مؤتمر العصر

الاراء 01:23 PM - 2014-09-16
عبد المنعم الاعسم

عبد المنعم الاعسم

اذا كانت ظواهر العنف وانتشار الارهاب وانشقاق التاريخ الحديث عن اشكال جديدة متوحشة لاستخدام القوة والتنكيل، وارتداد جماعات من البشر الى خيار الغابة واحتراف القتل الجماعي الاقصائي وازدراء الحضارة والتنوع فان مؤتمر باريس الذي ينعقد هذه الايام للبحث في التصدي لهذا الانزلاق الخطير في مجرى الحضارة والعصر ودعم العراق باعتباره الساحة الملتهبة له ،هو مؤتمر العصر بحق، في المعنى المباشر للتفويض الذي يحظى به من حكومات العالم وأممه وكل انصار الحرية وفي المعاني الاخرى ذات العلاقة بالتهديد الذي يشكله هذا النشاط لسلام العالم وحضاراته ولأسس التعايش بين شعوبه وثقافاته ومعتقداته.

وتكمن الاهمية الاستثنائية لمؤتمر باريس في وضوح طبيعة الخطر الذي يمثله المشروع الارهابي لـ”داعش” بالنسبة للعالم، والاصطفاف الفريد في نوعه بين دول العالم وهيئاته الانسانية بمواجهة هذا الخطر، الامر الذي لم يشهده العالم انْ اتفق في شأن من الشؤون منذ نهاية الحرب الثانية في منتصف القرن الماضي، وليس من دون مغزى ان لا تجد دولة من الدول نفسها خارج التهديد الذي يمثله داعش في العراق بما فيها الدول التي رعت المشروع في بداياته وزودته بالامكانيات العسكرية والمالية واللوجستية، والدول الاخرى التي تواطأت معه بالصمت او المراهنة للافادة منه لتحسين ادواتها في الصراع السياسي مع الدول الاخرى.

إذن، لابد لمؤتمر باريس، إذا ما اراد ان يضع الخطوة العملية لتحالف دولي ناجح وتسجيل انعطافة في المعالجة الواقعية للمعضلات التي تهدد البشرية ان يسد الطريق على بعض القوى والحكومات التي تلعب في ساحة المناورة ولا تزال تحتفظ بخيوط اتصال بمشروع الردة وتأمل توظيف الحرب الدائرة على الارض العراقية في طموحاتها للتوسع الاقليمي ومدّ النفوذ، ومثل هذه الدول معروفة ولا يخفي اعلامها وتصريحات مسؤوليها التعاطف مع مشروع داعش، وبعضها يشارك في مؤتمر باريس بحماس فاتر، وربما من زاوية الانحناء للضغوط، او السعي لافشاله وتسويف مقرراته. 

العصور لا تحمل صفاتها وسماتها ومضامينها من حاصل الصراعات السياسية ونتائج الحروب فقط ، انما تحملها ايضا من حاصل التلاقي والتعاون والشراكة بين الارادات الانسانية لدرء الاخطار والكوارث التي تتجاوز الاعتبارات الجغرافية، وايضا مما وصلت اليه العلاقات بين الامم والثقافات والسياسات، ومن التحديات الطبيعية والتعبيرات الجمعية في السلوك الانساني، وكل هذا يحتشد على مدار مؤتمر باريس حول العراق ويؤهله ليكون في مستوى اللقاءات والاحداث التي غيرت مجرى التاريخ. 

المغزى، الاكثر اهمية، هو ان العراق سيوضع في قلب هذا التحول، ساحة للمشروع الهمجي الارهابي، من جهة، وميدانا لتحالف العالم ضده، من جهة ثانية، واسئلة عن مستقل واهلية نظامه السياسي، من جهة ثالثة. 

 

“من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لاتكلفه شيئا فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر”. 

             افلاطون

 

عبد المنعم الاعسم

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket