مُحاربة الكُرد، أم هروب من عدالة قضية..؟

الاراء 11:57 AM - 2014-10-20
عدالت عبدالله

عدالت عبدالله

 ثمة شعب يبلغ تعداده أكثر من 40 مليون نسمة، يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، لم نرَ في أي من الكتب التاريخية، التي تتحدث عن سيرة الشعوب و المجتمعات البشرية و تدون حقائقها و مآثرها، أو إنتصاراتها و إخفاقاتها، أية إشارة الى إعتدائه على أي شعب آخر، أو أحتلاله لأراضي دول ما، أو قيامه بتهجير الغير و ترحيلهم، أو الشروع في قتل و ذبح الناس، أو أية جرائم أخرى مألوفة و واردة في الدساتير و القوانين الدولية.

 أنه شعب مسكين، بالمعنى العامي للكلمة، مُجرد تماماً من فعل كل ما يُعتبر إجراماً و إنتهاكاً لحقوق عباد الله. نعني هنا الشعب الكُردي، الذي – ربما يعرف الكثيرون بذلك - بأنه شعب مسالم، خدم الإنسانية و الإسلام على وجه التحديد، قدم أفضل علمائه و أبطاله و أبنائه من أجل نصرة الآخرين لا نفسه!، ليس لأنه لم يكُن جديراً بها، و إنما لأن المحتلون و الغزاة لم يسمحوا له أساساً أن يعرف نفسه و يرسي معالمه، أو يُكَوَّن ذاته و يقف على قدميه.

 الأسوأ من ذلك كله، هو أن الجميع، بلا إستثناء، وقف ضد الكُرد و ضد تطلعاته بلا رحمة: الغرب و الشرق، العرب و العجم، الفُرس و التُرك و كل من بنى إمبراطورياته و مستعمراته، أو دوله و أقطاره على حساب هذا الشعب و إحتلال بلاده و قهر عباده، أو ثرواته و خيراته، أو قدراته و طاقاته. 

 أن التاريخ يقول لنا أن الكل أجحف بحق الكُرد و ظَلَمَه، و لم نلمس، عبر التاريخ، من يأتي و يبادر لمساندة الكُرد بدافع الإنسانية، أو بناءاً على الروابط الدينية و الحضارية، الإ حينما تتحول القضية الكُردية، كما كان الحال، خصوصاً في القرن العشرين، الى لعبة أو ورقة مُغرية في حلبة الصراعات الدولية و الأقليمية، يتم إستغلالها و توظيفها بشتى العناوين لمرامٍ إستعمارية و عدوانية، أو لمآرب سياسية و أستراتيجية، دون أن تخدم أي منها، في النهاية، مشروعية القضية، أو تُنصِف هذا الشعب و تؤدي به الى الخلاص و نيل حقوقه المهضومة.

 لا نود هنا طبعاً أن نُفَسر هذا القدر المشؤوم للكرد بالوقوف وحسب على مظالم الإستعمار و قساوة المحتلين والمُهَيمنين على أقدار الشعوب و حصر الأمر بهم، و لانؤيد ذهنية إصطفاء الذات و تبرئته و اللقاء اللوم على الغير فقط، و قد لاتشاطرنا في ذلك حتى مقتضيات التفكير العلمي في دراسة الأمور و الأحداث. نحن هنا نذكر هذه المسألة بأبعادها المختلفة، و هذا يستدعي منا أن لا نحجب وجوه أخرى متعلقة بحيثيات المسألة و خلفياتها. 

 بمعنى آخر، نحن نعي تماماً بأن الشعب الكُردي نفسه، هو الآخر، لم يكن بمستوى المتغيرات و الأحداث التاريخية، التي أعطتها فرصاً ثمينة لتحقيق أهدافه القومية مثلما حققتها الشعوب و القوميات الأخرى، و نعلم أن مرد ذلك هو أن هذا الشعب، إن كان بفعل الإمبراطوريات المتحاربة في المنطقة أو سياسات الإستعمار في تقسيم الشعوب و تفتيتها، لم يكن موحداً و متماسكاً على مستوى الخطاب و السياسة، أو الصراع و المواجهة مع الأعداء، و أنما ظل غالباً في قوقعة النزاعات الداخلية القائمة على النزعات الحزبية و القبلية و المناطقية، و ذلك ربما لأسباب أخرى، هي ذاتية بالدرجة الأولى، أبرزها يتعلق، قبل كل شيء، بالتركيبة السوسيولوجية للمجتمع الكُردي فضلاً عن الواقع الطوبوغرافي و المكانة الجيوبوليتكية المعقدة التي قدرت لها الطبيعة.

 نحن نعلم بأن الخلافات و الإنقاسامات الكُردية الداخلية في الحقب التاريخية المختلفة، ساهمت بشكل كبير في توجيه القدر السياسي الذي يعيشه الكُرد في أجزاء كردستان الأربعة. كانت هناك دوماً عوامل داخلية/ذاتية تُغذي بإستمرار العوامل الخارجية / الموضوعية في ما تعرض له الكُرد عبر تاريخه العريق، و لايمكن لأحد أن يحجب هذه الحقيقة المرة، التي لاتزال قائمة بأشكال أخرى حتى و إن بدت لنا، في بعض الظروف، و كأنها زالت و حل مكانها حقائق أخرى!. نقول هذا بحق أنفسنا الى حد جلد الذات و لا نخشى من الإقرار به، و لكن نعي معه، في الوقت ذاته، أن الآخر/ العدو/ المُستعمر/ الغازي، الذي يشكل الطرف المُهيمن في المعادلة و المُسيطر على مصير شعبنا، هو من يقف – في النهاية- وراء إقصاء الكُرد التاريخي من حقه في تحقيق مصيره، و هو المسؤول أيضاً عن بقاء هذا الشعب لحد اليوم كشعب مقسم و مجزء الى أجزاء متعددة و متشرذمة. 

 العامل الخارجي، المتمثل في الآخر المستعمر و المحتل، لم يكن عاملاً حاسماً فيما تعرض له الكُرد فحسب، و إنما يمثل لنا أيضاً مدى قساوة الإستراتيجيات السياسية و الإقتصادية الدولية، التي فضلت كل هذه القرون و العقود أن يكون الشعب الكُردي بلا كيان و دولة و أن يبقى على حاله المأساوي كضحية لبقاء الخواريط السياسية الموضوعة للمنطقة وفقاً لمصالح الإستعمار و الدول المصطنعة التي أفرزها!. نعم نحن ندرك جيداً مدى إجحاف العالم بحقنا، و قد قرأنا التاريخ بما فيه الكفاية، في العقدين الماضيين، كي نفهم الأسباب البنوية و الظرفية التي تقف وراء القدر المفرض علينا و على أجيالنا المختلفة الى يومنا هذا، و قد دوّنا، هذه المرة، هذا التاريخ، بلغتنا و مفهومنا و وقائعنا و حقائقنا لا بلغة المحتلين و المتآمرين أو الغزاة و المستعمرين، الذين شوهوا مشروعية القضية الكُردية و أعتبروها مجرد مشاكل تتعلق بأقليات معينة في المنطقة، و كل ذلك نتيجةً لغيابنا نحن على مسرح الأحداث الدولية كفاعلين و لاعبين لا كأداة في المخططات الخارجية للدول الغربية و العربية و الإسلامية.

 الكُرد و منذ عام 1991م، أي بعد أنتفاضة الجزء الجنوبي من كردستان" كردستان العراق" أصبح لاعباً حقيقياً في المعادلات الدولية و الأقليمية في المنطقة، و قد تجاوز منذ ذلك الحين مرحلة الثورة و النضال المسلح الى مرحلة الحكم الذاتي و أدارة مناطق كبيرة من أرضه التاريخية، و بفضل إرادة الشعب أقام مؤسسات وطنية من حكومة و برلمان و جيش ليمثل نفسه أمام العالم و دول المنطقة و يثبت جدارته في أن يحكم نفسه بنفسه، بل و يدعم ايضاً من خلال تجربة كُردستان العراق الأجزاء الأخرى من كردستان. و ها هو اليوم و على أرض الواقع، تشهد القضية الكُردية من جديد بروزاً دولياً قل نظيره، و أصبح للكُرد أصدقاء و حلفاء بفضل عدالة قضيته و دفاعه عن أرضه و كرامته بل الدفاع عن العالم بأسره من خلال مواجهته لأبشع الجماعات الهمجية في التاريخ الحديث ألا و هو تنظيم داعش الإرهابي كما هو الحال اليوم في كوباني و كردستان العراق.

 

عدالت عبدالله / كاتب و باحث من كردستان 

ايلاف

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket