواكبة للعصر فصولا من تاريخ سيولد لم تُملأ خواتيمهم بما يستحقون من الكلام، مثلما لم يكافؤا خلال حياتهم القصـيرة، فمثل اولئك حياتهم قصيرة مهما طالت.

 

روز نوري شاويس / نائب رئيس الوزراء

الصباح البغدادية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket