الكرد وأمريكا والمنطقة

الاراء 01:57 PM - 2014-11-02
علي العنزي

علي العنزي

منذ غزو أمريكا للعراق واحتلاله عام 2003 تبين مدى العلاقة المميزة التي تطورت بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة وكرد العراق، إذ كانت الولايات المتحدة تدعم الكرد في مناهضتهم للحكومات العراقية المتعاقبة، ومنذ ثورة مصطفى بارزاني المشهورة استمر هذا الدعم بشكل متواصل، مع التقليل من هذا الدعم في بعض الأحيان بسبب التفاهمات مع الحكومة العراقية، أو سيطرتها على الأوضاع في إقليم كردستان، كما حصل في نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، لذلك استفاد الكرد من علاقاتهم مع أمريكا بعد حرب تحرير الكويت، وفرضت منطقة حظر جوي فوق إقليم كردستان العراق، وتزويدهم ببعض الأسلحة أو التغاضي عن الأسلحة التي استولوا عليها خلال تفكك الجيش العراقي، 

وامتدت هذه الاستفادة خلال غزو للعراق واحتلاله، فضبطوا الأمن في الإقليم، وتعاونوا مع القوات الأمريكية، وبدأوا بالتحرك للحصول على أكبر قدر من الحكم الذاتي، بل طالبوا بالاستقلال عن العراق بشكل كامل، لذلك كل ما نراه اليوم ويقال عن تطور العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكرد في العراق هو لم يأتِ فجأة أو كان تطوراً جديداً، بل هو استمرار لستراتيجية أمريكية رسمتها في المنطقة.

اليوم يتصدر الكرد في سورية المشهد السياسي والعسكري بسبب حصار مدينة (كوباني)، وبدأت الأخبار والتحليلات تتناول هذه الجانب بشكل كبير ومفصل، مبينة الاختلاف التركي-الأمريكي حول التدخل في كوباني، بشكل خاص، ومواجهة تمدد الدولة الإسلامية في العراق وسورية بشكل عام، لذلك بدأ الطرفان عملية الشد والجذب في معالجة حصار مدينة عين العرب، فتركيا تحاول أن تقاوم بشكل أو بآخر تدخل حزب العمال الكردستاني التركي وكذلك الكرد السوريين، وعدم إعطائهم أي شرعية في الدخول في التحالف أو حتى التنسيق معهم، خشية أن يتحول هذه التنسيق إلى تفاهم أو اعتراف وتحالف فيما بعد، بينما الإدارة الأمريكية تحاول الضغط على تركيا بكل السبل أن تفرق بين الكرد في سورية وكرد تركيا في الوقت الراهن.

إن دعم أمريكا العسكري للكرد في عين العرب من خلال الضربات الجوية وإسقاط الأسلحة من الجو، وكذلك محاولة الضغط على الحكومة التركية للسماح لكرد العراق أو مرور الأسلحة عبر أراضيها، هو مؤشر واضح على أن هناك ستراتيجية جديدة سوف تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الكرد في سورية، لذلك جاء خبر قيام أمريكا بتأهيل وتحويل مدرج مطار حرير قرب مدينة أربيل إلى قاعدة جوية أمريكية، حيث رحب المسؤولون الكرد بهذا التوجه من الإدارة الأمريكية، والذي يبدو أنه وفي هذا الوقت بالذات يحظى بدعم وترحيب، رسمي وشعبي في كردستان العراق، حيث ظهرت مطالبات من نواب برلمان إقليم كردستان العراق بتنفيذ المشروع والموافقة عليه، علماً أن هذا المطار كان قد استخدمته القوات الجوية الأمريكية خلال احتلالها العراق عام 2003، مع العلم وبحسب الأنباء الواردة من هناك أن لقاءات قد تمت بين الجانبين الأمريكي والكردي منذ حزيران (يونيو) الماضي، وقد بُدئ كذلك بإفراغ المطار ونقل ما به، فهناك شركات أجنبية تتولى نقل المعدات إلى مناطق أخرى، للبدء بالتشييد، وهو ما يدل على أن واشنطن تؤكد أنها تريد تحويل مدرج مطار حرير إلى قاعدة عسكرية جوية تابعة لها، علماً أن موقع هذا المطار يقع في منطقة في غاية الأهمية من الناحية الستراتيجية، حيث يقع في مثلث قريب من تركيا وسورية، لا يبعد عن الحدود الإيرانية أكثر من 60 كيلومتراً.

بنظرة تحليلية فاحصة نرى أن اختيار موقع المطار لم يكن مصادفة، بل لأنه يقع في منطقة لها أهمية ستراتيجية قصوى، فهو يقع قرب تركيا وإيران وسورية والعراق، وهو ما يزيد من قلق هذه الدول بدون استثناء، كل بحسب تفسيره للتوجهات الأمريكية تجاه قضايا المنطقة وحساباتها المختلفة، لكن يبدو أن كل الدول الأربع المحيطة بمنطقة المطار تشترك في مشكلة واحدة وأزلية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى وتفكك الخلافة العثمانية، برزت مشكلة الكرد كأقلية ودولة وتطورت مشكلة محلية لكل دولة إلى إقليمية ثم دولية، وهو ما يعطي أهمية وقلقاً كبيراً من هذه الدول تجاه خطوة الإدارة الأمريكية بإنشاء هذا المطار.

بالنسبة إلى الموقف الكردي فهو مرحِّب بالتوجه الأمريكي وعلى كل المستويات، فالعلاقة بين الكرد في العراق والإدارة الأمريكية هي تاريخية، كما أن التهديد من الدول الأربع المجاورة للإقليم يجعلها مؤيدة وبقوة لمثل هذا التوجه الأمريكي؛ رغبةً في الحماية، ولاسيما إذا أضفنا إلى تهديدات دول الجوار تهديد الدول الإسلامية (داعش)، والطرفان الأمريكي والكردي مستفيدان بعضهما، فالأمريكيون يستفيدون من الكرد ورقة ضغط على الجميع، بينما الكرد يستفيدون الحماية السياسية والاقتصادية والعسكرية. أما الموقف التركي والإيراني هما الأكثر قلقاً هذه الأيام، يضاف إليهما التوجس العراقي والسوري، فالتركي يخشى من تطور هذه العلاقة لتصبح ستراتيجية، يمكن أن تؤدي إلى تطورات داخلية كردية في تركيا ليست في مصلحة الحكومة التركية، إضافة إلى التقليل من أهمية الاعتماد على قاعدة أنجرليك الجوية الأمريكية في تركيا، ولذلك تركيا قلقة جداً جداً من الأحداث حولها، وبدأت تحسب الحساب من انعكاساتها على المدى البعيد. أما إيران فالقاعدة المزمع إنشاؤها لا تبعد عن حدودها سوى 60 كم، وتستطيع أن تستقبل طائرات كبيرة جداً، كما أنها تشكل تكريساً لاستقلال الإقليم، وهو ما يقلقها تجاه كردها وكذلك الملف النووي.

أما ما يتعلق بالعراق وسورية، فاعتقد أن الأمر بالنسبة إليهما هو تكريس لواقع، فإقليم كردستان العراق هو شبه مستقل الآن، ووجود القاعدة الأمريكية سيكرس الاستقلالية ونهاية للفيديرالية. أما سورية فالكرد أصبحوا مسؤولين عن حماية مناطقهم، والدولة فاقدة السيطرة على منطقتهم، وغيرها من المناطق، والدليل حصار مدينة العرب.

والسؤال المطروح هو: ما التوجهات الأمريكية الخاصة من خلال هذه القاعدة؟ أهي عرض عضلات أم أنها بداية لظهور الدولة الكردية المستقلة ذات الأضلاع الأربعة أم مرحلة من مراحل الفوضى الخلاقة؟

 

علي العنزي /  صحيفة (الحياة) اللندنية 

 * أكاديمي سعودي

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket