صمود كوباني

الاراء 12:27 PM - 2014-11-03
عناصر من وحدات الحماية في كوباني

عناصر من وحدات الحماية في كوباني

لقد اخترت البقاء هنا لكتابة تقريري  حول الواقع على الأرض، ولكي أقول لملايين الكرد ما يحدث حقا في كوباني، في مقابل الدعاية والأكاذيب التي تنشرها وسائل الاعلام الرسمية الإسلامية والعديد من وسائل الإعلام الأخرى. تقاريري عن المدينة هي للشعب الكردي من اجل  ان يعرف بان  كوباني  ما زالت تقاوم وهي على قيد الحياة بل وبحالة  جيدة لأن المدينة تمارس وبشكل  لا يصدق مقاومة غير مسبوقة ضد استمرار هجمات داعش  الذي  يستخدم كل وسائل الإرهاب من أجل تنفيذ الإبادة الجماعية ضدها. ورغم ان بعض وسائل الإعلام الدولية افادت بأن كوباني سقطت بالكامل تقريبا في أيدي مسلحي داعش، الا ان هذا كما اتضح  كذب محض لكسر المقاومة في كوباني. ولو  كان  هذا صحيحا فأنا لم اكن لا نقل هذه التقارير من هنا. وقد بقيت في مدينتي من أجل مواجهة مثل هذه الأخبار الدعائية التي تنشرها بعض وسائل الاعلام. كما انني اريد أيضا، أن أموت هنا مع شعبي في مدينتي  لان  التخلي عن كوباني  سيعقد الامور اكثر. الكرد يقتلون  في كل مكان، سواء كان هنا،او  في أي مكان آخر في سوريا أو في تركيا. لذلك، افضل  البقاء وأنا سعيد للقيام بكل ما يلزم للمساهمة في مقاومة مدينتي من خلال عملي في الصحافة. هناك مقاومة ملحوظة ضد ارهاب داعش  يقودها  هنا الشعب المحاصر من دون الغذاء والوقود والاسلحة ودون دعم دولي كاف. وقد هزم المسلحون من داعش ألوية مهمة تابعة للجيش العراقي في الموصل وأماكن أخرى في العراق في يوم واحد في يونيو حزيران الماضي، ولكن كوباني كانت تقاوم لوحدها لمدة شهر تقريبا الآن، على الرغم من أنها كانت محاصرة منذ ما يقرب من عام، ومقطوعة  من كل المدن الكردية الاخرى  والبلدات في سوريا. كوباني صنعت  التاريخ بالفعل مع هذه المقاومة، وأريد أن أكون جزءا من إخبار قصتها المأساوية و البطولية رغم ذلك.

 

النوم مع الخطر 

 تواجه تركيا ضغوطا متجددة لتتدخل عسكريا في كوباني  بدلا من المراقبة  من وراء الحدود. لكن الحكومة تقول انها غير مستعدة للمشاركة ما لم يستهدف التحالف نظام الرئيس السوري الأسد، ويضع منطقة حظر الطيران.

شهد اليوم 25  مقاومة كوباني  ضد إنقضاضات داعش المستمرة. ما يحدث هنا هو غير عادي بأي طريقة تنظر  بها. الجميع يلعب دورا في هذه المقاومة التاريخية ضد داعش  ودفاعا عن مدينتهم، على الرغم من ان القتال العنيف يحتدم في ضواحي وداخل المناطق الداخلية في المدينة، أيضا.

الحياة في ظل حصار وحدت الشعب معا. الجميع متطوع للقتال في كوباني، من أجل الحفاظ على روح المقاومة ضد داعش. الأطباء والممرضات يعملون مجانا في مستشفيات مؤقتة. وقد أفرغ أصحاب المتاجر محلاتهم من المواد الغذائية والمشروبات وغيرها من الملحقات من أجل توزيعها مجانا على المقاتلين والمدنيين.

الأمهات الشجاعات اللواتي يقاتل اباءهن وبناتهن  على الجبهة يقمن بطهي  الطعام بشكل يومي لمن هو جائع ويحتاج إلى الغذاء. المال لم يعد يساوي شيئا لأن الجميع يريد تقاسم وتوزيع كل شيء وكذلك الإرادة لمساعدة بعضهم البعض من خلال هذه الأوقات الصعبة والاستمرار في المقاومة لانقاذ المدينة. وكأن الجميع ينتمي إلى أسرة واحدة كبيرة.

هذا هو التضامن على الارض الذي يؤجج روح المقاومة في كوباني. الصغار والكبار القادرون على القتال لجأوا  إلى الأسلحة وتعهدوا بالدفاع عن المدينة حتى النهاية. اليوم، رأيت  قيادية في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) آسية عبد الله و أنور مسلم رئيس المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة كوباني يحملان  بنادق كلاشنيكوف وغادرا في اتجاه المناطق الشرقية، حيث اشتد القتال مع مسلحي داعش  على نطاق غير مسبوق.

القصف العشوائي وقصف المدينة من قبل مسلحي داعش لم يتوقف ايضا. قنبلة أو قذيفة مورتر تسقط على المناطق الداخلية في كوباني  في كل عشر دقائق. وعمود الدخان الاسود والأبيض من الانفجارات الذي يخرج من المباني التي دمرت كليا يغطي السماء.

هذه ليست حربا عادية لأن المسلحين من داعش  يهدفون إلى إبادة كل كائن حي داخل كوباني. قد تتساءلون كيف ننام؟ حسنا، ليس هناك شيء على حالته  الطبيعية بعد الان، حتى أنماط النوم. الناس يمكن أن تنام في أي مكان وفي أي وقت ولكن من المستحيل الحصول على ساعة من النوم السليم. صوت إطلاق نار وقذائف الهاون والتفجيرات جنبا إلى جنب مع مشاهد الدمار الذي جلبته  هذه الحرب إلى كل ركن من أركان مدينتنا هو مرهق  للاعصاب. الناس كلها خارج منازلهم مسلحين  وهم كافة على أهبة الاستعداد للرد على داعش. نوبات الحراسة لم تعد موجودة حتى للقوات المسلحة لأن الجميع يمشي، يأكل وينام مع بندقية وقنابل يدوية ومسدس معهم في جميع الأوقات.

إذا كنت ترغب في النوم يمكن أن تنام في أي مكان لأنك تعرف أن الجميع في حالة تأهب من حولك. ولكن معظم الوقت نحن نتظاهر فقط بالنوم عندما نأخذ  راحة لفترة من الوقت. عندما أريد أن أذهب داخل المنزل للنوم، تدخل الافكار فجأة في رأسي في ان  الناس في كوباني قد يتعرضون لابادة جماعية أو أن قذيفة هاون أو قنبلة يمكن أن تهبط على رأسي في أي لحظة. هذا يمنعني من النوم بشكل صحيح وأعتقد أن هذا هو الشعور نفسه بالنسبة لجميع الناس تقريبا الذين يعيشون هنا الآن.

لا توجد كهرباء أو مياه، ولا أدوية - وحتى أسلحة كافية لهذه المسألة. نحن نحتاج بشكل ملح  الى  كل شيء تقريبا، وبالتالي فإننا نقنن  كل شيء. مقاتل من حزب الاتحاد الديمقراطي  YPG الذي عاد من الجبهة الشرقية اليوم قال لي ان مسلحي داعش  لديهم ذخائر غير محدودة بحيث انهم  أحيانا  يطلقون النار لمجرد التسلية، ولكن مقاتلي  YPG وYPJ عليهم التصويب  بشكل صحيح حتى لا تضيع رصاصة واحدة سدى.

وبعبارة أخرى، فإن المقاتلين الكرد عليهم  تقنين حتى الرصاص والذخائر. وقد حفر الناس الآبار للحصول على المياه الصالحة للشرب لان داعش فجرت منذ فترة طويلة جميع خطوط الأنابيب التي تزود المدينة بالماء النظيف. وتوفر المولدات لنا الكهرباء  بشكل محدود والناس يذهبون إلى حيث مكان المولدات ثم  ينتظرون في قائمة الانتظار لشحن هواتفهم. نحن أيضا نقنن الحصص الغذائية والشاي والقهوة.

بعض الاسلحة التي يستخدمها الناس غير كافية بالمرة. رأيت اثنين من كبار السن من الرجال اليوم: واحد يحمل بندقية فيما كان الآخر يحمل بندقية صيد. 

كوباني بحاجة الى  الأدوية. كل الأدوية التي تصل هنا  يتم تهريبها الينا من قبل الكرد من سروج في شمال كردستان (تركيا). هؤلاء يحملون  الأدوية في الظهر ويهربونها عبر الحدود لمساعدة المقاومة. أحيانا يتم تهريب المواد الغذائية والوقود أيضا من سروج. كنت في مبنى الجمعية الشعبية اليوم والتقيت  خمسة من الكرد  الذين تمكنوا من تهريب الأدوية بأمان الى كوباني. وقالوا إن حراس الحدود الاتراك فتحوا  النار عليهم وأنهم تمكنوا بالكاد من الفرار والبقاء على قيد الحياة لجلب الأدوية هنا.

كثير من الناس الذين يجلبون الأدوية والإمدادات الأخرى لكوباني من كردستان تركيا يخاطرون بحياتهم لأن الحكومة التركية أغلقت المعابر الحدودية وحرس الحدود التركي لا يتردد في اطلاق النار على المدنيين الكرد. اعتقلت قوات حرس الحدود التركية أيضا 158 مدنيا كرديا من كوباني  اليوم بعد أن حاولوا عبور الحدود إلى شمال كردستان (تركيا). انهم محتجزون  الآن على أنهم سجناء في القرية الحدودية علي كور. لقد تحدثت إلى فتاة واحدة من بين الذين ألقي القبض عليهم لأنها ما زالت تحتفظ سرا بهاتفها وقالت إن الجنود الأتراك هددوا بترحيلهم إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش من كوباني. وقال الجنود لهم انه كان يجب عليهم  اخلاء كوباني  منذ فترة طويلة، وأنهم يعتبرون  الآن مهربين غير قانونين  لأن الحكومة التركية لم تعد تقبل لاجئين من كوباني. لذلك كانت  هذ مدينتي المحاصرة اليوم. وهي  لا تزال على قيد الحياة، صامدة  في مواجهة كل هذه الأنواع من الضغوط والحظر والهجمات الإرهابية القادمة من جميع الجهات. سنرى غدا ما سيجلب.

 

تكثف معارك الشوارع 

قالت امرأة كردية في ملابس مدنية كانت تقود  سيارة الإسعاف، جنبا إلى جنب مع ممرضة، نقلتا  المقاتلين الكرد المصابين إلى مستشفيات مؤقتة. المنطقة كانت مغطاة بالغبار والحطام بحيث كنت أتساءل كيف ان هؤلاء المقاتلين الابطال  قادرون على الاستمرار وسط هذا الجو الفوضوي؟

لا أستطيع أن أصدق ماشهدته عيني. القتال كان دون توقف والقصف يتواصل. تركت  المكان للعودة إلى السوق المركزي ولكن بعد ذلك كنت  عالقا لفترة من الوقت بسبب القتال من شارع الى شارع في محيط المستشفى الوطني.

كان القتال اكثر سوءا في هذه المنطقة. لم يكن  يشبه أي شيء رأيته في حياتي. وقفت حوالي 200متر  بعيدا عن المستشفى وقذائف مورتر كانت تمطر كما لو كانت تتساقط من السماء. الحمد لله، ان هذا المستشفى فارغ، وإلا، فإن قذائف الهاون كانت ستؤدي  إلى القتل الجماعي للمدنيين. 

المسلحون من داعش يمتلكون  كل أنواع الأسلحة الثقيلة، وهذا هو السبب في انهم يحدثون  الكثير من الدمار. لكن الميليشيا الكردية المقاومة تقاتل  مع بنادق كلاشنيكوف قديمة ومتفجرات محلية الصنع وقذائف صاروخية. نتحدث عن حرب غير متكافئة، والعالم كله يعرف ذلك. ومع ذلك، فإن معنويات المقاومين في كوباني  والشعب الذي يدافعون عنه لا تصدق. وYPG وYPJ يعرفون  لماذا هم يحاربون – ومن الذي يقاتلونه.

وأعتقد أن هؤلاء الرجال والنساء الكرد يقاتلون الآن ويضحون بأنفسهم من أجل العالم بأسره لأن هذه هي  مقاومة للدفاع عن القيم الإنسانية وكرامة الإنسان التي يريد داعش  أن يمحوها  من على وجه الأرض.

رأيت مقاتلة كردية  كانت تربط قدمها   بسبب إصابة ساقها اليمنى لكنها خرجت وهي تعرج الى  زاوية المبنى بالقرب من المستشفى الوطني لاطلاق النار على الجانب الآخر، حيث يتمركزمسلحي داعش. الكلمات لا يمكن ان تصف المقاومة البطولية والشجاعة التي اظهرتها  هؤلاء النساء.

ثم رأيت اثنين من مقاتلي YPG المصابين سابقا في  أكتافهم ولكنهم كانوا لا يزالون يقاتلون باصرار. مقاتلون  يصرخون بشعارات مع بعضهم البعض لرفع المعنويات على خط المواجهة. على سبيل المثال، “الأرض أو الموت”، واحدة من تلك الشعارات التي ظلت تسمع  وسط الفوضى في منطقة بوتان اليوم. كلمة كردية “، Heval” (الرفيق)، هو ما تسمعه دائما من المقاتلين عندما يحذر  بعضهم البعض وسط اشتباكات الفوضى.

تمكنت من العودة بأمان إلى وسط كوباني  لكنني  صدمت من ما شهدته للتو. ثم مشيت ووصلت الى دلوفان  صالح البالغ من العمر 21 عاما، وهو مقاتل كردي عمل سابقا في قوات الأمن الآسايش المحلية.

صالح  كان يجلس خارج مقر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) يحمل بندقيته في يد واحدة ويدخن سيجارة واحدة في الأخرى. بدا حزينا جدا وأنا لم اره من قبل هكذا. وقال لي انه تم إبلاغه ان مسلحين قطعوا  رأس جده البالغ من العمر 74 عاما الذي كان مزارعا ورفض  مغادرة منزله في قرية بينار، في ضواحي كوباني.وقال ان  أبناء عمومته وأعمامه هم الآن في تركيا وأنهم اتصلوا  به  ليخبروه  بالحادث المؤسف لان داعش نشر  صورا لقطع رأس جده على شبكة الانترنت.

قمت باحتضانه، ولكن بعد ذلك تمنيت لو انني لم اسأله عما به لأن الحديث عن هذا الامر جعله أكثر  حزنا مما كان عليه من قبل. ولكن عندما تسمع عن تلك الفظائع التي ارتكبت في قرى خارج كوباني  كنت أدرك أنها  يمكن أن تحدث في أي وقت لآلاف المدنيين الذين بقوا داخل المدينة. انها مرعبة، خصوصا عندما تتكثف الهجمات وعمليات القصف وتغلق تدريجيا في كل من الجانبين.

المسؤولون والقادة الكرد قد حثوا  جميع المدنيين على مغادرة كوباني  الى  شمال كردستان، جنوب شرق تركيا. وقد غادر نحو 400 من المدنيين اليوم، ولكن كثيرين آخرين اختاروا البقاء قائلين انهم يفضلون الموت هنا من الذهاب إلى مكان آخر بصفة لاجئ. قال لي رجل مسن انه يفضل الموت داخل منزله من القبض عليه أو قته  على يد جنود أتراك على الحدود، أو العيش في شوارع تركيا باعتباره لاجئ  منبوذ . هناك الآن خطر المذابح الجماعية مع اقتراب  الهجمات - ولكن  المقاومة مستمرة.

 

عاصفة الغبار

أكثر من  553 شخصا على الاقل لقوا حتفهم في شهر من القتال في كوباني، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. 

يبدو أن المسلحين قد انسحبوا من عدة مواقع في المناطق الشرقية. ذلك القصف الثقيل يركز أساسا على هذا الجزء من المدينة. وقد رأيت شاحنة مليئة بالمقاتلات  الإناث من YPJ  يذهبن  الى المناطق الشرقية هذا الصباح. طلبت الذهاب معهم، لكن  النقيب  رفض قائلا ان القتال في المناطق الشرقية مكثف  وعلي  البقاء بعيدا. وقد ظللت  في منزل يقع في وسط كوباني  بجوار مستشفى مؤقت. لم يعد لدينا افطار. لدينا وجبة واحدة فقط يوميا، إما في وقت متأخر بعد الظهر أو في المساء. ومع ذلك، لدينا القهوة أو الشاي في الصباح في منزل مجاور لنا.

ذهبت إلى هناك هذا الصباح. بعض النساء والرجال الذين  بقوا  اعدوا  القهوة والشاي للجميع. كل ماعليك هو الذهاب هناك والحصول  على مشروب ساخن. حوالي  ثمانية أشخاص هم دائما حاضرين  هناك، وترى اناس مختلفين  كل يوم، بما في ذلك المقاتلين والأطباء والممرضين والمدنيين يقضون  اليوم في التحدث  عن عائلاتهم الذين غادروا كلاجئين، مصير المدينة وما يمكن أن يحدث مع استمرار هجوم داعش. هناك راديو  والجميع يجتمع حوله عند ساعة بثت الاخبار العربية الإقليمية والإذاعات الدولية عن كوباني. بعض الناس يصرخون “يا أيها الكاذبون” عندما يقول الخبر بأن كوباني  قد سقطت تماما في أيدي داعش  لأن هذا هو بوضوح ليس صحيحا. عندما تكون الأخبار حول تطورات المقاومة في كوباني  يصرخ  بعض الناس “يعيش ابناءنا وبناتنا الصامدين “. ويصيح آخرون، “نحو النصر. كوباني  هي ستالينغراد، ونحن سوف نحول هذه المدينة إلى مقبرة لفئران داعش  “.

الناس يتداولون النكات حول ما سيحدث عندما يهدأ القتال – عندما  تطلب النساء من الرجال غسل الأواني. “هيا ايها الشباب والرجال لم يعد بامكانكم بعد الان مواصلة اسلوب حياتكم القديم بعد ان خرجت النساء لتشارك بـالقتال دفاعا عن مدينتا”

عندما ذهبت إلى ذلك البيت للحصول على الشراب الساخن  هذا الصباح، رأيت أبا ناصحا. رجلا مسنا، وقال انه كان مزارعا، والآن لديه بندقية في يده لكنه لا يذهب إلى الجبهة. وهو يمضي أيامه بين هذا البيت المستشفى المؤقت، لتقديم كل ما هو مطلوب.

ابو ناصح معروف بنكاته ولكن اليوم، عندما قلت صباح الخير للجميع فأجابوا  بعدم حماسة  إلا كما ان أبو ناصح لم يدلِ بأي نكات، كما يفعل عادة. وعرفت ان شيئا حدث ولكنني لم اطرح  الأسئلة مباشرة.

حصلت على قهوتي وناولني أبو ناصح سيجارة. و سألته  بهدوء ما الخطب، فأخبرني  أبو ناصح ان مسلحين من داعش  قد قطعوا رأس مزارع كردي يبلغ من العمر 55 عاما يدعى عمار أمام زوجته وأولاده في قرية تل خزعل، حوالي  16كيلو متر  جنوب كوباني.

وقال أبو ناصح بأن لا أحد يعرف مصير زوجة الرجل لأنها اخذت اسيرة. كما حيا شجاعة وبسالة هذا المزارع الذي اختار البقاء في قريته ولكن بعد ذلك قال انه كان يجب عليه الرحيل مع الجميع.

نحن نرى القتلى والجرحى بشكل يومي هنا في كوباني، ولكن عندما يتم قتل مدني في مثل هذه الطريقة اللاإنسانية فأن هذا يجعلنا حزينين  جدا. في العامين الماضيين فتح  شعب كوباني  أبوابه لجميع اللاجئين السوريين، بما في ذلك السنة والمسيحيين والعلويين. وقد ساعد الكرد عشرات الآلاف من اللاجئين من غير الكرد. الآن مذبحة تلوح في الأفق ضدنا لكن لا أحد يبدو أنه يهتم. ونحن نشهر بأننا وحيدون  في هذه المعركة.

وقد أعلن مسؤولون بوزارة الدفاع الامريكية ان تركيا وافقت على السماح للقوات الأمريكية وقوات التحالف باستخدام قواعدها لعمليات ضد داعش. وفي الوقت نفسه، قال نائب وزير الخارجية  انه واثق من أن الحكومات الغربية ستتخذ إجراءات في اللحظة الأخيرة لإنقاذ المدينة.

 

الكثير من الأطفال 

في وسط كوباني، بدأ المئات من المدنيين بالخروج من منازلهم والملاجئ مع اقتراب الظهيرة وسماع  الانفجارات أحيانا من بعيد. لم أتصور أبدا أن العديد من المدنيين قد بقي داخل مركز كوباني. وقال لي الرجل أن أقاربه شمال المدينة رفضوا عبور الحدود الى تركيا وانه يعرف المئات من العائلات الذين ما زالوا مختبئين داخل منازلهم والملاجئ. هذا يؤكد أن الآلاف من المدنيين ما زالوا محاصرين في المدينة. من الصعب أن تعرف بالضبط من هو هنا.ويمكن ذبح هؤلاء المدنيين في أي لحظة لا سمح الله في حال تقدم داعش  وكان هؤلاء المدنيين لا يزالون داخل المدينة. رأيت أيضا العديد من الأطفال اليوم، وأنا لا أصدق عيني. يبدو الأمر كما لو أنهم جاءوا  من العدم.

وكان مسؤولون كرد قد قاموا بحمايتهم  في الملاجئ في جميع أنحاء المدينة، وبعيدا عن ساحات القتال. وكانت رؤية وسماع الأطفال يلعبون امرا  رائعا. أنهم  لا يزالون  في خطر كبير ويحاول المسؤولون إقناع أسرهم لمغادرة المدينة في أسرع وقت ممكن. بطريقة ما انا  لا أريد منهم تركنا. ان  جودهم  يطمئننا بأن المدينة لا تزال على قيد الحياة على الرغم من كل الإنقضاضات القاتلة. لكن المسؤولين على حق لأن هذه الحرب شرسة، وقبيحة  لا يزال مصير المدينة غير معروف. 

وقد تجمع نحو 40 امرأة لطهي البطاطس والأرز للجميع. وتم توزيع  الطعام أولا إلى الأطفال، ثم الجرحى  ثم النساء. ويجري تهريب المواد الغذائية المعلبة الى كوباني من شمال كردستان (جزء من تركيا) والتي تم توزيعها بين الناس أيضا. 

هؤلاء السياسيون الكرد يشاركون في القتال ضد داعش  للدفاع عن كوباني، ولكن يبدو اليوم أنهم لحماية السكان المدنيين وحراسة الأطفال حتى يتمكنوا من نقلهم الى مناطق آمنة قرب المعبر الحدودي.

رأيت مسؤول  في مقاطعة كوباني هو فرحات هاك عيسى يحمل بندقية على كتفه أثناء تناول الطعام مع الناس. رأيت أيضا مسؤول الشؤون الاجتماعية  محمود بشار يحمل بندقية في يده. كان نائب رئيس المقاطعة  خالد بركل أيضا مسلحا، وكان بين الناس. الناس عموما كانت تشعر بالراحة  مع فرصة للحصول على بعض الهواء خارج الملاجئ وساحات القتال في الخطوط الأمامية دون سقوط القنابل في مكان قريب.

احدى القائدات في حزب  YPJ حملت مكبرا للصوت للتحدث مع الناس حول التطورات في المدينة. وقالت أنهم سيواصلون  القتال حتى النهاية. وقالت: إذا كان هناك أي شيء أغلى من حياتها فأنها ستعطيه  أيضا للدفاع عن الشعب. إنها رفعت معنويات الجميع. وقالت  ان الكرد لديهم الثقافة والموسيقى والشعر وبالتالي فإنه من المستحيل تدميرهم.  لقد أكدت التقارير أن حوالي 100 مسلح من داعش  قد تم القبض عليهم  قيد الحياة من قبل مقاتلي YPG وYPJ. وأضافت أنه من الخطأ قتل سجناء الحرب وأنهم  لن يقتلوهم  لأن الكرد مختلفين عن مسلحي داعش.

تجمع المئات من مقاتلي YPG وYPJ في وقت لاحق في هذه المنطقة المركزية اليوم بعد أن جلبوا  بعض المقاتلين الجرحى إلى المستشفيات المؤقتة سمعت مقاتلة من  YPJ تغني عن والدتها بينما كانت مستلقية  على الأرض في الساحة الأمامية للمستشفى. طلبت مني أن أعطيها بعض الماء، لكن  الممرضة قالت بأنه لايجوز ان  تعطى أي شيء حتى يراها  طبيبها. كنت قد عرضت عليها  السجائر ولكن  الممرضة  قالت “لا” مرة أخرى.

 ويتم تهريب العديد من مقاتلينا  المصابين بجروح الى  شمال كردستان (في تركيا) لتلقي العلاج إذا كانوا  قد أصيبوا  بجروح سيئة. آخرون مصابون بإصابات خفيفة في كثير من الأحيان يعودون  إلى ساحات القتال، حتى إن لم يكونوا  قد تعافوا  تماما.

لا الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر موجود هنا. الأطباء والممرضات جميعهم من  السكان المحليين ويعملون ليل نهار لمساعدة الجرحى والطب والموارد محدودة للغاية.

ومن المحزن أنه بينما قد تخلت جميع الحكومات في العالم عن مقاومة كوباني ضد داعش فأن  “منظمات الإغاثة الإنسانية” تخلت عنا أيضا.

وقد عدت  بعد ذلك إلى المنطقة المركزية عند غروب الشمس وأعطتني  النساء نوعا من التونة المعلبة، ولكن لم أتمكن من تناول الطعام لأن رائحة جثث داعش  الميتة جعلتني أشعر بالمرض. لا أحد متأكد ما سيجلبه الغد. إما أن داعش ستنشر المزيد من المدفعية الثقيلة والمزيد من الدبابات لتدمير المدينة أو ان مقاتلي   YPG وYPJ سوف يكسبون  المزيد من التقدم وابعاد داعش اكثر. انها حرب لا يمكن التنبؤ بها ومصير الغد هو ملغز مثل الحرب نفسها.

 

هيثم مسلم / صحيفة نيوزويك / ترجمة الاتحاد البغدادية

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket