يحاول البعض تزويقها لكنها على وشك الانهيار

تقاریر‌‌ 02:18 PM - 2014-08-28
يحاول البعض تزويقها لكنها على وشك الانهيار

يحاول البعض تزويقها لكنها على وشك الانهيار

حسن عجمي.. ليست مجرد مقهى، ولكن لا احد لها!

اعتقد لو ان للمقهى لسان لصرخت بصوت موجع يفزع الجميع، ولو انها كائن حي لخرج كل ما فيها في تظاهرة حاشدة تطالب باسقاط الذين اهملوها وجعلوا الزمن يقسو عليها.
 لمقهى الادباء هذه ذكريات هائلة لا تحتملها ذاكرة ما، وتفوح من بين ارجائها روائح تردّ الروح وتنعش الوعي وتملأ الفضاءات بالحنين، لكنها الان عمياء صماء بكماء، تذروا رياح الاهمال ما التصق في امكنتها، كل الاشياء الجميلة، حتى تهرأ كل شيء فيها واضمحل واندثر وتغيرت الوانها فصارت مثل ضحك بلا سبب!.
مؤسف. ان تمر احدى عشرة سنة على التغيير (الديمقراطي) الكبير الذي حصل في العراق ولم تنتبه الحكومات المتعاقبة اليها، لم ينظر مسؤول، سواء كان سياسيا او خدميا، الى واقعها الذي يتهرأ يوما بعد اخر وتنخر فيه ارضة الاضطهاد، بل ربما لا يعرفون شيئا عنها وعن تاريخها الممتد الى مئات السنين ربما، لذلك لا يعرفون قيمتها لمدينة مثل بغداد او لشارع مثل الرشيد او للادباء العراقيين الذين حفظت عن ظهر قلب كل ما كتبوا وما قرأوا وما تحدثوا به من طموح ووجع وشجون وخيبات وانكسارات وتفاؤلات، مثلما حفظت موسيقى كل (استكان) شاي يتم عزفها بملعقة تنوء بها الاصابع نفسها التي تمسك القلم، وهي تهمس بخلجات قلب الاديب كما تحفظ موسيقى رشفاته التي يمارسها وهو منشغل عنها باشياء اخرى، واهتزازات الارائك الخشبية التي تراكمت الازمنة عليها او اصوات الحصران التي تتدلى بسبب حركة الادباء الدائبة وعدم استقرارهم.
ها هي المقهى. تعيش سنوات مثقلة بالخراب والهدم والاندثار، تهتز وترتجف ازاء خطوات العابرين منها، تمر عليها الغيبوبات، صغرى وكبرى، وتطيح بطموحاتها في ان تنهض من جثوها الذي طال، فقد صارت مقهى تراثية؟
مررت بها يوم الجمعة، قهقهت بمرارة للاصلاحات فيها، فقد صبغوا واجهتها بلون بنفسجي، انه تزويق مخادع، كأنهم يحاولون رشّ شيئا من البهجة عليها في محاولة منهم لجذب الانتباه، لكنها ظهرت مثل عجوز  مرهقة ومتهالكة رسموا لها ملامحها باحمر الشفاه والخدود بكميات غير معقولة لتكون اضحوكة، لكن العاشق لها يتأسف لما يشاهده ولدواخلها التي باتت تنز كآبة وقد تغيرت تماما فيما رائحة كريهة تفوح من اعماقها، او هكذا يشعر من يمد رأسه، وقد تورمت حيطانها بفعل الرطوبة، وقد يجد نفسه يتكلم بصوت مسموع ان المقهى بقيت متماسكة بقدرة عشقها للبقاء وانها بأخشابها المتهرئة وحيطانها الصفر  تتحدى الزمن وتقلباته، وربما يخالجه صوت الشاعر عدنان الصائغ في قوله عنها :
وما تبقى من الأصدقاءِ في مقهى حسن عجمي، اكتفوا بشربِ الشاي
وتبادلِ نصوصِنا المسرّبةِ..
وعلى الكراسي الفارغةِ التي تركناها منذ 1993
سأجلسُ في انتظارِ شيخوختي، التي ستعودُ - ذاتَ يومٍ - على عكازين
أو دمعتين
ساخراً من كلِّ ما مضى
وما........ سيأتي
وإذ ان الاهتمام غائب تماما عن المقهى بحجة انه (وقف)  فأنها على وشك الانهيار الذي ربما يتمناه البعض، فما فوق المقهى مجرد هيكل فارغ وبناء متهالك كأنه يوحي بأنه لوحة سريالية، ولا نعرف اذا ما كان القائمين على (الوقف) او المسؤولين على الدائرة البلدية لشارع الرشيد تدرك ان البناء اذا ما سقط سيسقط على رؤوس اناس يجدون متعتهم بالقرب من المقهى، كما انهم لا يعرفون ان هذا المقهى يمثل تاريخ مدينة بغداد او تاريخ منطقة الحيدرخانة او شارع الرشيد وانها علامة فارقة في الذاكرة البغدادية تظل شاخصة بعبقها وذكرياتها التي فاضت بها ذواكر الادباء والمثقفين ودونوها على الورق في اشعارهم وقصصهم ورواياتهم وفي سيرهم الذاتية، فيما ظل الاسم (حسن عجمي) قريبا من جميع الذين مروا في المقهى ومن لم يره سيراه بعين الذين رؤوه حيث كان (انيقا في ملبسه ومحترما في تصرفاته وكان يقتطع زاوية المقهى ايام الصيف للتلاميذ ليذاكروا دروسهم ويمنع لعب الطاولة او الصياح قرب التلاميذ حتى ينتهوا من مذاكرتهم ) وهو الذي يصفه الشاعر محمد مهدي الجواهري قائلا : (صاحب المقهى حسن عجمي متوسط الطول، اسمر اللون، مقبول، عربيته جيدة، ويعمل في تجارة السجاد التي كانت في حينه تجارة مربحة).
ومن الممكن ان نذكر  القائمين على مدينة بغداد بما قاله الجواهري عن المقهى وقد بدأ يرتاده عام 1926 : (امضيتُ اياما جميلة في هذا المقهى مع الخلان والاصحاب والاحباب، وكم من القصائد الجميلة التي نظمتها في هذا المكان !، قصيدة (المقصورة) بدأت بكتابتها في هذا المقهى وأكملتها في البيت على نهر دجلة)، وقوله عنها ايضا : مقهى حسن عجمي يُعد من اشهر مقاهي شارع الرشيد ويقع مقابل جامع الحيدرخانة في شارع الرشيد ومن الجهة القريبة من الميدان. كان ملتقى لطلائع بغداد تتردد عليه خيرة اعلام بغداد من امثال عبد الوهاب مرجان الذي اصبح وزيرا ورئيسا للوزراء، وعبود الشالجي وهو محام كبير له مكتبة ادبية وعلمية متميزة آنذاك، وعز الدين النقيب، ويونس السبعاوي، وصادق كمونة ومحامين كبار. اعلام بغداد كانوا يجتمعون في هذا المقهى كانوا يترقبون مجيئي وعند وصولي كان الصمت يسود لتتواصل بعد قليل الاحاديث والطرائف والنقاشات السياسية والادبيةجماعة البلاط كانوا لا يترددون على هذا المقهى انهم رسميون كان المقهى مفروشا بالسجاد الاصلي (كاشان ) تسطع في أرجائه (السماورات ) و(القواري ). وكان ذلك يعكس ذوقا رفيعا ومن باب الذوق الرفيع واعتزازهم بي كانوا يجلبون لي (القهوة ) التي كُتبت على (كشوتها ) كلمة الجواهري بخط انيق وجميل وكان ثمن استكان الشاي عانة واحدة (اربعة فلوس )، وكذلك كانت القنفات كلها مغطاة بالسجاد وعلى الجدران ايضا سجاجيد "
 اذن. هذه المقهى تناشد الادباء على اختلاف عصورهم وازمنتهم ان يمروا عليها عسى ان يشفعوا لها عند حكومة 2014 لتهتم بها وتشعرها بقيمتها التراثية، وانها ليست مجرد مقهى.
عبدالجبار العتابي 
PUKmedia

شاهد المزيد

الأكثر قراءة

لتصلكم اخبارنا لحظة بلحظة

حملوا

Logo تطبيق

app app Logo
The News In Your Pocket